المحتوى الرئيسى

هل ينهار الاقتصاد المصرى تحت وطأة الأزمات العالمية؟

01/17 10:44

محللون: المصير لا يزال معلقًا بإصلاحات داخلية

الوضع يختلف عن 2008.. ويتعلق «بأساسيات اقتصادية»

تقارير المؤسسات العالمية تثير ذعرًا مبالغاً فيه

2016 ليس عام النمو الكبير لمصر لكنه أفضل من سابقه

تمر أمام أعين كثيرين مشاهد مريرة من عام 2008 الذى شهد أزمة مالية عالمية، بالتزامن مع حدوث انهيارات عنيفة عصفت بأسواق المال خلال الأسبوعين الماضيين، وصدور تقارير عن مؤسسات مالية عالمية توجه بعضها رسالة واضحة مفادها «ابتعدوا عن المخاطر قدر الإمكان، تجنبوا الأسواق الناشئة»، بل وصل الأمر بالبعض للقول «بيعوا كل ما فى إيديكم باستثناء السندات الاَمنة».

ويقف الاقتصاد المصرى الحالم بعام سعيد يعوضه عما فاته بالخمس سنوات الماضية مذهولًا أمام ما يجرى خارجيًا، بينما تمتلئ الأذهان بتساؤلات حول طبيعة ما يكابده العالم، وهل يخطو نحو أزمة جديدة أم أن الأمر مختلف؟ وماذا يجرى بالصين والولايات المتحدة؟ والأهم: ماذا عن تداعيات ما يحدث على مصر؟

وكان رويال بنك أوف سكوتلاند قد أصدر الأسبوع الماضى تقريرًا كان بمثابة «القشة التى قصمت ظهر البعير» وحذر فيه عملائه وطالبهم بالتخارج السريع من أصولهم بعد مرور 8 أيام عمل فقط من العام الجديد فى أسوأ بداية منذ نهاية القرن الماضى، وتوقع انهيار البورصات العالمية بحوالى %20، وهبوط أسعار البترول إلى أقل من 16 دولارًا للبرميل.

وذكرت صحيفة الجارديان أن رويال بنك أوف أسكوتلندا قال لعملائه: بيعوا كل شيء ما عدا السندات عالية الجودة حتى تتمكنوا من استرداد رءوس الأموال ولا تنتظروا العوائد لأن أبواب الخروج بعد ذلك ستكون محدودة وضيقة فى نفس الوقت، مما أثار المخاوف والقلق فى الأسواق حول العالم، وتم تداول التحذير على نطاق واسع فى وسائل الإعلام العالمية، ولا سيما أن هذا البنك كان الوحيد بين البنوك الاستثمارية الذى حذر عملاءه قبيل الأزمة المالية التى بلغت ذروتها فى عام 2008.

وأنهت معظم بورصات البلاد النامية العام الماضى على خسائر واضحة بسبب انهيار أسعار البترول وتباطؤ النمو الاقتصادى فى دول مجموعة بريك مثل الصين وروسيا والبرازيل التى كانت تقود الأسواق الناشئة خلال الأعوام السابقة، إذ هوى مؤشر MSCI للأسواق الناشئة بأكثر من %17 خلال العام الماضى مع تراجع أسعار أسهم الشركات فى جميع القطاعات الصناعية العشرة بقيادة شركات الطاقة والسلع الأولية.

وقال فريق الائتمان بالبنك إن الأسواق تطلق إشارات تحذير، وهو وضع أشبه بما حدث خلال الأشهر المضطربة التى سبقت انهيار بنك «ليمان براذرز» وأزمة الرهن العقارى التى بدأت فى النصف الثانى من عام 2007 فى الولايات المتحدة الأمريكية، وانتقلت إلى بقية دول العالم فى العام التالى مباشرة.

وجاء فى تقرير البنك أن الصين تمر الآن بتصحيح كبير، وقد تتفاقم خسائر شركاتها كما يحدث مع كرة الثلج، وأن الملاذ الوحيد الآمن الآن هو السندات ذات الجودة العالية التى تصدرها الدول الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، والتى إن كانت تقدم عائدًا منخفضًا إلا أنها مضمونة وعالية الأمان للمستثمرين.

وهوت بورصات العالم بشكل مفزع نهاية الأسبوع الماضى، وفى صدارتها «المصرية» التى فقدت قرابة الـ %10 من قيمتها خلال جلستى الأربعاء والخميس فقط!

وقال وزير الاستثمار أشرف سالمان أول أمس «إن الاضطربات التى طالت معظم البورصات العالمية هذه الأيام تنبأ أن العالم مقبل على أزمة اقتصادية تتطلب أن تعمل الحكومة على خطة تحفيزية لمواجهة الأثار السلبية المتوقعة لتلك الأزمة.

وبدت رؤية محللى الاقتصاد الكلى والخبراء أكثر إيجابية، إذ أكدوا أن تداعيات ما يحدث خارجيًا على مصر ضعيفة، مشيرين إلى أن مصير الاقتصاد لا يزال معلقًا بإجراءات وإصلاحات داخلية، وأن السبب الرئيسى فى تأثرنا بالخارج مؤخرًا يعود لغياب القرارات الإيجابية على الصعيد المحلى.

عاملان يطغيان على اقتصاديات العالم

بداية قال محمد أبوباشا، محلل الاقتصاد الكلى بشركة المجموعة المالية هيرميس للاستثمارات المالية، إن هناك عاملين يطغى تأثيرهما على الاقتصاد العالمى بشكل عام والدول الناشئة خاصة، أولهما ما يحدث من تباطؤ بالنمو فى الصين، والثانى بدء رفع الفائدة بالولايات المتحدة الأمريكية.

وشرح أبوباشا المؤثر الأول وهو الصين، وأوضح أنها تشهد هبوطًا فى معدلات النمو الاقتصادى، وبالتالى ينخفض استهلاكها على المستوى المحلى، ومن ثم يحدث تراجع بالطلب على سلع أساسية كثيرة.

وتابع قلة الطلب على تلك السلع تضر بالدول المصدرة للصين ومن بينها بلاد ناشئة كثيرة، إذ تهبط بالتبعية صادرات تلك الدول بما ينعكس سلبًا على إيراداتها ومعدلات النمو والإنفاق، وقيم العملات بها.

والدول «الناشئة» هى ذات الاقتصاديات الصغيرة أو التى خرجت من ركود، وتمتلك مؤهلات ترشحها لتحقيق طفرة فى النمو، ولذلك تجذب رءوس أموال ضخمة نظرًا لأن الأرباح التى يحققها المستثمر بها تكون عالية مقارنة بالدول المتقدمة، وتصنف «مصر» من ضمن الدول الناشئة.

وأشار أبوباشا إلى أن هناك تخوفات من خفض قيمة العملة الصينية «اليوان» بعد أن تراجع بنسبة كبيرة خلال 2015، واستكمل: تلك الخطوة ستؤدى لانخفاض مماثل فى عملات دول أخرى، لكى تحافظ على تنافسيتها فى الصادرات.

وشهد العام الماضى صدور تقارير سلبية عن أداء القطاع الصناعى فى الصين، والذى تراجع نموه، فضلًا عن تأكيد محللين على وجود فقاعة سعرية بقطاع العقارات، وعانت بورصة شنغهاى من انهيارات عنيفة إثر تلك المخاوف، لأن ركود الصين– أكبر الاقتصاديات الناشئة- سيقود لتباطؤا فى النمو العالمى.

وانهارت أسعار السلع الأساسية بعد ظهور بوادر ركود التنين الصينى، الذى يستهلك مواد أولية ضخمة تصدرها دول كثيرة مثل روسيا والخليج عامة وإيران وعدد من دول آسيا، وقالت بحوث النعيم القابضة للاستثمارات المالية فى تقرير لها الأسبوع الماضى إن أسعار السلع العالمية فى معظمها انخفضت خلال الربع الرابع من 2015، بما يشمل النفط الخام، والغاز، والكيماويات، والمعادن، والأسمدة، بينما شهدت أسعار سلع أخرى ثباتًا أو اتجاهًا إيجابيًا مثل السكر والذرة والقمح واللبن المجفف، إلى جانب المعادن النفيسة.

أما العامل الثانى المؤثر وهو رفع الفائدة الأمريكية، فتأثيره يكمُن وفقًا لأبوباشا فى أنه يُمهّد لسلسلة جديدة من الزيادات خلال 2016، وتابع: الأسواق تضررت خلال العام الماضى أثناء ترقبها لقرار الفيدرالى الأمريكى بشأن مصير الفائدة، وسيستمر ذلك الأثر بالعام الجارى انتظارًا لمعرفة وتيرة الرفع، موضحًا أن الأسواق الناشئة تتأذى لأن وجود فائدة أعلى بالولايات المتحدة يدفع رءوس الأموال لمغادرة تلك الدول والعودة لأمريكا.

وأشار إلى أن هناك علاقة قد تبدو غير منطقية بين قوة الاقتصاد الأمريكى وتضرر اقتصاديات العالم، فكلما خرجت مؤشرات تدلل على تلك القوة ظهرت تداعيات سلبية على باقى الدول، مفسرًا ذلك بأن قوة المؤشرات تنبئ برفع فى معدلات الفائدة، وبالتالى تقل السيولة وترتفع تكلفة الاقتراض.

وأوضح محلل الاقتصاد الكلى بالمجموعة المالية هيرميس أن الاقتصاد يسير فى إطار نفس عوامل القلق التى شهدها العام الماضى، من تباطؤ محتمل بنمو الصين، والفائدة الأمريكية، لكن الفرق أن تلك المخاوف تزداد ضخامة ويتصاعد معها القلق، وأضاف: السيولة التى غادرت الاقتصاديات الناشئة خلال 2015 تعد الأعلى منذ سنوات.

ورأى أبوباشا أن جزءًا من القلق العالمى أيضًا هو هبوط أسعار البترول لمستويات متدنية للغاية قرب 30 دولارًا للبرميل مقارنة بنحو 110 دولارات للبرميل منذ نحو عام، نتيجة لزيادة المخزون وتراجع الطلب، لافتًا إلى أن هناك ارتباطًا عسكيًّا بين قوة الدولار وأسعار البترول.

وبشأن الجانب الأهم وهو مدى تضرر الاقتصاد المحلى، قال أبو باشا: فى غياب دوافع مضيئة تبحث السوق المحلية عن أى مؤثرات أو محفزات لتسير وفقها، ومن هنا أصبحنا عُرضة للتأثر بما يحدث فى الخارج رغم أن انخفاض أسعار البترول فى مجمله غير مؤثر سلبًا على مصر، لأن وارداتها البترولية أعلى من صادراتها، كما أن ما يحدث بالصين- وأثره ممتد بالفعل على الأسواق الناشئة التى قلت معدلات الاستثمار بها- تداعياته قليلة على مصر، التى لا تحتاج لاستثمارات ضخمة مثل الهند والصين مثلًا لأن اقتصادها حجمه أصغر.

وأكد أبوباشا أن وضع الاقتصاد المصرى ليس مُعلّقًا بالاضطرابات العالمية، لكنه رهن إصلاحات داخلية، مثل تقليص عجز الموازنة، وإعادة هيكلة منظومة الدعم، وترشيد الاستيراد وغيرها، لافتًا إلى أنه إذا كانت هناك أخبار إيجابية بشأن تلك الملفات لم يكن الاقتصاد ليتأثر بشدة جراء ما يجرى بالخارج.

وعلى صعيد دور البرلمان فى دفع الاقتصاد، قال إن مهمته الرئيسية هى إقرار التشريعات المطلوبة مثل قانون ضريبة القيمة المضافة، وتعديلات قانون الاستثمار.

ما يحدث مختلف تمامًا عن 2008

وقال نعمان خالد، محلل اقتصادى بشركة سى آى إست مانجمنت لإدارة الأصول: هناك من يشبه ما يحدث حاليًا بالأزمة المالية العالمية التى هزت العالم خلال 2008، لكن الأمر مختلف فما حدث سابقًا كان بسبب وجود فقاعة فى تقييم أصول وسندات من قبل جهات ائتمانية تعمدت ذلك، وعندما كُشف الأمر حدث الانهيار الذى أطلق عليه «الأزمة المالية العالمية».

وتابع خالد: ما نشهده الآن مختلف تمامًا، فلا توجد أداة معينة تثير ذعر المستثمرين، فالأمر متعلق بعوامل اقتصادية بحتة تتمثل فى تباطؤ معدلات النمو بالاقتصاد العالمى، الأمر الذى سيكون له أثر على الدول الناشئة ومن بينها مصر، إذ ستقل تدفقات رءوس الأموال الموجهة لها.

وقال إن التقرير الذى أصدره «بنك أوف سكوتلاند» منتصف الأسبوع الماضى، طالب بخفض السيولة بالأسواق الناشئة، والحياد بشأن «النامية»، وتابع: يمكن القول إن كثيرًا من المشكلات التى تحدث عالميًا يكون وراءها تقارير سلبية تصدر عن مؤسسات كبرى وتؤدى لحالة من الذعر بين المستثمرين، رغم أن الوضع قد لا يكون سيئًا لتلك الدرجة.

واستشهد بما حدث فى أسعار البترول، لافتًا إلى أن «جولدمان ساكس» على سبيل المثال تنبأ بانخفاض قيمة برميل البترول لـ15 دولارًا ليواصل بعدها السعر انهياراته، إثر موجات من البيع المكثف من جانب العملاء.

وأشار إلى أن الاقتصاد المصرى متأثر فعليًا بما يحدث، إذ أنه لم يشهد انطلاقة منذ 5 سنوات، والسبب ليس جهة معينة، وإنما تغير السياسات والأنظمة.

وقال خالد إنه كان يجب منذ فترة أخذ ما يدور من متغيرات عالمية فى الاعتبار، فمثلًا كانت هناك مؤشرات سلبية عن نمو المارد الصينى، وهو أمر يعلم الجميع أن له تأثيرًا مباشرًا على إيرادات قناة السويس لأن حركة التجارة العالمية ستتباطأ، كما أن انخفاض أسعار البترول منذ عام عامل مؤثر للغاية على روسيا التى يستحوذ مواطنوها على صدارة السياحة بمصر، فلو تم النظر للأمر من تلك الزاوية لكان بالإمكان التحوط، عبر تشجيع جنسيات أخرى على القدوم لمصر.

ورأى المحلل الاقتصادى بشركة سى آى إست مانجمنت لإدارة الأصول أن مصر كانت أمام طريقين خلال الفترة الماضية، أحدهما خفض العملة بنسبة كبيرة بين ليلة وضحاها وتشجيع الاستثمار، أو ترشيد الاستيراد، وتم الاستقرار على الحل الثانى بإجراءات أصدرتها الصناعة والمركزى لتحجيم الواردات.

وأشار إلى أن السياسة النقدية المتبعة من قبل «المركزى» تصعب من التنبؤ ما إذا كانت الإجراءات الأخيرة طويلة المدى أم أنها تمهد لخفض الجنيه أمام الدولار، مؤكدًا أن تلك الخطوة ستوفر أرضية قوية للتفاوض فيما بعد مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى للحصول على تمويلات.

وقال إن الأمر سيأتى فى نطاق خطة كاملة تتضمن سن تشريعات جاذبة للاستثمار وتهيئة للبيئة المحلية، وتابع: إذا ظل الوضع كما هو عليه، ستقل الاستثمارات تدريجيا، وبالتأكيد إذا كانت هناك إجراءات إصلاحية اتخذت خلال الفترة الماضية لم نكن لنتأثر بما يحدث خارج مصر إلى هذا الحد.

وأضاف أن 2016 ليس عام النمو الاقتصادى الكبير لمصر، لكنه لن يكون كسابقه على الأقل، فهناك علامات إيجابية تشير إلى أن الاقتصاد المحلى سيشهد تحسنًا تدريجيا.

قال محمد تيمور، رئيس مجلس إدارة شركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية، رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية ECMA، إن العالم ليس بصدد أزمة عالمية جديدة كما يعتقد البعض، لافتًا إلى أن الانهيار السابق لاقتصادات دول بعام 2008 كان بسبب مبالغة بتقييم سندات إسكان أمريكية، والأمر خرج وقتها عن السيطرة، لكن مما يحدث حاليًا هو نوع من الانصراف عن المخاطر.

وأضاف أن المستثمرين العرب والأجانب يبيعون بعنف، فى محاولة للتوجه لاستثمارات اَمنة، مشيرًا إلى أن مصر متأثرة بحكم كونها جزءًا من العالم، فضلًا عن وجود حزمة مشكلات داخلية تعوق تعافى الاقتصاد، من بينها العجز عن توفير العملة الصعبة، وارتفاع قيمة العملة المحلية، فضلًا عن القلق بشأن تراجع فرص تحقيق معدلات نمو مرتفعة.

ولفت إلى أن حل الأزمات الداخلية، واتخاذ إجراءات إصلاحية سيكون له دور مهم فى الحد من تداعيات المعوقات الخارجية على مصر، مثل إيجاد آلية لتوفير العملة الأجنبية للمستثمرين.

السياسات النقدية تدفع العالم لأزمة جديدة

وقال هشام توفيق، رئيس مجلس إدارة شركة كايرو سولار لمحطات الطاقة، إن العالم يقترب بالفعل من أزمة عالمية جديدة، إذ إن النظام النقدى بالعالم عليه الكثير من علامات الاستفهام، فهو يعتمد بالأساس على الدين وطبع النقود بكثافة، تزامنًا مع زيادة نسب العجز.

وتابع: المؤشرات أظهرت أداء قويًا للاقتصاد الأمريكى، لكن تلك الأرقام لا تقوم على أسس حقيقية، وهناك عامل آخر أكثر سلبية، وهو الانخفاض الحاد فى أسعار البترول، الذى قد يقود دولًا كبرى للإفلاس، بعد زيادة المعروض بشدة.

ورأى توفيق أن أزمة الصين قد تكون الأقل تأثيرًا، مقارنة بما سيحدث جراء انهيارات النفط، موضحًا أن ركود التنين الصينى سيكون له أثر مباشر على الدول التى تصدر منتجات وموادًا أولية له، ومن بينها أستراليا على سبيل المثال.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل