المحتوى الرئيسى

«الوطن» داخل متحف «تغير المناخ»: صراع «غرق الدلتا» يتجسد فى الواقع

01/16 11:34

فى عمق الصحراء الغربية، وعلى بعد 170 كيلومتراً جنوب غرب محافظة القاهرة، دشنت الحكومة المصرية بالشراكة مع عدد من المنظمات والجهات الدولية، أمس الأول، متحفاً لحيتان وأسماك قرش وحيوانات بحرية عاشت فى «الفيوم».. تلك ليست مزحة يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعى، ولكنها واقع، حيث يقع المتحف فى «وادى الحيتان» أول متحف لـ«التاريخ الطبيعى وتغير المناخ» فى مصر، ومنطقة الشرق الأوسط تحت مُسمى «متحف الحفريات وتغير المناخ»، الذى زارته «الوطن» قبل افتتاحه أمام الجماهير رسمياً اليوم السبت.

المتحف يضم أدلة على وصول البحر «المتوسط» لـ«الأقصر» قبل انحساره لـ«الجبل الأحمر»

الرحلة للمتحف تبدأ بمرورك ببحيرة وقصر قارون بمحافظة الفيوم، ثم دخولك لمحمية «وادى الريان» حتى تعبر «مدق صحراوى ممهد» طوله نحو 34 كيلومتراً تشاهد فيها هضاباً جبلية جميلة الشكل، و«مرتفع جهنم» حتى تصل لـ«وادى الحيتان»، الذى أثبتت الدراسات العلمية الحديثة وجود 1500 هيكل عظمى به لحيتان وعرائس بحر عاشت منذ 40 مليون سنة حين كان هذا الموقع، الذى يُعتبر جزءاً حاراً من الصحراء حالياً، قاع بحر «التيثس» العظيم، الذى كان جزءاً من المحيط حين كانت قارات العالم مرتبطة ببعضها البعض حتى انفصل ليتواصل صراع «البحر» و«الأرض» لتنحسر المساحات الواسعة من المياه لتُشكل البحر الأبيض المتوسط.

يؤرخ «المتحف»، الذى يفتح أبوابه للمواطنين الراغبين فى زيارته صباح اليوم، لحقبة من «التغيرات المناخية» التى تجعل تصريحات العلماء والمسئولين حول تلك الظاهرة وإمكانية غرق الأراضى المنخفضة فى دلتا نهر النيل حقيقة تراها رؤى العين بسبب الصراع القديم الذى حدث وقت تغير المناخ، والذى انتصرت فيه الأرض على البحر، إلا أن الظروف الطبيعية السائدة حالياً بارتفاع متوسط درجة الحرارة، وارتفاع سطح البحر ترجّح كفة البحر على الأرض فى صراع اليوم والمستقبل، وهو ما يدفع للتحرك لمواجهة هذا التغير.

وسجّل «المتحف» حقيقة كون البحر الأبيض المتوسط، بمسماه القديم «التيثس»، كانت تمتد شواطئه عبر الجزء الشمالى لمصر حتى وصل خلال «العصر الأيوسينى»، الذى كان منذ قرابة 58 مليون سنة، إلى موقع مدينة الأقصر حالياً ليتراجع شمالاً بعد ذلك، ليتجه حينها «النهر القارى» شمالاً وغرباً مؤثراً فى المدى البعيد على مستوى سطح البحر، لتُستبدل المياه العميقة فى نهاية «العصر الأيوسينى» بالبحيرات الضحلة التى أدت فى نهاية المطاف إلى تكوين الأنهار، والدلتا.

ويُسجل متحف «الحفريات وتغير المناخ» فى جوانبه رحلة تطور الكائنات التى عاشت فى «وادى الحيتان» على مدار العصور، حيث يضم حيتاناً ذات «أطراف خلفية»، وهو ما فسّره الخبراء بعد اكتشافها فى تلك المنطقة بنظرية مفادها أن الحيتان الأولية انحدرت من «ثدييات اليابسة» ثم مرت بمراحل استثنائية أدت إلى وجود «حيتان تمشى»، والتى وصلت لتلك المرحلة بعد فترة قصيرة من تكوُّن الثدييات الحديثة منذ قرابة 55 مليون سنة، حيث كانت تمكث تلك المجموعات من الثدييات ذات الحوافر بعض الوقت فى المياه، والتى استمرت فى العيش فيه لتوافر الغذاء، إلا أنها تركت اليابسة فى النهاية، وتكيّفت لتصبح حيتاناً مائية كلياً، والتى استعرض المتحف حفريات أصلية لها.

ويواصل «المتحف» رحلة الحقب الزمنية المختلفة حتى عصر «الأوليجوسين»، الذى يمتد من 23 مليون سنة إلى 34 مليوناً قبل الحاضر، حيث شهد بداية التبريد العالمى الذى أدى لتحول مناخ الأرض بشكل يسمح لتكوين الجليديات، والعصور الجليدية، والذى شهد استمرار تراجع «بحر التيثس»، لتكون شواطئه بالقرب من منطقة الجبل الأحمر فى القاهرة، والذى استمرت الدورة البحرية خلاله لإنشاء بيئات بحرية قليلة الملوحة، وبعدها المياه العذبة، ووجد فى المتحف بعض الأدلة على هذا العصر فى مصر.

وتصل رحلتك فى المتحف إلى فترة «المناخ والحضارة»، حيث يُعتقد أن حضارات العالم تعود إلى ما يزيد على 5 آلاف سنة، فيما عاش أسلافنا لنحو 2 مليون سنة قبلها فى مجموعات صغيرة معتمدين على جمع النباتات، وصيد الأسماك، والحيوانات، والطيور، ليبدأ الإنسان الحديث فى الظهور فى فترة ما بين الـ150 إلى 200 ألف عام الأخيرة ليكتسب الذكاء منذ 30 ألف عام، لتستمر رحلته فى عدة عصور حتى أتاح له تغير المناخ إمكانية زراعة النباتات، واستئناس الحيوانات وتربيتها، وهو ما أدى إلى زيادة هائلة فى عدد السكان، وتسارُع فى الإنجازات الثقافية.

ويشير «المتحف» إلى أن «حجر باليرمو» سجّل ارتفاع مستويات فيضانات النيل، وبعد تكيُّف المواطنين مع مستوى النهر فى الدولة المصرية القديمة انخفض تدفع مياه النهر، ما أدى إلى مجاعات واضطرابات شديدة منذ 4200 سنة لتنهار الحكومة المركزى، ويتم إعادة تأسيسها بعد 200 عام، ليقوم ملوك الدولة الوسطى بتنفيذ مشروع هيدروليكى فى الفيوم للتغلب على الجفاف مستقبلاً. وأشار إلى أن المناخ ازداد جفافاً وأصبح غير قابل للتنبؤ به فى تلك الرقعة فى فترة ما بين 5 إلى 7 آلاف سنة مضت، لتنتشر الزراعة كوسيلة لتحقيق الأمن الغذائى على طول نهر النيل والدلتا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل