المحتوى الرئيسى

عمَّن نسيناهم في تضامُننا

01/20 12:16

مجرد المرور على صفحات مثل "الحرية للجدعان"، وحملة "الإهمال الطبي في السجون جريمة"، على الفيسبوك، يصيب أي شخص -سويّ- اكتئاب لا تنفع معه أدوية ولا أطباء نفسيون، ولا حتى جلسات الطب الروحاني، لكن بمجرد أن ترى صور المقبوض عليهم أو المختفين قسريا، تتملكك قوة لا يعرف أحد مصدرها، أنا شخصيا أدعو دعاءً واحدًا بعد كل مرور على تلك الصفحات "اللهم ألهمنا ثقتهم وصبرهم، وضحكتهم، وألهمهم حريتنا وأبعد عنهم قلة حيلتنا".

"اليوم هو ذكرى مرور عامين لي داخل السجن، مرور عامين دون حريتي، مرور عامين من الظلم والألم المستمر، أستطيع اليوم أن أجزم أن هناك أشياء لا أستطيع القيام بها اﻵن، أستطيع اليوم أن أجزم أن هناك أشياء سقطت من ذاكرتي، وأني أشعر أحيانًا بالتشويش الفكري، بسبب تشابه أكثر من 700 يوم ولكني أستطيع أيضًا أن أجزم أني لم أفقد الأمل يومًا، وأني ما زلت قادرًا على أن أحلم، وما زلت أحلم بأني سأعيش يومًا في مصر الثورة". رسالة ياسين صبري - سجن طرة استقبال في 12-01-2016

ثارت الدنيا كلها، عندما ذهب حسام بهجت، الكاتب الصحفي بموقع "مدى مصر" إلى مقر المخابرات، وفي تحقيق غير رسمي، تحول بعد 24 ساعة إلى اتهام رسمي بإذاعة أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية، ونشر معلومات تضر بالسلم العام، قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد إخلاء سبيل حسام، الذي بالمناسبة تم بعد ساعات من القلق الذي أعرب عنه بان كي مون -السكرتير العام للأمم المتحدة- ووصفه لحسام بـ"المدافع عن حقوق الإنسان"، ولم يفت على غالبية المنظمات الحقوقية المحلية والدولية شجب وإدانة ما حدث مع بهجت، وطالبت بالإفراج الفوري عنه. 

بالفعل، نال حسام حقه، وأفرج عنه، وفرحنا بالانتصار الصغير.

قولا واحدًا لا يوجد رقم رسمي بعدد المقبوض عليهم بعد 3 يوليو 2013، ولم تعلن أي جهة رسمية أرقاما محددة بالأشخاص الذين تم القبض عليهم بعد هذا التاريخ، رغم البيانات الإعلامية التي تنشرها وزارة الداخلية عن القبض عن "كذا" وتذكر رقمًا، لكنها لم تشر في أي تقرير لها إلى العدد الإجمالي للمقبوض عليهم.

موقع "ويكي ثورة" نشر في نهاية 2014، ما سماه حصرًا للمقبوض عليهم في الفترة من 3 يوليو 2013 حتى 15 مايو 2014، وفي هذا التقرير قال الموقع إنه تم حصر 41,163 مقبوضا عليه أو متهما في واقعة أو قضية في جميع محافظات الجمهورية مما تم التوصل إليه.

ويوضح الموقع المهتم بتوثيق أحداث ثورة يناير وما تلاها، أن الحصر شمل "كل تحرك أمني أو قضائي من الدولة تجاه كيانات أو أشخاص على خلفية سياسية أو طائفية أو احتجاجات اجتماعية أو عمالية أو أعمال إرهابية أو محاكمات عسكرية للمدنيين".

ويزيد الموقع توضيحا ومنعًا لأي هجوم مضاد بأن الحصر يشمل كل من تم القبض عليه أو اتهامه في محضر أو بلاغ، سواء تم صرفه من المحضر بعد القبض عليه أو إحالته للنيابة والمحكمة أو صرفه من القضية أو الحكم عليه بالإدانة أو البراءة.

وأكد أن هناك نسبة تكرار للأسماء لا تتعدى (+/- 5%) بسبب تضمين بعض الأشخاص أحيانا في محاضر وقضايا لوقائع منفصلة، بالإضافة إلى واقعة القبض.

ليس أمامنا مصدر آخر للمعلومة، غير "ويكي ثورة"، وأنا شخصيا أثق فيه وأتابع الجهد الذي يبذله القائمون عليه، والتوثيق الذي يورده الموقع مع كل حالة، حيث ينسب دائمًا كل واقعة إلى المحضر الذي ضبطت به الحالة، أو إلى الإعلان الرسمي بخصوص تلك الحالات.

الحرية للمعتقل المجهول.. الجملة الأخيرة، تبدو تزيُّدًا على مواقف البعض، وحملًا على كتف من ليس بأيديهم شيء، هذا صحيح، لكن علينا أن نعترف بأن قطاعا كبيرًا منا يتعامل مع مسألة القبض على مواطن، أو تعذيبه أو قتله، من مبدأ "هو مين؟"

وتحت هذا السؤال خيارات كثيرة، وأسئلة أكثر، وكلما كان هذا الشخص، صديقا/ قريبا/ مشهورا/ كانت حملات التضامن معه أكثر، وطالما هذا موضع اعتراف، فلا بد أن نقول بأن ما نالته إسراء الطويل من حملات تضامن، لم ينل من هم/ هن أكثر بؤسًا منها في الزنازين، والصورة التي لفتت مواقع التواصل الاجتماعي كله لرئيس مجلس الشعب السابق محمد سعد الكتاتني وقد هزل جسده في السجن، هناك مئات مثله وحالتهم الصحية أسوأ منه بكثير، ورغم ذلك لم يهتم أحد بنشر صورهم، وبالتالي لم ينقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج، لا بد أن نقول أيضًا بأن إسماعيل الإسكندراني، صحفي وباحث، لا يختلف كثيرًا عن حسام بهجت، لكن ما ناله حسام من تضامن فاق بكثير ما ناله إسماعيل، بل هناك من نسى أصلًا أن الإسكندراني لا يزال مقبوضا عليه، نسينا أنه لا تهمة حقيقية يواجهها، وكل ذنبه أنه باحث وكاتب، ليس وحده إسماعيل، فالقائمة طويلة وتضم عمالا، وفلاحين، وموظفين، وصحفيين، وطلبة وكبارًا، وصغارًا، وقد لا يكون الحرز سوى كتاب، أو ملصق، وكثيرًا ما تكون التحريات هي سبب الاحتجاز، نسينا جميعًا والجريمة وقعت فيها كل التيارات.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل