المحتوى الرئيسى

عام بدون قضايا فكرية

01/08 01:52

هل كان العام الماضي صامتاً في المغرب أي بدون قضايا، هل كانت وفاة الجابري وأركون سبباً لذلك. لم نثر المسألة اللغوية كما طرحها العروي نقاشاً. النقاش انصبَّ على مسألة الحريات والخشية من فرض نظام أخلاقي متحجر نظراً لتولي حزب ديني الحكم في البلاد

قد يكون من المجازفة فعلاً أن نصف العام المنصرم في المغرب بكونه عاماً بدون قضايا فكرية، لكن هذا الحكم يكاد يكون إلى حد بعيد هو الحقيقة، فقد مرت السنة صامتة فكرياً إذا جاز هذا التعبير. المداد الذي جرى في الصحافة الوطنية والكلام الكثير الذي نشر وأذيع في وسائل الإعلام وفي مختلف وسائط التواصل الجديدة كان منصبّاً بالأساس على قضايا ذات طابع سياسي واجتماعي. ما يتابعه الناس مثلاً هو قفشات رئيس الحكومة، وزلات رجال ونساء السياسة وأخبار المجتمع والطقس والأسعار، هذا إضافة بالطبع إلى كل القضايا ذات الطابع الفضائحي.

بعد رحيل محمد عابد الجابري لم يعد هناك من ظهور لتلك الأبحاث الفكرية التي تضرب شرقاً وغرباً، وتخلف نقاشاً محتدماً حولها. كانت أعمال الجابري إثر صدورها تحرك قلم جورج طرابيشي وطيب تزيني في دمشق، ومحمد عمارة في القاهرة، وعلي حرب في بيروت، وأدونيس في باريس، وفتحي التريكي في تونس، وطه عبد الرحمان في الجوار القريب، وغيرهم من أهل الفكر والإعلام في مختلف المراكز الثقافية العربية. لكن شيئاً من هذا القبيل لم يعد يحدث.

إن فوز المفكر المغربي نور الدين أفاية مؤخراً بجائزة «أهم كتاب عربي» لسنة 2015 من مؤسسة الفكر العربي في بيروت عن كتابه «في النقد الفلسفي المعاصر» يجعلنا أمام أسئلة مقلقة من قبيل: هل المغرب الآن بلد نقد كما كان يُعرف عنه؟ ألا تزال الفلسفة فيه مجالاً خصباً للبحث؟ ما أثر الفكر والفلسفة في الحياة العامة في المغرب؟ وماذا عن الفكر المغربي أو المغاربي بعد رحيل أبرز قطبين فيه محمد عابد الجابري ومحمد أركون؟

إن رحيل فاطمة المرنيسي نهاية العام المنصرم سيخلف بالضرورة فراغاً مهولاً في النقد السوسيولوجي، فما ذهبت إليه في أبحاثها ودراساتها بثلاث لغات، وعلى مدار عقود، شكّل المسافة الأبعد التي وصل إليها النقاش السوسيولوجي في المغرب.

وإذا كانت السنة الماضية هادئة فكرياً، فهذا لا يعني بالضرورة أن الحال كانت هكذا في السنوات الأخيرة، ففي عام 2014 مثلاً فتح المفكر المغربي عبد الله العروي نقاشاً كبيراً وهاماً حول الصراع اللغوي في المغرب، منتصراً للغة العربية التي وقعت بين فكي الفرنكوفونية وتيار اللغة الدارجة «المحكية». إن تدخل العروي أوقف جهود بعض الجهات التي رفعت ملفاً إلى القصر الملكي تطالب فيه بأن تكون الدارجة هي لغة التعليم في المدراس والمعاهد المغربية.

وإذا كانت المسألة اللغوية هي القضية الفكرية والثقافية الأولى في المغرب خلال السنة ما قبل الماضية، فإن القضية الأبرز التي شغلت الناس خلال العام الماضي قد تكون هي قضية الحريات الفردية. إن العنف الذي تعرضت له فتاتان خرجتا بملابس خفيفة في مدينة أغادير وشابة أخرى بمدينة آسفي ومثلي خرج بملابس نسائية في مدينة مكناس جعل من الحريات الفردية الموضوع الأكثر تداولاً ونقاشاً في مختلف وسائل الإعلام في المغرب. المثقفون الحداثيون ورموز المجتمع المدني وجدوا هذه الأحداث التي وقعت متفرقة بشكل متزامن فرصة لفتح نقاش موسع حول قيم الحداثة والمعاصرة، وفرصة أيضاً لمساءلة خطاب الاختلاف في المغرب.

خرجت أسماء عديدة في حقل الثقافة والفن في تظاهرات تندد بتراجع مساحة الحريات الفردية في المغرب وهجمة الفكر الأصولي، ووقّعت بيانات تدق ناقوس الخطر وتسائل الحكومة التي يقودها حزب إسلامي عما وصفته بـ «انحطاط في النقاش العام، واستغلالٍ للشعور الديني والهوياتي في تجاه فرض نظام أخلاقي متحجر ومتعارض مع الحريات العامة، في أجواء خطيرة ومقلقة مسنودة بالحكومة التي تتصرف كناطق باسم فئة من المجتمع ضد فئات أخرى، متذرعة بتأويلات مغلوطة للديموقراطية، باسم الأغلبية، والإرادة الشعبية».

ومن الطبيعي أن يكون هذا النوع من النقاش حاضراً على الدوام في المغرب، إذ يتميز البلد عموماً بالتعدد الفكري، فالملك مثلاً يمثل رمزاً صريحاً للحداثة، وفي الآن ذاته يُعتبر الرمز الديني الأول، إذ يحمل لقب «أمير المؤمنين» ويترأس الدروس الدينية الكبرى. الحركات العلمانية والتحررية في عمل دؤوب ومستمر، في المقابل الحركات الإسلامية نشطة في المغرب، وتكاد تكون جماعة العدل والإحسان أهم تنظيم ديني في العالم العربي، إذ تملك الجماعة قاعدة موسعة ومنهجاً حركياً قوياً ومؤثراً. الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة لا يجد حرجاً في التحالف مع الأحزاب اليسارية. هذا النوع من التعدد والتنوع الثقافي قد يكون أحياناً عنصراً إيجيابياً ومفيداً، وقد يجلب المتاعب في أحيان أخرى.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل