المحتوى الرئيسى

السجال الجمهوري حول نتنياهو

01/18 01:50

يدير سياسيان كبيران جداً في الشهر الأخير سجالا بينهما حول السؤال التالي: من أشد التزاما بالسياسة التي يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن الحرب الأهلية في سوريا. وإذا كنتم تستغربون فإن هذا السجال لا يدور داخل حزب الليكود، بين أعضاء الكنيست ممن يأملون في تطوير مكانتهم مستقبلا. إنه يدور في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، بين سيناتورين كبيرين يتنافسان على قيادة الحزب في الانتخابات الرئاسية القريبة. وأبعاد هذا السجال لا تتعلق فقط بإسرائيل وسوريا، وإنما أيضا بالسياسة الخارجية الأميركية عموما.

والرجلان في بؤرة الخلاف هما السيناتور تيد كروز من تكساس والسيناتور ماركو روبيو من فلوريدا. ويتواجد كروز حاليا في المرتبة الثانية في الاستطلاعات بشأن التنافس داخل الحزب، متأخرا بشكل كبير عن دونالد ترامب. مع ذلك، فإنه يتفوق على رجل الأعمال الملياردير في الولاية الأولى التي ستجري فيها الانتخابات، أيوا، ولذلك فإن فرصته بالفوز قد تتحسن. أما روبيو فإنه يحتل المرتبة التالية لكروز على المستوى القطْري، أي في المكان الثالث. وكلاهما يتنافسان ليس فقط على أصوات المقترعين، وإنما أيضا على الدعم المالي السخي من رجل المقامرات والكازينو، شلدون أدلسون، المؤيد الأقرب لنتنياهو وصاحب جريدة «إسرائيل اليوم»، المعروفة بدعمها المطلق لرئيس الحكومة.

وكجزء من الصراع بينهما ـ سواء على محفظة أدلسون أم على أصوت المقترعين ـ فإن روبيو وكروز يعرضان نفسيهما كنصيرين لا يعرفان المساومة لإسرائيل. وهما يعدان بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران في اليوم الذي يتوليان فيه منصب الرئاسة، وأن ينقلا السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وأن يدعوا نتنياهو إلى البيت الأبيض فورا مع بداية ولايتهما ـ وهو وعد سبق وأطلقته مؤخرا المنافسة الديموقراطية هيلاري كلينتون. غير أنه نشب بينهما مؤخرا سجال في الشأن السوري. ويعرض كل منهما خطا مغايرا بشكل جوهري عن خصمه، وكلاهما على قناعة أن الخط الذي يعلنه الواحد منهما مخلص لسياسة نتنياهو، فيما خط الآخر يناقض بشكل حاد سياسة إسرائيل.

وكان كروز هو من بدأ السجال. فقد ألقى في الشهر الفائت خطابا في معهد الأبحاث المحافظ، Heritage Foundation وأعلن أنه خلافا للكثيرين من رفاقه في الحزب، يؤمن بأنه محظور على الولايات المتحدة التدخل في الحرب الأهلية في سوريا، وبالتأكيد محظور عليها العمل من أجل اسقاط الرئيس السوري، بشار الأسد. وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة، حمل الجمهوريون بشدة على الرئيس باراك أوباما بسبب أن الولايات المتحدة لا تتدخل بما فيه الكفاية في الحرب في سوريا، كما أنها لا تفعل أي شيء من أجل منع الأسد من مواصلة ذبح مواطنيه. ولم يشر كروز إلى أن سياسته تشبه بمعايير معينة سياسة أوباما (لاحقا سوف نقف على الفوارق بينهما)، لكنه بالتحديد عثر على زعيم آخر يتعلق به: نتنياهو.

وأوضح كروز في ذلك الخطاب في معهد الأبحاث المحافظ أن «رأيي بوجوب أن لا ندعم جانبا في الحرب الأهلية السورية، يرتكز على الأقل على زعيم آخر في العالم لديه رؤية واعية للوضع ـ انه رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو». وأضاف السيناتور التكساسي أنه «عندما سئل نتنياهو أثناء زيارته لواشنطن عن سبب عدم تدخله في الحرب الأهلية السورية، رد ببساطه أنه لم يكن ليتدخل إلا عندما تكون هناك جهة واضحة يمكن دعمها، وفي هذه الفترة لا توجد جهة كهذه».

واقتبس كروز أيضا قولا آخر عن نتنياهو، عندما أشار إلى واقع أن إيران وداعش هما عدوان مريران، ولكن هذا لا يعني أن على الغرب دعم طهران من أجل إضعاف «الدولة الإسلامية». ولكن الاقتباس الدقيق هو: «عندما يتقاتل عدوان لك أحدهما ضد الآخر، لا ينبغي لك أن تعزز أحدهما، وإنما ينبغي اضعاف كليهما». وكروز يعتقد أن هذه القاعدة يمكن أن يتم التعبير عنها أيضا في الحلبة السورية: لا للتدخل، لا لاختيار جانب، وترك الأسد والمتمردين السوريين يحاربون بعضهما بعضا إلى أن تسيل دماءهما، أو إلى أن تنهض على الأرض جهة معتدلة أكثر يمكن التعاون معها.

ولكن هل هذه حقاً هي سياسة نتنياهو في سوريا ـ عدم التدخل ـ وبذلك عملياً ترك الأسد يفعل كل ما يحلو له؟ هل هذه هي السياسة التي تتوقعها الولايات المتحدة من نتنياهو؟ السيناتور ماركو روبيو يعتقد خلاف ذلك. في مقابلة موسعة بشأن السياسة الخارجية أجراها فقط هذا الأسبوع، أوضح روبيو، المؤيد للتدخل الأميركي المباشر في سوريا، أسباب كونه عمليا المرشح الذي يعبر بشكل أوضح عن خط حكومة إسرائيل.

وفي مقابلة مع موقع Daily Caller سئل روبيو عن قول نتنياهو الذي اقتبسه كروز. وسأل من أجرى المقابلة: هل يمكن أن يكون نتنياهو مخطئا؟ وردّاً على ذلك، أوضح روبيو أن نتنياهو ليس مخطئا، بسبب أن قوله يتعلق بإيران وداعش، وهو قول لا يسري على الحرب الأهلية في سوريا. وأشار روبيو إلى أنه «في السياق السوري، الأسد عدو لإسرائيل كما أنه عدو للولايات المتحدة. وطالما أن هناك الأسد أو أي زعيم يشبهه في السلطة، وطالما أن الأسد موجود في دمشق ويسيطر على أجزاء واسعة من الدولة ـ فسوف تظهر مقاومة من السنة لحكمه. وسوف تستخدم المقاومة السنية وحشية الأسد، من أجل أن تكبر وتزدهر في سوريا، وفي النهاية سوف تهاجم الغرب. وهذا ما يجري حتى الآن». وعمليا فإن روبيو ينضم بهذا الكلام للقائلين بأن الأسد هو السبب المركزي لنشوء داعش.

كما ربط روبيو أيضا بين سلطة الأسد والصراع بين إسرائيل وإيران. وقال إن «المشكلة الأخرى مع الأسد هي أنه مكون مركزي في مشروع إيران للسيطرة على المنطقة. إنه حاكم دمية لصالح إيران. وهو قاعدة عمليات متقدمة بإيران. وعبره يتلقى حزب الله المساعدة، وعن طريقه تنقل الصواريخ من إيران إلى حزب الله، من أجل استخدامها ضد إسرائيل. والتفكير بأن الأسد بأي شكل يمكن أن يكون عنصر استقرار في المنطقة تفكير خاطئ. إن الأسد هو سبب لقسم كبير من انعدام الاستقرار. إنه السبب في أزمة اللاجئين. وهو مساهم جوهري في صعود جماعات مثل داعش، بسبب الطابع الذي يسيطر فيه على سوريا».

إذن أيهما على حق، روبيو أم كروز؟ أقوال روبيو تنسجم جيدا مع أقوال أطلقها نتنياهو في أيلول الفائت، وهو في طريقه إلى اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. فعند إقلاعه بالطائرة من مطار اللد قال نتنياهو أن خطابه سيوضح للعالم أن «إيران هي المشكلة في سوريا، وليست الحل». كما ألمح نتنياهو أيضا في مناسبات عدة في السنوات الأخيرة إلى أن إسرائيل ترى بالطريقة نفسها الوضع في الشرق الأوسط كما تراه الدول العربية، التي أغلبيتها العظمى (عدا مصر السيسي) التي ترغب في سقوط حكم الأسد في سوريا، لأسباب بينها الصلات الوثيقة بين الأسد وإيران. والأمر يصح أيضا على وجه الخصوص على المملكة السعودية وباقي الدول العربية الخليجية، التي لا يخفي نتنياهو رغبته الشديدة في التعاون معها في مواجهة الإيرانيين.

من جهة أخرى، فإن السياسة الإسرائيلية الفعلية منذ بدأت الحرب الأهلية في سوريا، تشبه أكثر أقوال كروز. فإسرائيل لم تتدخل، ولم تنحاز لجهة، وسمحت للحرب بأن تجري فعلا حتى الحدود، بشرط أنها تبقى في الجانب الثاني من السياج. وعندما وقعت محاولات من جانب حزب الله لاستغلال الوضع على الحدود الإسرائيلية السورية من أجل تنفيذ عمليات، ردت إسرائيل بشكل شديد. وبحسب منشورات في الخارج، فإن إسرائيل تصرفت على نحو مشابه أيضا عندما تم نقل أسلحة استراتيجية من سوريا إلى حزب الله. ولكن عدا هذه الحالات، بقيت إسرائيل خارج الاحداث الجارية في سوريا، بالضبط كما يريد كروز أن تبقى الولايات المتحدة.

من جهة ثانية فإن أنصار روبيو يمكنهم أن يزعموا أن ما يقرر نتنياهو فعله كزعيم لإسرائيل، ليس بالضرورة ما كانت إسرائيل ترغب أن تفعل الولايات المتحدة. والزعم بأن سياسة أوباما في سوريا هي سياسة «لينة» ولذلك فإنها سيئة أيضا لإسرائيل، سمع مرارا من جانب منتقدي الرئيس الأميركي الحالي. وهذه انتقادات تنسجم تماما مع مواقف روبيو. ولكن الحقيقة هي أن هذا أيضا ليس دقيقا بالضبط في السياق الإسرائيلي. فمثلا، في العام 2013، بعدما استخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، هددت واشنطن بمهاجمة سوريا، لكنها في نهاية المطاف تراجعت عن نيتها في الهجوم، وذلك مقابل إخراج الأغلبية المطلقة من السلاح الكيماوي من أراضي الدولة.

وحظي قرار أوباما هذا بالكثير من الانتقادات من جانب الجمهوريين. وقد بدت كتراجع عن إنذار («خط أحمر») أميركي، وكإرسال رسالة إشكالية جدا للديكتاتوريين في أرجاء العالم، بأن بوسعهم تنفيذ مذابح جماعية والتهرب من العقاب. ولكن نتنياهو تحديدا أثنى على الرئيس الاميركي بشأن هذا القرار موضع الخلاف. وفي مقابلة مع الصحافي جيفري غولدبرغ في العام 2014 قال نتنياهو إن إخراج السلاح الكيماوي من سوريا كان انجازا هاما لإدارة أوباما، وأن إسرائيل مدينة بالعرفان لإزالة هذا الخطر الجوهري من عليها (على الأقل بشكل جزئي). وعبّر نتنياهو عن هذا الموقف في مناسبات عدة بعد ذلك، خلافا لأهواء أنصاره الجمهوريين، الذين يحبون استخدام نتنياهو لأغراض مناكفة الرئيس الديموقراطي.

إن أحد الأسباب الكامنة خلف قدرة كل من كروز وروبيو على إدارة هذا النقاش، هو أن السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا غامضة وليست واضحة. وبشكل رسمي، فإن إسرائيل لا تتدخل البتة في الحرب في سوريا. مع ذلك، ليس سراً أنه يوجد تعاون محلي ومحدود النطاق بين إسرائيل وجماعات متمردين سوريين عدة على مقربة من حدودها. وفضلا عن ذلك، فإن مسؤولين إسرائيليين كباراً تعاملوا على مر السنين بشكل بالغ الحدة مع نظام الأسد، بشكل يفسر في العالم كتوق إسرائيلي لرؤية الديكتاتور السوري الدموي يسقط عن الحكم. وعلى سبيل المثال فإن وزير الدفاع موشي يعلون قال في العام 2013 إنه ينبغي للأسد أن يترك كرسيه في دمشق.

ويقول عضو الكنيست آفي ديختر (الليكود)، رئيس الشاباك الأسبق، إن «كل هذا السجال بات اليوم نظري تماما». وحسب كلامه، فإن «هذا السجال كان ذا صلة كبيرة جدا قبل عام أو عامين، لكنه من لحظة أن أقدم الروس على خطوتهم في سوريا، لم يعد لذلك أي معنى. فقد خرجت الخيول منذ زمن من الاصطبلات، كما يقولون. وبوتين صار يملك زمام السيطرة على الأحداث في سوريا، وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في التدخل عسكريا في ما يجري هناك، فإن هذا صار يستلزم أن يجري تحت المظلة الروسية. وهم أصلا لا ينوون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع بوتين».

ويوضح ديختر أنه بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في نهاية العام الجاري، كل رئيس أميركي ـ سواء كان ديمقراطياً أم جمهورياً ـ سيخضع للقيود ذاتها في السياق السوري. «لقد تمت إزاحة الأميركيين بعد تبجيل واحترام وباتت القيادة بأيد روسية. وهم يتواجدون عميقا على الأرض ولا يحسبون حسابا لأحد. وهناك سجال حول مدى نجاعة القصف الذي ينفذونه، لكن ليس على واقع أنهم يحددون النبرة. وهذا ما ستضطر الولايات المتحدة لمواجهته، لذلك فإن كل هذا السجال حول حقاً مَن يمثل خط نتنياهو، وماذا ينبغي فعلا للولايات المتحدة أن تفعل، يأتي بتأخير جوهري».

كما أن موشي أرينس، الذي سبق وخدم كوزير للدفاع، ووزير للخارجية وسفير لإسرائيل في الولايات المتحدة، فيرى أنه ليست هناك جدوى فعلا من تغيير الولايات المتحدة بشكل جوهري لمقاربتها في سوريا. ويقول أرينس: «أنا أعتقد أنه من دون قوات برية، لا يمكن اسقاط نظام الأسد، كما أنني لا أرى أن الولايات المتحدة ستدخل قوات برية إلى سوريا في وقت قريب. وكل ما عدا ذلك مجرد تكهنات. ثمة هنا مرشحان لرئاسة الولايات المتحدة، وهما يتحدثان عن تفسيراتهما أو تقديراتهما بشأن موقف نتنياهو. وهذا نظري تماما. وبقدر ما أعلم، فإن رأي رئيس الحكومة هو أنه ينبغي لنا أن ندافع عن أنفسنا وهذا كل ما في الأمر، ولا أكثر من ذلك».

ويرى جايكوف كورنفالو، وهو مراسل موقع Jewish Insider اليهودي الأميركي أن هذا السجال هام فقط في السياق السياسي الداخلي، وأقل أهمية في جانبه الأمني. وهو يقول إن «كروز وروبيو يتنافسان على قلب أدلسون، الذي يرى أن الاثنين مفضلين وسينالان في النهاية دعمه. وهناك أيضا معركة موازية على دعم متبرعين يهود أغنياء آخرين، يتماثلون، بشكل تقليدي، مع الخط الأكثر صقرية في الحزب الجمهوري. وقد عرض روبيو طوال حملته الانتخابية خطا أكثر تشددا من خط كروز: فهو يؤيد التدخل في سوريا وفي دول أخرى، وفيما يعرض كروز مقاربة أخرى، أقل تدخلا. وقد خدم هذا روبيو، لكن كروز يبذل حاليا جهدا جديا لتغيير الصورة ولتبرير مقاربته الرافضة للتدخل، عن طريق قيامه بعرضها على أنها تتماثل مع مقاربة نتنياهو».

ويضيف كورنفالو أن «هناك مسألة أخرى ينبغي الحديث عنها. فالكثير من المقترعين الجمهوريين يعبدون نتنياهو وكأنه الملك داوود. والتصفيق الأعلى الذي يتلقاه المرشحون الديموقراطيون في مهرجناتهم الانتخابية، هو الذي يسمع عندما يذكرون اسم إسرائيل أو نتنياهو». وبالمقابل فإنه في الجانب الديموقراطي، الصورة أشد تعقيدا: وفيما تحاول كلينتون التشديد على دعمها لإسرائيل وتعد بإدارة منظومة علاقات جيدة مع نتنياهو، فإن السيناتور اليهودي بارني ساندرس ـ الذي يزداد اقترابا منها في الاستطلاعات ـ يكاد لا يأتي على ذكر إسرائيل. وعندما يفعل ذلك فإنه يحرص على التشديد على أن مقاربته ستكون متوازنة وأنه سيعمل على حث إقامة دولة فلسطينية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل