المحتوى الرئيسى

حسام محمد يكتب: حملات بيبرس الأخيرة والانتصار المدوى فى الأبلستين | ساسة بوست

01/14 12:21

منذ 8 دقائق، 14 يناير,2016

حفظ لنا تاريخ الفكر الاستراتيجي المصري تعريف  “سليمان باشا الفرنساوي” مؤسس الجيش المصرى الحديث مفهوم الأمن القومى لمصر والشام بقوله : “إن أمن الشام يبدأ من جبال طوروس، وأمن جبال طوروس يبدأ من ممرات سيناء، وأمن القاهرة يبدأ من هذه الممرات. إن القاهرة مفتاح الشام، والشام مفتاح المنطقة”.

ولم يكن هذا المفهوم اختراعاً جديداً أو ابتكاراً فلقد أدرك القادة العسكريون العظام منذ أيام الفراعنة هذا الأمر ، ونوضح فى مقالنا كيف استطاع السلطان الظاهر بيبرس بعبقريته العسكرية والاستراتيجة أن يعى هذا المفهوم ويقوم بتطبيقه وتأمين حدود دولته ، ونبين صفحة فى تاريخنا  زاهرة  بالانتصارات .

ففى عام 1271/ 669 هاجم المغول وسلاجقة الروم شمال الشام بقيادة القائد المغولى ” صمغار ” ، وكان الهجوم المغولى بتنسيق مع الصليبيين حيث كانت قد وصلت إلى عكا قوات الحملة الصليبية الانجليزية بقيادة الأمير ” إدوارد ” ابن ملك انكلترا وولى عهده، أمر بيبرس حامية حلب بعدم مواجهة المغول، وتركهم يتوغلون فى الشام ، تجاوز المغول حلب، ووصلوا حتى مدينة أفامية وقاموا بتدمير القرى والحقول ونهبوا المنطقة ، ولم يستطيعوا الاقتراب من المدن المحصنة ، بدأ السلطان بالزحف بجيشه من دمشق ليواجه المغول، وضم الى جيشه عددا كبيرا من البدو والمتطوعة، وانضمت له أخيرا قوة من ثلاثة آلاف مقاتل، وصلت من القاهرة تضم عددا كبير من المماليك المخضرمين ، لكن المغول انسحبوا دون أن يلاقوا الجيش المملوكى.

واستغل الأمير الانجليزى انشغال المسلمين فى صد المغول وقام بالإغارة على بعض الحصون فى فلسطين، لكنه فشل فى الاستيلاء على أى شيء واضطر للانسحاب قبل وصول القوات المملوكية ، وتم توقيع هدنة بين الصليبيين وبيبرس ، ولكى يضمن بيبرس تأمين نفسه من أية محاولة تحالف مرة أخرى بين الصليبيين والمغول فقد أرسل بيبرس الحشاشين لاغتيال إدوارد الذى أصيب بجرح نافز من خنجر مسموم، وما أن تعافى إلا ترك عكا متوجها إلى صقلية، ومنها إلى انكلترا  ” ونتساءل عن الانطباع الذى تركته مواجهة بيبرس على الأمير الشاب، خاصة أنه أصبح ملك انكلترا بعد سنتين”!

أدرك السلطان الظاهر بيبرس بثاقب نظره أنه لا أمان لشمال الشام طالما تواجد المغول بالأناضول ، لكنه انشغل فى رد غزوات المغول المتتالية على قلعة “البيرة” والتى كانت تمثل بموقعها ووجودها كنتوء داخل أراضى المغول أهمية كبيرة فى استراتيجة الدفاع المملوكية عن شمال الشام ، وانشغل كذلك فى إعداد حملة كبيرة لإخضاع النوبة لسلطة دولته.

وفى أواخر عام 1274 /672 قام السلطان الظاهر بيبرس بالدعوة لتجمع عام لكل الفرسان والمقاتلين فى السلطنة ، فقد كانت هناك شائعات عن غزو مغولى وشيك، لكن الحقيقة أن التجمع هذا كان لهجوم جديد على مملكة الأرمن والأناضول ، حيث إن ليو ملك الأرمن قد قطع إرسال الجزية المقررة عليه ، وبدأت عمليات الإعداد لغزو أرمينيا ،وبدأت القوات المملوكية الموجودة بحلب  بالإغاره على مدينه مرعش وتدميرها .

ثم بدأ بيبرس فى الزحف بقواته الرئيسة فى فبراير  1275  / رمضان 673 وكعادته فى خداع أعدائه أرسل بيبرس فرقة من جيشه  باتجاه ” قلعة البيرة” ليوهم الجميع أن حركته ستكون باتجاه الجزيرة وشمال العراق ، وأحدثت هذه الفرقة ذعرا هائلا بمناطق المغول فيما وراء البيرة.

” كان من عادة بيبرس تحرى السرية التامة فى تحركات قواته وتحركاته هو شخصياً ، وهذا ساعده كثيراً على نجاحه ونجاح قواته فى المهام الموكولة إليها “.

وبينما هذه القوات تسير الرعب فى مناطق المغول بالجزيرة الفراتية  كان بيبرس يتحرك بقواته الرئيسة عبر بوابات الشام ، وعبر السلطان بجيشه المهيب الممرات الجبليه فى مارس 1275 / رمضان 673 ، قام بيبرس بإرسال فصائل بقيادة بعض أمرائه للاستيلاء على المرتفعات لحماية أجنحة جيشه ، ثم أرسل قلاوون بطليعة الجيش إلى المصيصة، وتم اقتحام المدينة دون عناء، وإبادة من فيها من قوات أرمينية، ثم تم الهجوم على عاصمة مملكة الأرمن “سيس” وتدميرها، لكن قلعتها قاومت بعناد، ثم أرسل بيبرس بعض قواته لمهاجمة طرسوس، وتم إحراق ميناء “إياس” ميناء المغول الرئيس وأهم مصدر للإيرادات لهم، وتم ذبح كل من صادفوه فى المدينة والميناء، وتم أسر النساء والأطفال، ثم عاد بيبرس بقواته إلى بوابات الشام مرة أخرى مدمرا فى طريقه تل حمدون، ووصل إلى دمشق فى  يوليو1275 /  ذى الحجه 673 .

فى نوفمبر   1275  / جمادى الاولى 674 أرسل المغول جيشا كبيرا، عدده ثلاثين ألف مقاتل للاستيلاء على قلعة “البيره” التى كانت ما تزال تقف بعناد أمام غزو المغول لها، وخرج بيبرس من دمشق باتجاه البيرة المحاصرة فى ديسمبر 1275 / جمادى الاخرة 674.

لما بلغ المغول المحاصريين للقلعة أنباء تحرك بيبرس باتجاههم فكوا الحصار وانسحبوا بقواتهم ، وكان اسم السلطان وحده كفيلا ليجعل المغول ينسحبون، بجانب أحوال الطقس البالغ السوء ونقص الإمدادات .

وفى عام  1276 /675 كان السلطان الظاهر بيبرس على أتم الاستعداد للقيام بمشروعه الكبير فى الأناضول ضد المغول وسلاجقه الروم،وكعادته فى الخداع أرسل بيبرس حملتين فى اتجاه أراضى المغول، وكانت إحداهما باتجاه مدينه ماردين.

ثم عاد السلطان إلى القاهره فى أغسطس 1276 / ربيع الاول 675وبدأ فى الاستعدادات الجادة لحملتة المرتقبة ، وفى الوقت نفسه أرسل اباقا خان المغول جيشا كبيرا بقيادة أحد إخوته ” توداوان ”  إلى الأبلستين فى الأناضول .

شرع الجيش المملوكى فى زحفه وخرج من القاهرة بكامل عدته فى فبراير 1277 /  جمادى الاخرة 675 وانضمت إليه كل القوات المتاحة الموجودة فى بلاد الشام، وانضم إليه كذلك عدد كبير من البدو كجنود احتياط.

وكإجراء احترازى أرسل بيبرس قوات حلب، ومعها جماعة من البدو إلى “البيرة” لاحتمال أن يقوم المغول بالرد على هجوم بيبرس فى الأناضول بهجوم على شمال الشام ، عبر بيبرس بقواته بوابات الشام، وعبر تلال طوروس، وعبر الجيش نهرا ومرتفعات جبلية غاية فى الصعوبة، وقاموا بسحق قوة مغولية مكونة من ثلاثة آلاف مقاتل، ومن استجواب بعض الأسرى تمكن بيبرس من معرفة أن قوة المغول الرئيسة تعسكر قرب مدينة الأبلستين، واتخذ بيبرس قراره بمهاجمة قوات المغول، وكانت معها قوة كبيرة من سلاجقة الروم ،اتجهت القوات المملوكية باتجاه السهل الذى تعسكر فيه القوات المغولية وحلفاؤها .

بدأ القتال بأن اجتاح المغول ميسرة جيش المماليك حتى وصلوا إلى قلب الجيش وحملة البيارق وكان فقد بيبرس لحملة البيارق يعنى أن يسود الزعر بين قواته، ويفقد السيطرة عليهم، فى هذه اللحظة هجم السلطان بحرسه الشخصى، وهم  نخبة الجيش المملوكى، وكانت هجمته كفيلة لدفع المغول للتراجع وإنقاذ قلب الجيش، كانت قوات البدو قد فرت من أرض المعركة على أثر الصدمة التى تلقاها الجيش من هجمة المغول الأولى، أمر بيبرس قوات حماة بأن تقوم بتعزيز ميسرة الجيش التى كانت تواجه المتاعب، وكان هذا الإجراء كفيلا بإعادة التوازن للمعركة، ثم قاد بيبرس هجوما عاما مضاد على المغول.

وكما حدث فى عين جالوت تم إجبار المغول على التراجع، وتم تحطيم قوة المغول، لكن الفارق الوحيد هذه المرة كان أن المغول لم يفروا من ميدان المعركة كما حدث فى عين جالوت فقد ترجلوا عن خيولهم وقاتلوا حتى الموت، وفى نهاية الأمر قام المماليك بذبح ما فيه الكفاية من المغول وحلفائهم، وسيطروا على ميدان المعركة تماما، حاولت فرقة من المغول الاعتصام بأحد التلال، لكن المماليك حاصروهم واشتبكوا معهم فى قتال متلاحم اأادوهم فيهم جميعا، انتهت المعركه بهزيمة ساحقة  للمغول وحلفائهم، وتم قتل قائد المغول توداوان ومعه بعض أمراء المغول ، أمر السلطان بقتل كل أسرى المغول، وأبقى أسرى سلاجقة الروم.

فى اليوم التالى للقتال يمم بيبرس بجيشه شطر قيسارية عاصمة سلطنة سلاجقة الروم، وقامت مقدمة جيشه بمفاجأة جيش مغولى لم يعلم بما حدث فى اليوم السابق، وتم سحقه هو الآخر، وأسر عددا، منهم وهرب الباقى.

وفى أبريل 1277 / ذى القعدة 675 دخل بيبرس مدينة قيسارية واستقبل استقبال الفاتحين وجلس السلطان الظاهر بيبرس على تخت بنى سلجوق، وتم سك النقود باسمه باعتباره سلطان الأناضول وخضع له السلاجقة خضوعا كاملا، ثم عاد بيبرس إلى دمشق فى مايو 1277 / ذى الحجة  676

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل