المحتوى الرئيسى

تعرف على حكم الحلف بـ «النبي»

01/10 13:06

قالت دار الإفتاء، إن الإسلام جاء وأهل الجاهلية يحلفون بآلهتهم على جهة العبادة والتعظيم لها مضاهاة لله تعالى عما يشركون كما قال عز وجل واصفًا لحالهم:« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» [البقرة: 165]، فنهى النبي -صلى الله عليه وآلـه وسلم- عن ذلك حماية لجنـاب التوحيد فقـال: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ:وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» رواه الترمذي وحسنه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وصححه ابن حبان والحاكم، أي: قال قولًا شابه به المشركين لا أنه خرج بذلك من الملة -والعياذ بالله- فإن العلماء متفقون على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به كتعظيم الله تعالى، وكُفْرُه حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه.

وأوضحت الإفتاء فى فتوى لها، أن النبي نهى عن التشبه بأهل الجاهلية في حلفهم بآبائهم افتخارًا بهم وتقديسًا لهم وتقديمًا لأنسابهم على أخوة الإسلام جاعلين ولاءهم وعداءهم على ذلك، فقال النبي: «أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» متفق عليه من حديث ابن عمر.

وبينت أن علة هذا النهي قد بَيَّنها رسول الله بقوله في الحديث الآخر: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّـاسُ كُلُّهُـمْ بَنُـو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ» رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكما قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: 200]، قال المفسرون: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يُطْعِم ويحمل الحَمَالات، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم.

وكشفت الإفتاء أن الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه، وإنما مَنَعَه مَنْ مَنَعَه مِنَ العلماء أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله، وأجازه من أجازه كالإمام أحمد في إجازته الحلف بالنبي وتعليله ذلك بأنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى، بل تعظيمه بتعظيم الله له، وظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله تعالى غير مراد قطعًا لإجماعهم على جواز الحلف بصفات الله تعالى، فهو عموم أريد به الخصوص.

وتابعت: قال ابن المنذر: "اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله، فقالت طائفة: هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيمًا لغير الله تعالى كاللات والعزى والآباء، فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها، وأمّا ما كان يؤول إلى تعظيم الله كقوله: وحق النبي والإسلام والحج والعمرة والهدي والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه فليس داخلًا في النهي، وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه، واحتجوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق والهدي والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدل على أن ذلك عندهم ليس على عمومه؛ إذ لو كان عامًّا لنَهَوْا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئًا».

وأكدت أن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه حيث ورد في كلام رسول الله وكلام الصحابة الكرام، فمن ذلك: - ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟

فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ ...» إلخ.

وروى في صحيحه أيضًا عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في حديث الرجل النجدي الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسلام.. وفي آخره: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»، أو «دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».

وروى ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَبِّئْنِي بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ؛ أُمُّكَ ...» إلخ، وروى الشيخان أن امرأة أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت له: "لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ" تعني طعام أضيافه.

وتابعت: «قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "ليس هذا حلفًا، وإنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته بالله تعالى، فهذا هو الجواب المرضي»، « وقال الإمام البيضاوي: "هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم، كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى النداء» من فتح الباري لابن حجر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل