المحتوى الرئيسى

العصماء محمد تكتب: عزيزي الـ«يوسف زيدان» | ساسة بوست

01/11 23:40

منذ 1 دقيقة، 12 يناير,2016

أردت أن أبدأ مقالي هذا بوابل من الكلمات الأدبية المنمقة لتبيين مدى ثقافتي وتفتحي على الآخر وتقبلي للفكر والتساؤل وطرح كل ما هو مختلف، تمنيتُ أن أظهر بمظهر الـ”كيوت” وأنا أدعو الـ”يوسف زيدان” بالدكتور والأستاذ الفاضل العزيز الرائع المذهل المبهج الفظيع، ولكنني حقيقة فضلتُ باعتباري إنسانة أملك ضميرًا لا زال صاحيًا وقلبًا لا زال يملك شيئًا من البياض، أن أتبنى الموقف الآخر الذي قد يجده البعض موقفا متطرفا متأسلما شنيعا بشعا لا يتوافق مع عصر ومجتمع المثقفين المتفتحين أبناء الجالية المهاجرة إلى وسط البلد وما يجاورها.

يوسف زيدان هو الكاتب والأديب الذي نظرنا إليه بكثير من التقدير والتبجيل والإعجاب بعد كتابه “عزازيل”، كنتُ أحرص على مداومة حضور ندواته ومحاضراته، إلى درجة أن سافرت خصيصًا من القاهرة إلى الإسكندرية لحضور ندوة له في مكتبة الإسكندرية، أملك كُتُبا موقعة منه وزاحمته في صور عدة، حسنًا.. أنا متفاخرة بكل ذلك ولا أندم عليه، لأن فترة السذاجة والحمق في حياة الإنسان هي التي تنقله إلى مرحلة الرشد والنضج.

ولا ننسى أن الانقلاب العسكري الذي حصل على الرئيس الشرعي المنتخب وتم فيه اغتصاب الديمقراطية اغتصابًا من الدرجة الأولى، نقلنا كشباب عشريني إلى مرحلة أكثر وعيًا، فتدمرت أغلب رموزنا إذا لم يكن كلها، وكان الـ”يوسف زيدان” أحد هؤلاء المتدمرين ذاتيًّا.

في مطلع شهر ديسمبر الماضي، أهلّ علينا الباحث الفيلسوف المبجل – الذي لم يكف عن الإشادة بنفسه وبفضله في نقل قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية نقلة نوعية – على برنامج “ممكن” لخيري رمضان قائلا فيما معناه “يا جهلة يا وحشين المسجد الأقصى مش في القدس ده المسجد اللي في طريق الطائف”، مكررًا أكثر من مرة “كفاية موت مجاني”، وازداد تكراره لجملة “إسرائيل عدو عاقل”.

في بادئ الأمر لم ألتفت إلى تلك الهرتلة، فأنا من الشباب الذين زهدوا في كل تفصيلة من تفاصيل اللوحة الصائبة للحياة الصحيحة، هربنا من كل تلك الهرتلات والتجأنا إلى الصمت والكف عن البحث، وتصوفنا في عالم الأدب والأفلام وتبنينا منهجَ “مبهج”، “بهجة”، “طبطبة ربنا”، “ربنا حلو”، واعتصمنا بديننا محاولين إقناع الآخر كم هو دين جميل، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يشرب من موضع فم السيدة عائشة وقت حيضتها حتى يراعي شعورها ويمحي أي أثر لأي خلق جاهلي، محاولين تناسي “وامعتصماه” والتمسك بـ”إني رزقت حبها”.

ثم كانت الصدمة! مقال للعرّاب أحمد خالد توفيق – أحد الرموز التي نلتف حولها كشباب – كان يرد فيه على الـ”يوسف زيدان” بادئًا بافتتاحية مبجلة عظيمة، أظن أن أعظم خطباء عصر “الحاكم بأمر الله” لاستعانوا بها، موضحًا أنه يكنّ له شديد الاحترام والحب، لدرجة أنني تخيلت أنه سيهبه أحد أولاده دون مقابل، ملخص المقال: “إنه مش وقته”، مرفق معه جملة شديدة الحياء بأنه قد قرأ ما يدحض حجة زيدان!

منذ أن قرأت مقال العراب ولم أكف عن التفكير في مدى الرعب الذي نعيشه في هذا العالم!

كل ما قاله يوسف زيدان جعل الشك يسري داخلي، في لحظات عدة راودني صوت:  “كلامه صح”، مهما اختلفنا معه فهو عالم، ويستطيع أن يقنعك بما يشاء بألف وألف وثيقة وحجة، تخيل أنك تملك قناعة مكونة من عشرين سطرًا، يقر لك تسعة عشر سطرًا ويشكك في الأخير، والأخير هو أهمهم جميعًا.

لم أنم مدة يومين وأنا أقوم بالاستماع إلى محاضراته وندواته الموجودة على اليوتيوب، وكان الأرق الأكبر في تفكيري في ماذا سيحل بأولادنا؟ كيف سأجعل أطفالي يفرقون بين الصحيح والخاطئ، كيف سأجعلهم عندما يمرون بلحظة شك يعودون فورهم دون أن يهتز إيمانهم أو معتقدهم، إذا كنتُ أنا قد مررتُ بلحظة شك ولم أجد في مرجعيتي ردًا علميًا مقنعًا على كلامه وكل ما أملكه إيمان مُسلّم به لا أدلة فيه، حتى بحثتُ ونقّبتُ على ما أتحجج به أمام عسله المدسوس سمّا، ماذا سيفعل أولادي مستقبلا؟!

الموضوع مرعب جدا، تعليقات الناس مرعبة أكثر، نحن نحمل في قلوبنا إيمانا هشّا ضعيفا لا ركائز قوية له، لا زال الكثيرون منا يكتبون “لاكن” بدل “لكن” فكيف سيُنتظر منا أن نثبت بالأدلة القطعية أن المسجد الأقصى هو المسجد الأقصى الموجود في القدس، وأن القدس إسلامية مسلمة إلى الله منذ أن رفع آدم عليه السلام قواعد الأقصى عليها، عندما تقرأ تعليقًا لأحدهم يقول فيه “أنا مبقتش فاهم ومبقتش عارف إيه الصح وإيه الغلط.. أنا خايف أحسن يكون مفيش إسلام أساسًا” يتأكد أمامك مدى الفوضى التي نعيش فيها، وأن الأمور تسير إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل.

في إحدى ندواته المرفوعة على اليوتيوب يخبرك الـ”يوسف زيدان” بأن لا شيء مقدس لذاته والتقديس يأتي من المجتمع، وضرب لك مثل الكوب الذي شرب منه العالم الجليل “الشعراوي” ثم قام فلان بتقديس هذا الكوب، فهنا الكوب ليس مقدسًا لذاته ولكنه مقدس بفعل “فلان” الذي قام بعملية التقديس والتبجيل، بالتأكيد هذا الكلام لا خلاف عليه، وبالتأكيد الكوب هنا ليس مقدسًا لأن الشعراوي شرب منه، نحن هنا نتفق ولا نختلف، ثم يستطرد قائلا بأن الكعبة مثلا مقدسة عند المسلمين لأنهم يقدسونها ولكنها لا تعني شيئًا عند البوذي والمسيحي والهندوسي، بالتأكيد هي لا تعني شيئًا عند البوذي والمسيحي والهندوسي، كنيسة القيامة مقدسة عند المسيحيين ولكنها لا تعني شيئًا عند المسلمين، فسأله هنا أحد الحاضرين “ولكن اللي قدّس النبي صلى الله عليه وسلم هو ربنا سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات مش أشخاص” فرد عليه الـ”يوسف زيدان”: “إذا كان الرسول قال لا تقدسوني مثلما قدست النصارى عيسى ابن مريم هو بيقولنا متقدسوني نروح إحنا لأ هنقدسه بالعافية”..

تلك الطريقة المبدعة والمذهلة في جعلك تعيد النظر في قناعاتك المعتقدية التي لا يجب عليك أن تختلف عليها، طريقته في جعلك تقر بأن الكعبة مقدسة لأننا نحن من نقدسها وإن توقفنا عن تقديسها سينتهي كل ما حولها من معان، استخدامه لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغلو فيه حتى لا نقع في الشرك بالله كما وقعت الأقوام السابقة لإقناعك أنه غير مقدس، فربما أتى الـ”زيدان” غدًا ليحمل النبي الأمي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى أوجه الصواب والخطأ في حياته ونقوم بتفنيدها ونقدها وتحليلها، “أمال إيه! مهو قال متقدسونيش”!

في المحاضرة التي أطلق العنان فيها لنظرية أن المسجد الأقصى الموجود في القدس ليس هو المقصود في القرآن يقول: “وتمت الهجرة وفُرِضت الصلاة.. وإيه بقى نصلي إيه.. زي اليهود خمس مرات في اليوم، طيب نقف إزاي؟ اليهود إنتو بتقفوا إزاي؟ قالوا والله كان فيه زمان كان يا مكان مدينة اسمها أورشليم واحنا بنقدسها فمسمينها أساس وموضع وبيت همقداش.. المقدس وبعدين اتهدت من 700 سنة وفضل منها سور بنروح نعيط عنده اسمه حائط المبكى، وده قبل حروب النبي مع اليهود فطيب خلاص واحنا كمان هنصلي..”.

وكأننا نصلي “تماحيك” في اليهود، والقبلة الأولى كانت كيدًا في اليهود، وكأن الإسلام أتى لكي يغيظ اليهود، ثم يستطرد: “واليهود لسانهم طويل قعدوا يلسنوا، محمد يصلي إلى قبلتنا أي ما نستقبله، وباني جامع وعامل القبلة ناحية الشمال زينا ها ها ها ها، فالمسلمين يضايقوا، فواحد من الصحابة يقول لو استقبلنا البيت”.

ثم يقول عن تغيير اتجاه القبلة إلى مكة: “وواضح من نص الآية أن النبي استراح لذلك لأنه كان مرتبط أوي بمكة بالأراضي الأولى فجت الآية قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها”.

هل كل ما ذكر خاطئ؟! بالتأكيد لا.. بالتأكيد نحن نتفق مع معظمه، ولكننا هنا سنخرج بخلاصة أن القبلة تغيرت لأن محمدًا وأصحابه كانوا “مقموصين”، حزّ في أنفسهم أن يتجهوا إلى حائط المبكى الخاص باليهود وألا يتجهوا إلى أرضهم الأولى “مكة”، فالإسلام إذن سار على هوى ورغبة بضعة من رجال قريش آثروا البيت الحرام على حائط المبكى.

هذا هو ما فهمته من كلام الـ”يوسف زيدان”، قد تراه كلامًا ساذجًا وقد تراني ضيقة الأفق منغلقة في تابوت المتأسلمين الجُهّال الذين أغلقوا أدمغتهم بمفتاح التعصب سائرين كالحمير خلف رجال “دين” لا يفقهون شيئًا كما يفقه العالم الجليل الدكتور يوسف زيدان!

حسنا.. فلنأتِ هنا إلى الفاجعة التي لا تقل عن سابقتيها، والتي على الاشتراكي والليبرالي والشيوعي ومحبي الشيخ إمام والمتغنين بجيفارا والبرادعي أن يرفضوا هذا الهراء، يزعم الـ”يوسف زيدان” أن إسرائيل بريئة من دماء مجزرة صبرا وشاتيلا براءة الذئب من دم ابن يعقوب، متعللا بأن حزب الكتائب اللبناني هو من قتل الفلسطينيين، وهناك أكثر من 470 ألف يهودي في “إسرائيل” تظاهروا ضد الحكومة احتجاجًا على هذه المجزرة فيقول الـ”زيدان” بالنص: “إذن الناس دول مش أعداء بقى دول ولاد عم ولا إيه الحكاية؟! بس فيه باطل كتير بيننا وبينهم.. نراجعه.. عشان ننتهي في النهاية إن الناس تبطل تموت موت مجاني”.

وفي النهاية يسأله خيري رمضان إلى ماذا تريد أن يقودنا هذا الطرح.. فبمنتهى التلقائية يجيب “إلى السلام”!

ولا داعي إلى ذكر الوقت الذي استقطعه متغزلا في الرئيس المبجل المفخم “عبد الفتاح السيسي” الذي نصحه فكان “خير المنصوحين” والذي من شدة تواضعه سأل الـ”زيدان” بمنتهى الـ”الكيوتية”: “طب نعمل إيه يا أستاذ”.

ربما تنتهي من مقالي هذا قائلا “طب نعمل إيه”.. حقيقة أنا لا أعلم ما الذي يجب علينا أن “نعمله”، أنا بلا حيلة، وبلا صوت يذكر، ولكنني حاولت عرض خطورة تأثير ما يطرحه وليس ما يقوله، لأن ما قاله ليس بجديد، وما قاله طُرِح ألف مرة قبل ذلك، ولكن الصوت لم يكن عاليًا بهذه الطريقة، ولم يكن مسموعًا بهذا الشكل، ولم يكن مؤثرًا بذلك السحر!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل