المحتوى الرئيسى

كلمات ألمانية في اللهجة الفلسطينية.. كيف ومن أين جاءت؟ - ساسة بوست

01/14 16:11

منذ 3 دقائق، 14 يناير,2016

كثيرةٌ هي الكلمات الدخيلة على اللسان الفلسطيني، بعضها فارسية وأخرى تركية وكذلك الإنجليزية وبلا شك العبريّة، ولكن من أين جاءت الكلمات الألمانية؟ الأكيد أنها ليست من أيام الحُروب الصليبية، ولكنها وصلت مع الهجرات الصهيونية إلى أرض فلسطين وتحديدًا في الثلاثينات من القرن الماضي، حيث بدأ يهود ألمانيا يستجيبون لدعوات ثيودور هرتسل الذي حثّ اليهود على الهجرة إلى “أرض اللبن والعسل” لإقامة الدولة اليهودية، ومع إقامة الدولة اليهوديّة كان لا بُد للفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم وكل من اضطر للعمل في “إسرائيل” أن يتعلّم العبرية ويتقنها، ولأن يهود ألمانيا كانوا من أكبر المُساهمين في تطوّر “إسرائيل” فقد استطاعوا غرس الكلمات الألمانية في العبريّة، وهكذا انتقلت للسان الفلسطيني.

كثيرون يتخيّلون أن كلمة “شنيتسيل” هي كلمة عبريّة أخرى من الكلمات العبرية الدخيلة على اللهجة الفلسطينية، ولكن في الواقع هي ألمانية، وهي من أشهر وأكثر الكلمات الألمانية المتداولة في الحياة اليومية في فلسطين؛ فهي مُتعلقة بالطعام، وإن بحثت عن مطاعم للوجبات السريعة في فلسطين ستجد الكثير من المحلات تقترح عليك وجبة الـ”شنِتْسِل”. بحسب القاموس الألماني فإن كلمة شنتسيل تعني: “شرائح رقيقة من قطع اللحم منزوعة العظم، يتم طهوها قليًا في دهونٍ ساخنة”، ويُرجع البعض أصل الشنتسيل إلى النمسا، ومع ذلك نجد إسرائيل تتحدث اليوم عن الشنتسيل باعتباره طبقًا إسرائيليًّا فريدًا، لذلك فإن الكثيرين لا يتخيّلون أن كلمة شنتسيل ألمانية في الأصل وليست عبرية.

بعد حرب 1967، بدأ موشيه ديّان بتكريس سياسة “الباب المفتوح”، والتي كانت تهدف إلى “رفع متطلبات الفرد الاستهلاكية، وقتل قدرات المجتمع الإنتاجية”. وسمح للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة بالعمل داخل “إسرائيل”، وتُشير الإحصائيات إلى أن حوالي ثلث القوى العاملة في قطاع غزة والضفّة كانوا يعملون في “إسرائيل” بين عامي 1970-1993. مُعظم هؤلاء كانوا يضطرون إلى استخدام المصطلحات “الإسرائيلية” المستخدمة في مجال أعمالهم، فيعودون إلى قراهم والمدن مع كلمات جديدة مثل شبلونة، وشباختيل، وشَلتر، ودُبل، ونيروستا وقد يظنها البعض عبريّة إلا أنها ليست كذلك.

شبلونة Schablone كلمة ألمانية تعني “مرسام”، قالب أو نموذج وهي مستخدمة في فلسطين وكذلك دول عربية أخرى، وقد وصلتنا كما يبدو بسبب نبوغ الصناعات الألمانية في مجالات متعددة، ولكن كلمة شباختل Spachtel مثلًا والتي تعني المجراد أو المشحاف، لم تصلنا بالطريقة التقليدية، ولذلك نجد استخدامها منحصرًا في العُمال الفلسطينيين الذين عملوا في “إسرائيل” أو لهم صلة بمن عمل هناك، مثلها مثل كلمة شالتر Schalter وتعني “المقبس” أو “المفتاح” في القاموس الألماني، وتستخدم في فلسطين للتعبير عن “الأمان” الكهربائي -المفتاح الخارجي- وليس غريبًا أن تسمع أحدهم يقول: “ارفع الشالتر، قطعت الكهرباء”.

لعل الأشهر منها هي كلمة “نيروستا” Nirosta الألمانية، وهي كلمة مُستخدمة كثيرًا في الأسواق “الإسرائيلية” وكذلك بعض المتاجر الفلسطينية في “إسرائيل” بشكل خاص. فالكثير من النساء الفلسطينيات يُفضّلن طناجر “النيروستا” على طناجر النحاس أو الحديد لأنه نيروستا، فما معنى هذه الكلمة الألمانية؟ الأمر بسيط: إنها مكوّنة من جُزأين: Ni وRosta وهو تحريف لكلمة Nie التي تعني أبدًا، وفعل Rostet بمعنى “يصدأ”، وبهذا فإن نيروستا تعني الفولاذ الذي لا يصدأ، وكذلك هي اسم لشركة ألمانية قديمة، صار اسمها اليوم تيسين كروب ThyssenKrupp، وهي من أكبر شركات إنتاج الصُلب، ولديها حوالي 200 ألف موظف حول العالم!

كلمة دِبل، هي واحدة من أشهر الكلمات وهي مُحرفة عن كلمة دُبل Dübel الألمانية، فالعمال يستخدمونها ولعلّهم لا يعلمون معناها بالعربية وهو “القابس الجداري”، والدِبِل هي آلة بسيطة توضع داخل ثقب الجدار للمساعدة على تثبيت البرغي، وليس هذا فحسب، فإن “الدِبِل” المستخدم اليوم هو من اختراع عالم ألماني يُدعى آرتور فِشِرْ Artur Fischer، سجّل حتى الآن 1100 اختراع، وما زال يذهب لمكتبه ويدعم حركة التقدم العلمي وهو يبلغ 94 عامًا، ولهذا ليس غريبًا أن تهاجر كلماته إلى فلسطين، مع من هاجر من يهود ألمانيا.

في عام 1948 وإعلان “إسرائيل” استقلالها، تبّنت سياسة “أسرلة” الأقلية الفلسطينية التي بقيت في أراضيها وحاولت بكُل الطرق والوسائل تعزيز الثقافة واللغة العبرية لدى هؤلاء، حتى وصل الأمر إلى أن عدد العرب المتحدثين بالعبرية في فلسطين التاريخية أكثر من عدد اليهود المتحدثين بها في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجحت هذه السياسة في تشويه العربية واقتحام مئات الكلمات “العبرية” اللهجة الفلسطينية، كما دخلت كلمات مثل “شترودل” و”تريمب” أو “فيشر وفينكر” من الألمانية، وكذلك كلمات مثل “آلتي زاخن” من لغة الإييديش.

في الداخل الفلسطيني، يندر أن تلتقي بشخص لا يعرف بأن هذه الإشارة @ اسمها شترودل Strudel، ولكن من الطبيعي ألا يعرف أنها من الكلمات التي قطعت شوطًا طويلًا قبل أن تصله، وأن حكايتها بدأت مع المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897 عندما بدأ ثيودول هرتسل بتشجيع اليهود على بناء دولتهم في كتابه الشهير “الدولة اليهودية” والمكتوب بالألمانية Der Judenstaat لتبدأ هجرة اليهود و”الثقافة الدخيلة” إلى أرض فلسطين.

كلمة شترودل Strudel التي كانت تعني دوّامة أو فطيرة ملفوفة محشوة بالتفاح باتت من أكثر الكلمات استخدامًا للتعبير عن الرمز @ في البريد الإلكتروني. أما كلمة “فين” المحرفة عن فوون Föhn الألمانية وتعني في الأصل الرياح الدافئة صارت تستخدم لمجفف الشعر، بل إنه من النادر أن تجد أحدهم يستخدم كلمة “سيشوار” أو “مجفف شعر” بدلًا من كلمة “فين”.

كذلك كلمة “تريمب Trampen ” كانت وما زالت تستخدم في الداخل، وتعني “التنقل دون مقابل” أو “السفر العارض”، ولكن الجميع يُفضلون كلمة “ترمب”، وكذلك هناك كلمة يُمكن أن تسمعها بين أصحاب السيارات مثل: “شغّل الفيشير” بمعنى “شغّل مساحات زجاج السيارة” أو حتى “الفنكر خربان” بمعنى ” الغمّاز– الضوء- مُعطّل”، ولا تستغرب إن سمعت أحدهم يقول “أعط شفونغSchwung ” بمعنى “اضغط على البنزين أكثر” فـ”شفونغ” تعني “حركة”.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل