المحتوى الرئيسى

بروفايل| حكيم منير صليب.. قاضي انحاز للغلابة وتحدى السادات

01/19 21:11

لم يكن القرار على القاضي الذي ينظر أخر قضاياه، بالانحياز للثورة ومطالب الشعب بالقرار الهين، فهي آخر قضية ينظرها في سجل حياته الوظيفية، والحكم بالبراءة فيها يدخله نفقا مظلما مع رئيس الدولة رأسا.

هو المستشار حكيم منير صليب، رئيس محكمة أمن الدولة العليا، التي حكمت في القضية رقم 100 لعام 1977، وبعضوية المستشارين علي عبد الحكيم عمارة وأحمد محمد بكار القاضيين بمحكمة استئناف القاهرة، وأطلق عليها حينذاك قضية الشيوعية والتحريض على أحداث 18 و19 من يناير سنة 1977 "انتفاضة الخبز".

وأصدر حكمه وقتها بعد مداولة استمرت عامين بالبراءة على ١٧٦ متهما، متحديا نظام الرئيس أنور السادات، مؤكدا في حيثيات حكمه التي خلدت اسمه عبر التاريخ أن ما حدث كان انتفاضة شعبية وليس انتفاضة حرامية كما وصفها السادات.

القضية كشفت توغل القبضة الأمنية داخل أروقة النظام، وتوافق الآلة الاعلامية مع ما ينتهجه النظام، كما كشفت التناغم بين ما يريده النظام وبين ما يبثه الاعلام.

بداية الأحداث في مثل هذا اليوم منذ 39 عاما، حينما قررت الحكومة رفع الدعم عن بعض السلع التموينية، وانتفضت جموع الشعب المصري برعاية يسارية خالصة، ربما تكون المرة الأخيرة التي خرجت فيها أطياف اليسار للتعبير عن الغضب المكبوت تجاه سياسة الغلاء، التي انتهجها النظام الحاكم في مصر.

جابت المظاهرات الغاضبة شوارع القاهرة وهاجمت استراحات رئيس الجمهورية، ودخل على خط الاحتجاج الطلاب وعمال المصانع، الأمر الذي استدعى نزول قوات من الجيش لتأمين المنشآت والشوارع، وكذلك إلغاء القرار الخاص برفع الدعم.

بيد أن النظام ألقى القبض على مئات المتظاهرين وعدد من القيادات اليسارية، ومهد الإعلام بخروج منشيتات الصحف ثاني يوم تخبر عن مؤامرة شيوعية لقلب نظام الحكم وإشاعة الفوضى في البلاد.

وقدر وقتها الإصابات بسقوط 79 قتيلا،ً و214 جريحاً، ووصف السادات المظاهرات بأنها "انتفاضة حرامية".

واستمر نظر القضية في محكمة أمن الدولة، وظهر البطل الحقيقي لأحداث يناير 1977، المستشار حكيم منير صليب، الذي رفض ما أظهرته الموجة وقتها من إدانة المتظاهرين، مقررا أن ينظر للقضية بضمير الإنسان، وكان قبلها قد أصدر حكما في قضية إضراب السكة الحديد التي قضى فيها ببراءة جميع العمال المعتقلين.

وقال "صليب" في حيثيات حكمه: "لكن المحكمة وهي تتصدي لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء لعلها تستكشف عللها وأسبابها وحقيقة أمرها، لابد أن تذكر ابتداءً أن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية في ذلك الحين وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحي الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصري، فقد كان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول علي طعامهم وشرابهم، ويجابهون الصعاب وهم يواجهون صعودًا مستمرًا في الأسعار مع ثبات في مقدار الدخول، ثم إن المعاناة كانت تختلط بحياتهم اليومية وتمتزج بها امتزاجًا، فهم مرهقون مكدودون في تنقلهم من مكان لآخر بسبب أزمة وسائل النقل، وهم يقاسون كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من نقص في الخدمات، وفوق ذلك كان أن استحكمت أزمة الإسكان وتطرق اليأس إلى قلوب الناس، والشباب منهم خاصة، من الحصول على مسكن وهو مطلب أساسي تقوم عليه حياتهم وتنعقد آمالهم في بناء أسرة المستقبل".

وأضاف :"والذي لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18 و 19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار، فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلي سبب آخر غير تلك القرارات، فلقد أصدرت علي حين غرة وعلي غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن في حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلي الشارع للناس محرضا ومهيجا".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل