المحتوى الرئيسى

فاتن حمامة.. أيامنا الحلوة - (الحلقة الثانية)

01/18 11:04

• لم أكتشف عمر الشريف.. وأنتجت لعز الدين ذو الفقار وأنا مختلفة معه

• وضعوا لابنتى «منومًا» حتى تؤدى دور «طفلة نعسانة» بدون علمى.. وتبرعت للمعجبات بـ80 فستان زفاف

• ممثلة منافسة لى مزقت فستانى بـ«المقص».. وبفكرة شيطانية خلطت حبرًا أسود وأحمر وسكبته فى حجرتها فظلت تصرخ: فاتن حمامة «بتسحر لى»

• صفعة زكى رستم أبكتنى فقال: إزاى البنت المدلعة دى تعيط أنا لم أضربها.. القلم كان فى الهواء

• فريد الأطرش كان طيب القلب جدّا ويحتاج إلى معاملة خاصة لكنه انفعل علىّ يوما وقال لى: كيف يكون أجرك أكبر من مديحة يسرى

وتواصل سيدة الشاشة العربية سرد سيرتها الذاتية، متخذة من أفلامها السينمائية «خطا دراميا» تغزل على دفتيه «بورتريهات» شديدة الوضوح، لمن عاصرتهم أمام الكاميرا وخلفها على مدى ستة عقود.

وعبر هذا الحوار التليفزيزنى الطويل الذى أجرته مع الإعلامى وجدى الحكيم، وأعدته للنشر الصحفية زينب عبدالرازق، ضمن كتابها «فاتن حمامة» الصادر عن دار الشروق ــ تجيب سيدة الشاشة العربية عن العديد من التساؤلات، وخصوصا المتعلقة باكتشافها للفنان العالمى عمر الشريف.

«فاتن» حكاية العمر كله.. سيدة القصر تروى قصة حياتها - (الحلقة الأولى)

تستهل فاتن حمامة حديثها فى هذا الجزء بالحديث عن فيلم «لحن الخلود»، والذى قالت عنه: «دفعنى عشر خطوات إلى الأمام. وأتذكر عندما عرض علىّ الدور سعدت جدّا، وأتذكر أيضا أن هنرى بركات ساعدنى كثيرا على تطوير أدائى. وكان الفيلم مع الفنان فريد الأطرش ومديحة يسرى وماجدة وتم تصوير الفيلم فى بلطيم بجوار البحر. وكانت بلطيم فى ذلك الوقت صحراء والممثلون قالوا: معقول هنعيش فى الصحراء؟ ولكن بعد عشرة أيام أحببنا المكان حبّا شديدا، وكنا نسكن فى عشش من الجريد. فى البداية كان الأمر صعبا ولكن تعودنا.

وأتذكر أنه فى أحد الأيام جاء فريد الأطرش غاضبا، وفريد كان طيب القلب جدّا ولا بد أن تعامله معاملة خاصة. قال لى: كيف يكون أجركِ أكبر من أجر مديحة يسرى؟ فى هذا الفيلم هى ارتدت ملابس غالية جدّا، فقلت له: دورى دور بنت فقيرة ومديحة بنت غنية، ماذا أفعل؟ ولكن فريد لم يقتنع.

قدمتِ فيلم «عائشة» مع زكى رستم، والذى أراه حالة مختلفة تماما.. كان منضبطا بشكل مخيف، فلو جاءت له سيارة الاستوديو قبل ميعاده بثلاث دقائق كان «يزعق» للسائق، وفى ميعاده بالضبط يفتح باب المنزل، لا يتأخر أبدا عن ميعاده.. مستحيل. وفى أحد المشاهد كان المفروض يضربنى بالقلم، وكل ما نبدأ التمثيل أخاف وأدير وجهى، فغضب غضبا شديدا وقال: أنا أعرف أمثل لا تخافى، ووقفت صامتة وفى النهاية أخذت صفعة على وجهى «رجتنى» وكان عمرى 17 سنة، ولم أستطع أن أتكلم لكن وقفت وراء الديكور وبكيت من غير صوت، وهو علم بذلك فغضب أكثر وقال: «إزاى البنت المدلعة دى تعيط أنا لم أضربها، كان تمثيلا.. هذا القلم كان فى الهواء».

وفى هذا اليوم توقف العمل لأن خدى ورم وبعد ذلك ذهبت أنا لكى أصالحه. وزكى رستم فنان عظيم ورائع وحصل فيلم «عائشة» على جوائز، وكانت هذه أول جائزة أحصل عليها من القاهرة.

وبعد ذلك حدثت ثورة وظهرت مجموعة من المخرجين منهم صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وعز الدين ذو الفقار وحلمى حليم وفطين عبدالوهاب وكانوا أصدقاء، ويريدون تقديم أفلام جيدة، ولكن لم يكن هناك المنتج المؤمن بهم فبدءوا يفكرون فى أنْ ينتجوا أفلامهم بأنفسهم، ولم يكن فى ذلك الوقت لديهم أموال فكانوا يتفقون مع الممثل أن يحصل على أجره بعد عرض الفيلم وكذلك الكاتب. وأول الأفلام التى تمت بهذا الشكل فيلم «لك يوم يا ظالم».

كان من إخراج فطين عبدالوهاب، وفطين لديه خفة دم نادرة، وكان يظهر هذا فى أفلامه. وساعدنى كثيرا على تقديم دور «الأستاذة فاطمة». وكان ديالوج الفيلم لطيفا جدا وقويا وطبيعيا وكان التصوير يتم فى استوديو جلال. وفى البلاتوه المجاور لنا كان يتم تصوير فيلم آخر مع ممثلة كان يقال عنها إن هناك تسابقا ومنافسة بيننا، وفى أحد الأيام وجدت أحد فساتينى منزوعا جزء منه فقلت للخياطة التى معى: هناك فئران فى الاستوديو ولكن الخياطة قالت لى: لا، هذا الفستان تم قصه بمقص وليس بفأر. وتكلمت عما حدث فى الاستوديو فقالوا لى: يمكن ما تم عمله هذا «سحر لكِ»! وأنا لا أصدق هذا الكلام. واتجهت شكوكنا حول تلك الفنانة ففكرنا أن نرد لها ما فعلت، ففكرنا فى فكرة شيطانية وأحضرنا حبرا أسود وخلطناه بحبر أحمر فأصبح لون الحبر غريبا، وقام أحد العاملين بسكب هذا الحبر فى حجرة الفنانة، وبعد لحظات وجدنا هذه الفنانة تصرخ وتقول: فاتن حمامة تعمل لى أعمال سحرية «بتسحر لى».

وكان العمل مع الفنان عبدالفتاح القصرى ممتعا جدّا وهو من كبار الكوميديانات والعمل معه رائعا.

أما فيلم «موعد مع الحياة» فكان أول تجربة لى فى الإنتاج، ومسألة الإنتاج هذه لا أفهم فيها أبدا. وشجعنى على هذه الخطوة المنتج العظيم رمسيس نجيب. وقال لى: أنا سأقوم بكل شىء، وبالفعل هو الذى تولى كل الأمور الإدارية، ولم أكن أقوم إلا بتوقيع الشيكات نهاية كل أسبوع. وأتذكر أن تكلفة الفيلم كلها بالدعاية كانت عشرين ألف جنيه وبتكاليف الآن تساوى مليون جنيه.

كان الفيلم من إخراج عز الدين ذو الفقار وكنت على خلاف معه فنيّا. كان عز الدين يريد كل شىء بنسب عالية، وكنت أنا لا أحب هذه الزيادات، ولكن فى الحقيقة الفيلم خرج بشكل ممتاز، الأداء والحوار والسيناريو والموسيقى التصويرية، كل شىء. والفيلم كان فيه شادية وشكرى سرحان، وكان الفيلم ميلودراميّا وغنيت أنا وشادية فى الفيلم. وأتذكر أنه فى أثناء تسجيل الأغنية صوتى «راح» من الخوف، وكان الملحن منير مراد هو الذى يمرننى أنا وشادية وكنت خائفة جدّا من الأغنية. كانت أغنية «ألو ألو إحنا هنا».

كان عماد حمدى معى وابنتى نادية، وكان فيلما دراميا جدا، وأذكر فى أحد مشاهد الفيلم ابنتى نادية المفروض أنها مريضة وحرارتها عالية ونائمة فى السرير، وكانت نادية طفلة شقية جدّا ولم ننجح فى أن تؤدى الدور، فقالوا لى: لا بد أن تأخذ ملعقة «منوم» فرفضت جدّا ولكن بدون أن أدرى فعلوا ذلك! نادية مثلت المشهد «بالعافية» تحت تأثير المخدر وعلمت بعد ذلك وغضبت غضبا شديدا جدّا.

أما أيامنا الحلوة فكان أول تجربة لى مع الفنان عبدالحليم حافظ وأول فيلم يظهر فيه أحمد رمزى على الإطلاق. والمخرج والمنتج كان حلمى حليم وهو سينمائى حالم جدّا وقارئ ممتاز، وممتاز أيضا فى كتابة السيناريو. وكان الكثيرون يطلقون عليه «مستشارى»؛ لأننى دائما ألجأ إليه لتصليح الإسكريبت الذى أؤديه.

وفى فيلم «أيامنا الحلوة» كانت النهاية موت البطلة، وهذا أغضب الجمهور جدّا.. ولم تكن هناك فرصة لتصليح الفيلم لأنه تم عرضه فى القاهرة.

للأسف لم أحافظ لا على ملابس ولا على صور ولا على أى شىء. كنت أعيش أفكر فى الغد دائما وخصوصا ملابس الزفاف. كانت دائما تأتى لى خطابات من فتيات يردن فستان الفرح وكنت دائما ألبى هذه الطلبات، وأتذكر أننى ارتديت أكثر من 80 فستان فرح.

أنا لم أكتشف عمر الشريف، يوسف شاهين هو الذى اكتشفه. كل ما حدث أن المنتج قال: «لو انتِ وافقت على الوجه الجديد عمر الشريف فسأوافق أنا أيضا». وبالفعل قام بـ«Test» كاميرا وكان جيدا جدّا فوافقت، وكان الفيلم من إخراج يوسف شاهين وتم تصويره فى الأقصر، فى المعابد الفرعونية. ويوسف شاهين يصور أفلامه فى وقت طويل نسبيّا وكانت هناك مشاهد كثيرة تصوير خارجى، فكان ارتباطنا بالشمس والإضاءة يضاعف من وقت التصوير.

بعد سنة أو سنتين أنا وعمر الشريف وأحمد رمزى اجتمعنا فى فيلم «صراع فى الميناء» وقدمت دورا من أحب الأدوار إلىَّ، وأتذكر وقتها مشهدا كان لا بد فيه أن أركب «دنكى» وهو مركب صغير، وأحمد رمزى يجر الدنكى باللنش، وكان يجرى جدّا وأنا لا أعرف السباحة، ولا أدرى كيف قمت بهذا المشهد! وبعد التصوير وجدت يوسف شاهين فى منتهى القلق «لونه مخطوف» وكان مجهزا ثلاثة منقذين بأطواق النجاة لربما أقع فى البحر!

أكره السياسة الأمريكية، والساسة الأمريكان؛ أكرههم بشدة بسبب انحيازهم الرهيب لإسرائيل الغاشمة. وأكره السياسة التى تكيل بمكيالين ونحن العرب ندفع الثمن باستمرار ومن مدة طويلة جدّا. للأسف كانت أمريكا قديما هى المثل للعالم فى تقديس الحريات وإعلاء شأن الحريات.. الآن العكس تماما. منذ أيام على محطة C.N.N الأمريكية كان هناك شاب مصرى يتحدث ويقول إنه تم القبض عليه وحبس لمدة عام بدون أن يعرف ما تهمته، والسبب فقط أن هذا الشاب اشترى تذكرة طائرة للسفر فى اليوم نفسه الذى اشترى فيه محمد عطا تذكرته! وطبعا الآن هذا الشاب مصاب بحالة نفسية شديدة جدّا من الاعتقال ومن سوء المعاملة التى كان يتعرض لها فى السجون الأمريكية.. مرات لا يقدمون له الطعام ومرات يمنعونه من دخول الحمام وهكذا! وفى الوقت نفسه أمريكا ما زالت تتحدث عن حقوق الإنسان وعدم تحقيق ذلك فى العالم الثالث!

وأنا أتساءل: هل أحد يستطيع أن يسأل أمريكا فيما فعلته فى العراق أو أفغانستان أو السودان أو فلسطين، وما تفعله مع تنظيم القاعدة الذين تم اعتقالهم بشكل وحشى وحيوانى فظيع فى ظروف لا تصلح حتى للحيوانات فى سجن جوانتنامو فى العصور الوسطى؟

فى رأيى، لا بد أن تتوقف أمريكا عن شعارات الحرية التى ترددها وأن تبحث لتمثال الحرية عن مكان آخر!

• يوسف إدريس يكتب: ممثلة العطف

تأمل أى صورة لفاتن حمامة أو شاهد لها أى فيلم، وثق بأنك من أول لحظة ستقف إلى جانبها وتتحمس لها، لا لجمالها وأناقتها ولا لأى اعتبار يتعلق بالجنس أو الإثارة ففاتن ليست من ممثلات الجنس، ولكنها فى رأيى من ممثلات نوع آخر.. ممثلات العطف.

الشخصية التى ظهرت بها فاتن فى أفلامها ولاقت نجاحا مدويا هى شخصية الفتاة الضعيفة التى تحيا فى ظل ظروف قاهرة أقوى منها ومن كل قدراتها وحيلها الشخصية السلبية التى لا تؤذى أحدا ولكن الناس والمقادير هى التى تجور عليها، وكل ما تفعله حينئذ أن تتألم أمام المتفرجين لتجسد مأساتها.. شخصية لا تطارد ظالما حتى تقهره.. ولا تجرى وراء قضية وتصر حتى تكسبها ولكنها تظل طوال الرواية كالعجينة التى تنغرس فيها الأحداث وتعتصرها المواقف وتسحقها الأقدام؛ ولهذا فهى دائما مريضة أو يتيمة أو تعانى من زوجة أب.. دائما شهيدة تتعذب كفقراء الهنود على مسامير كتاب السيناريوهات والقصص.

وقد يقول البعض إن فاتن لا ذنب لها فى شخصية كهذه، فهى تؤدى ما يعهد إليها به من أدوار، وهذا صحيح لو كان هذا قد حدث فى رواية واحدة أو دور واحد.. ولكن هذه الشخصية هى الشخصية التى تظهر بها فاتن فى السينما وفى أدوارها كافة.. حتى دورها الناجح فى «دعاء الكروان» كان من اللون نفسه شخصيته قد أصبحت طابعا لها، مثلما أصبح النواح طابعا لفريد الأطرش فى كل أغانيه حتى المرحة منها. والحقيقة التى لا جدال فيها أن فاتن قد برعت فى أداء هذه الشخصية براعة دفعت الكل للإجماع على أنها ممثلتنا الأولى بلا منازع.. ولكن فن التمثيل ليس هو فن أداء الأدوار أداء متقنا، هو أولا فن خلق الأدوار والشخصيات وتجسيدها بكامل أبعادها.

الدور المكتوب فى أى رواية ليس إلا مجرد قوس يرسمه المؤلف، والممثل الموهوب هو القادر على أن يكمل القوس ويجعل منه دائرة تحيط بالشخصية كلها من أصغر تصرفاتها إلى أعنفها.

فاتن ترسم الأقواس المكتوبة ببراعة منقطعة النظير ولكنها تظل أقواسا بل تتشابه لتصبح فى النهاية قوسا واحدا أو شخصية واحدة ظهرت بها فاتن فى السينما وظلت تتذبذب حولها.. قد تختلف ولكنها أبدا لا تتغير.. فهى دائما فاتن التى تحب المأساة وتحمل هموم الدنيا فى صدرها. والغريب أنها شخصية مختلفة تماما عن شخصيتها الحقيقية؛ فهى فى الحياة إيجابية منطلقة تلعب البريدج وتكسب وتريد الشىء وتناله وتختار الشخص وتتزوجه، ولكنها فى أفلامها لا تختار ولا تنطلق ولا تثور ولا رأيتها مرة تضحك ضحكة صافية من أعماق قلبها.. اللهم إلا دورها فى فيلم «يوم سعيد» الذى أدته وهى طفلة ببراعة منقطعة النظير وبكل نزق الأطفال وعفرتتهم ومكرهم، أما أدوارها كلها وهى كبيرة فهى أدوار عطف، والعطف ليس عيبا ولكنه طريق سهل لإثارة المتفرجين وإثارة العطف وحده.. مثلها مثل إثارة الضحك وحده أو الجنس وحده.. زوايا واحدة. وكما أن النظر إلى الحياة من خلال زاوية واحدة خطأ، فكذلك تجسيد الحياة دراميّا من خلال عاطفة واحدة خطأ أكبر.

فاتن عبقرية سينمائية، ولكن لماذا هذه النظرة المستدرة للعطف؟! لماذا هذا اللعب على شفقة المتفرجين؟ لماذا لا تؤثر فى الناس عن طريق حركتها فى خلق الشخصية بدلا من التأثير عن طريق ما تقاسيه وتعانيه؟

** نُشر هذا المقال عام 1961، للقاص والمسرحى والروائى يوسف إدريس (1927 ــ 1991).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل