حازم عبد العظيم يكتب لـ«التحرير».. ويرد على الجميع: شهادة ختان!
انتظرت حتى هدأت العاصفة بعد شهادتي التي نشرتها في مطلع العام الحالي في 1 يناير 2016، ثم تابعت ردود الأفعال وجمعت معظم التساؤلات والتعليقات كما شاهدت كيف تناول الإعلام المصري هذه القضية.
سأبدأ بالإعلام المصري المرئي كان في مجمله يتلخص ما بين وصلات للردح والتطاول والاستظراف، وصمت الصراصير. كان التركيز على الشخص ودوافعه وتوقيت الشهادة وليس المضمون ولا الهدف منها. أحد الإعلاميين قال: تتقطع رقبته وإعلامي آخر، قال: فيديوهاتك عندي، وآخر يقول: ضميرك عنده واوا وروح اتعالج بضميرك ماتقرفوناش.. وإعلامي مخضرم قال: اللي عايز الدح مايقولشي الصح، في إشارة أنه طالما دخلت في اللعبة لازم تستمر فيها للنهاية وتستفيد شخصيًّا (الدح يقصد عضوية البرلمان) وماتقولشي الصح (الحقيقة).. ولم يكمل باقى الوصلة (ولما تاكل الدح ماتقولشي أح.. عفوًا ولكن القافية حكمت) وسخرية من التفاصيل دخلت الدور الأرضي واللمبة كانت منورة، رغم أن هذا الإعلامي المخضرم يعلم جيدًا أن قوة الشهادة نابعة من قوة التفاصيل والتوثيق بالزمان والمكان، وعلى الجانب الآخر كان هناك صمت الصراصير من إعلاميين في قضية أثارت الرأي العام لعدة أيام، ولا أزايد عليهم ولا أدخل في النوايا، ولكن صمتهم كان علامة استفهام بالنسبة لكثيرين تابعوا هذه القضية. فكان قراري صائبًا جدًّا برفضي نهائيًّا الظهور والمداخلات في الإعلام المصري الموقر.
القصة ليست قصة الشخص الذي أدلى بالشهادة سواء حازم أو زيد أو عبيد، القضية في مضمون الشهادة والخلاصة منها. وبالطبع تلقف إعلام الإخوان الشهادة باستفاضة لأكثر من يوم لخدمة قضيتهم، كما هو متوقع، وسكت الإعلام المصري عن الكلام المباح! لم يتناول إعلامي واحد في مصر المغزى الرئيسي من هذه الشهادة من أجل المستقبل، وهو مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص واحترام الدستور في أي عملية انتخابية قادمة وخطورة استمرار هذا النهج. وفيما يلي استعراض لأهم الأسئلة والتعليقات والمواقف.
ربما يكون أكثر الأسئلة التي سمعتها على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الإعلام لماذا هذا التوقيت؟ ! هل يتخيل هؤلاء أني كنت بصدد نشر رواية من حكايات جدتي قبل النوم؟ ولا يقدروا كم التردد والخوف والحسابات المصاحبة لشهادة من هذا النوع! ولكن لمن سأل عن التوقيت هذا هو التسلسل الزمني:
فترة الاحتضان داخل النظام كانت 55 يومًا ما بين أول اجتماع في الجهاز السيادي يوم 3 فبراير 2015 وحتي فطامي منه وانسحابي من قائمة "في حب مصر"، وبالتالي من رحم النظام كله في 28 مارس 2015، وهذا موثق هنا! طوال الـ55 يومًا كنت في تردد وصراع نفسي هل أستمر مع النظام أم أخرج منه وتداعيات هذا الخروج.
بعد خروجي كنت أفكر فعلًا في أن أنشر شهادتي مباشرة، وكما ذكر د.عمار على حسن في مقالته من يرد على حازم عبد العظيم، وقد سرد عن حوار تليفوني بيني وبينه بعد خروجي من القائمة، وقلت له فعلًا أني أفكر في ذلك. ولكني ترددت كثيرًا وسرعان ما تراجعت وقلت لنفسي: لقد جلبت لزوجتي وأسرتي الكثير من المتاعب منذ تهديدات أمن الدولة في 2010 في عهد مبارك، ومشاركتي في أحداث الثورتين الدامية والتشهير بسمعتي وسمعة عائلتي بقصة إسرائيل الكاذبة، ثم قصص فساد من جريدة صفراء، ثم قرار الضبط والإحضار وإحالتي للجنايات في عهد الإخوان، فماذا بعد أن أنشر هذه الشهادة؟ المزيد من التشويه والتشهير وربما التنكيل، هل من الأنانية أن أرضي ضميري على حساب أسرة تريد أن تعيش في هدوء واستقرار؟ فكان قراري وقتها:
ولكن قررت أن أقول ما بداخلي عن سياسات الرئيس السيسي في الـ70 تغريدة! فهذا في النهاية نقد سياسي لا يرقى إلى مرتبة الخطورة مثلما قلت في الشهادة. وكما هو متوقع طفح في وجهي ماسورة مجاري إعلام النظام وزرائب شبكاته الاجتماعية، فقررت في 31 أغسطس أن آخذ إجازة من هذا الوحل، وأبتعد عن السياسة لعدة أشهر لمتابعة المشهد وإعادة ترتيب الأوقات وتقوَّل البعض عني خطأ أني اعتزلت السياسة وهذا موثق هنا.
وكان تقديري على الأقل أربعة أو خمسة أشهر. وفي خلال هذه الفترة كنت أتابع الأحداث السياسية، وكنت لاغيًا تمامًا فكرة الشهادة، وكنت أشاهد أعضاء القائمة ممن حضروا الاجتماع ينفون باستمرار تدخل الدولة في الانتخابات والإشادة بنزاهتها! وبدأ يتنامى داخلي شعور مقرف بالسكوت عن الحق، وبدأت أرى كلامًا عن تكوين ائتلاف دعم مصر لضمان الثلثين، وأرى كلامًا خطيرًا عن تعديل الدستور ومد فترة الرئاسة وزيادة صلاحيات الرئيس الذي أطلق تصريحًا عن دستور النوايا الحسنة. كان هذا هو القشة!... لا بقى! كده كتير! هل مطلوب مني أن أصمت عن هذا الهزل؟ وكيف تم تكوين ائتلاف دعم مصر الحاكم الذي سيتحكم في كل قرارات المجلس الموقر ومصير دولة بحالها بضمان الثلثين، مع تلميحات بتغيير الدستور، وقد كنت شاهدًا على ولادته من داخل رحم قائمة "في حب مصر"، وقررت في ديسمبر أن أتخلص من الخوف وأكتب الشهادة واخترت أول يوم في العام القادم رمزًا لعام جديد أتمنى أن يكون أفضل من سابقه. وكان أسوأ ما في هذا التوقيت في رأيي هو وضعي مع عكاشة في سلة واحدة. وعندما تكلم دكر البط بشجاعة قلت: لو نفذ ما يقول واستقال وسافر سأغير نظرتي فيه. ولكنه لحس كلامه تاني يوم، يبدو بعد قرصة ودن شديدة، وقال: كنت بأهزر، واعتذر للأجهزة السيادية فلم يتبقَّ من "دكر البط " سوى البط! فربط شهادتي الجادة بهزل البط لم تكن في صالح الشهادة لمن يتفلسف كثيرًا في مغزى التوقيت وكان ممكن تأجيلها ولكني كنت أخذت القرار في توقيت لا يعتمد على الأحداث، فأي توقيت كان سيقال لماذا الآن؟
التوقيت مغرض والشهادة انتقامية وغير مستقيمة
أستاذتنا فريدة الشوباشي قالت تعليقًا إن هذه الشهادة غير مستقيمة وحزنت بشدة عند سماعي ذلك من سيدة أكن لها كل احترام، وتذكرت والدي رحمه الله الذي لم يحسن تربيتي وكان دائمًا ما يردد في أذني "امشي عدل يحتار عدوك فيك"، والبعض الآخر يقول إن التوقيت مغرض وانتقامي لتشويه البرلمان والرئيس قبل انعقاد أولى الجلسات بعشرة أيام! لو كان هذا صحيحًا لكنت أطلقتها يوم 10 يناير في افتتاح الدورة البرلمانية وكانت ستغلوش فعلًا إعلاميًّا على فعاليات البرلمان! ولو كنت أريد الشوشرة والإساءة والضرر لقلت أسماء الـ15 عشر عضوًا من الحاضرين في الاجتماع بالجهاز السيادى ومعظمهم أسماء مرموقة ولها حيثية، ولم أفعل ولن أفعل إلا إذا تطاول أحد منهم تحديدًا! فلو هانخش في مزايدات كل واحد يعرف مقامه!
ولماذا الانتقام؟ البعض يصور معارضتي للرئيس أن بها جانبًا شخصيًّا؟ لا أفهم لهؤلاء أي منطق سوى الغباء أو الاستغباء؟ فعلى المستوى الشخصي لم أرَ سوى كل خير من الرئيس ورجاله، فالرجل اختارني ضمن حملته الرئاسية الرسمية الضيقة جدًّا، كما عرض عليَّ رجاله في الاتحادية أن أكون ضمن المعينين ثم المنتخبين في قائمة الدولة المضمونة (في حب مصر) في مجلس النواب ورئاسة لجنة الشباب؟ فيه إيه أحسن من كده على المستوى الشخصي وكان ممكن أستمر بسهولة! فهذا يثبت أنه ليس هناك شيء شخصي بيني وبين الرئيس والرئاسة. ويقول آخر كانوا عارضين عليك منصب قبل الهنا بسنة، أي قبلها بعام ولم يذاكر هؤلاء تسلسل الأحداث، أن الانتخابات وقتها كانت على الأبواب بعد شهرين في مارس 2015 قبل الحكم بعدم الدستورية!
وصحيح الرئيس ليس لديه فواتير يدفعها لأحد ولكنها أدوار! فالسبب الرئيسي لعرض منصب رئيس لجنة النواب هو ليس المجاملة ولا الكفاءة ولا مكافأة لعملي معهم في الحملة، ولا عشان سواد أو خضار عيوني، ولكن حسب قولهم لي "إنت أنسب من يتولى هذا المنصب"، فقد كان لي دور مرسوم بعناية بأهداف محددة، ومؤكد هناك أدوار لآخرين! وفي خلال الـ55 يومًا كنت في تردد ما بين قبول هذا الدور أم رفضه! وفي النهاية رفضته.
لقد كنت منتظرًا التعيين وعندما لم تجد اسمك انتقمت:
رغم أنه سؤال عبثي بعد الشهادة ولكنه تردد في الإعلام والشبكات الاجتماعية والرد عليه كان واضحًا! ولو مش مصدق الشهادة طيب يجب أن يسأل نفسه: لماذا أنا الوحيد الذي انسحبت من القائمة؟ قطعة طرية من التورتة على حسب قولهم كانت أمامي، سيبتها ليه؟ وسؤال تاني: هل فيه حد عاقل ينتظر التعيين بعد قصف 70 تغريدة في يوليو 2015 ضد نظام السيسي؟
أنت مجرد أداة في صراع أجهزة هدفك هو تشويه جهاز المخابرات العامة لصالح أجهزة أخرى؟
لا يوجد صراع أجهزة يا سادة.. ربما تنافس لإثبات الولاء. الدولة مركزية بدرجة عالية والرئيس بخلفيته المخابراتية يعلم كل شيء ولا شيء يحدث إلا بتوجيهات منه وعلمه.. هذا رأيي ورؤيتي، وعندما تحدثت عن الجهاز في شهادتي كنت أتحدث بمنتهى الاحترام، وقلت أنا أربأ به أن يدخل مستنقع السياسة.. ومؤكد أن المرحوم عمر سليمان ومدرسته سيؤيد ما قلته!
تغلبت الحالة الاستعلائية النرجسية المعتادة على هذا المعسكر فكانت تعليقات من نوعية: إنت تم استخدامك من المخابرات الحربية لضرب المخابرات العامة وأنا طرف في صراع أجهزة. ومنظراتي آخر يقول: قرأت كلام د.حازم العبثي عن الفرق بين المبادئ والمواقف. وآخر يقول إني لبست عباية المعارضة وتم تجنيدي من المخابرات لكي أقوم بهذا الدور بدءًا من الـ70 تغريدة. وآخر ساذج يعتقد أني أريد أن أتمسح في معسكر يناير وأن أعود للثورة كأنها ديانة خرجت من ملتها وأعود، طالبًا السماح والعفو! مزايدات دوجماتية فارغة. وإعلامية مقموصة من معسكر يناير تقولك لم يقل الصدق عندما كان الصدق متاحًا ووصفتني بالنفاق! لا أدري نفاق من بعد هذه الشهادة؟ ولماذا؟ وهي كرم الله وجهها من تحدد فترة الصدق المباح! تعليقات كيدية طفولية لتصفية حسابات! وآخرون آثروا الصمت ربما مقموصين لأني هاجمت مواقفهم السياسية بعد 30 يونيو. ولكن إحقاقًا للحق، والتعميم خطيئة الكثير أيضًا من سياسيين وإعلاميين وإعلاميات وحقوقيين من معسكر يناير أرسلوا لي رسالة احترام وتضامن ومنهم من كتب مقالات تضامنًا وارتفعوا فوق الصغائر والأيجو الشخصي والنرجسية الخاسرة، وخلافنا الحاد بعد 30 يونيو، ونظروا لخطورة القضية وتكلموا عنها بموضوعية.
بالإضافة للسب والقذف والردح! لكن المعتدل منهم سعيد أن المخابرات العامة والرئاسة كان لها دور في انتخابات البرلمان لدعم الرئيس! وإيه يعني مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق! وهذا الفصيل مصر بالنسبة لهم هو السيسي لا يهمهم ولا دستور ولا تشريع ولا برلمان ولا مؤسسات ولا عدالة ولا شيء، فقط السيسي. وبالمناسبة بعد 30 يونيو كان هناك قطاع كبير من الشعب مؤيد بشدة للسيسي. هذا القطاع بدأ يتآكل ويتقلص بانحدار شديد فتحول إلى قبيلة السيساوية وأصبح الرئيس يخاطبهم فقط مثلما كان مرسي يخاطب أهله وعشيرته، مع الفارق أن السيسي معه دعم أجهزة الدولة والبرلمان، يعني في يده السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مع حب ودعم من السلطة القضائية.
إذن المعسكران صدقوا الشهادة فهل هناك من كذبها؟
المعسكر الرمادي من نوعية رفعت السعيد: الذين لا لون لهم! يمسك العصا من المنتصف! كذبوا الشهادة وأنكروها، وكما قال المناضل العتيد د.رفعت السعيد في إحدى المداخلات: هو كل واحد من الشارع يقول كلام زي ده نصدقه؟ على أساس إن أنا لقيط من الشارع. فكنت أتوقع من شخص له تاريخ سياسي ويدعى الدفاع عن الحرية والعدل واحترام الدستور أن يهتم بمضمون الشهادة حتى لو قال بفرض صحتها! لكنه انزلق في الشخصنة وتكلم عني دون احترام للأسف! ولا أستطيع أن أرد الإهانة احترامًا لسنه فقط وليس تاريخه الذي سقط من نظري.
ماذا كان رد فعل النظام على هذه الشهادة؟ هل جاءتك تهديدات؟
لا لم تصلني أية تهديدات. ردود الأفعال انحصرت في تشغيل ماكينة إعلام النظام المرئي والمكتوب ولجانهم الإلكترونية في السب والقذف الصريح، ومحاولة ضرب مصداقية الشخص وبالتالي تسقط معه مصداقية الشهادة، وبالتالي دفنها وعدم تصديقها فتلك هي اللعبة في رأيي، فكانت حملة ممنهجة من جريدة صفراء لها تاريخ عفن وموثق في تشويه الشخصيات العامة، وبمساعدة إعلامي ومدون سعودي على "تويتر" بذلوا مجهودًا واضحًا للبحث في أرشيف التغريدات في السنوات السابقة وأنا لم أحذف تغريدة منذ 25 يناير لقناعتي أنها توثق كل مواقفي في سياق تفاعلي مع الأحداث سواء أصبت أم أخطأت، ولكنها تمثلني. بذلوا مجهودًا أرشيفيًّا لإظهار تباين المواقف خلال أحداث الثورتين أن سبب التناقض في هذه المواقف هو البحث عن مصلحة أو منصب في كل مواقفي السابقة منذ 25 يناير. أسلوب رخيص معتاد منهم لكن لا بأس وسأكون سعيدًا إذا كان هذا آخر ما في جعبة الأجهزة التي تحركهم، وأتمنى ذلك أفضل كثيرًا من ردود أفعال أكثر خطورة!
هل كانت هناك تعليقات من زملائك السابقين في قائمة "في حب مصر" على هذه الشهادة؟
Comments