المحتوى الرئيسى

جمهورية.. المباني المخالفة

01/07 14:23

«في انتظار وقوع المصيبة» شعار رفعته الحكومات المتعاقبة علي اختلاف عصورها، لتبدأ التحرك الفعلي نحو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الأزمة، وما تلبث أن تهدأ الاوضاع لتعود «ريمة لعادتها القديمة»، ونبدأ مراحل جديدة من الكوراث والإهمال.

فجميع أجهزة الدولة علي مختلف مستوياتها تعلم جيداً بمشكلة البناء العشوائي، ولكن دائماً تلتزم إما الصمت أو إغلاق عيونها عن كافة التجاوزات، ليدور في أذهاننا العديد من التساؤلات، لمصلحة من الصمت عن كافة أوجه الفساد التي تشوب عملية البناء في مصر؟، ولماذا لا يتم محاسبة المتجاوزين؟، ومن المسئول الرئيسي عن الأزمة؟، ومن المتسبب في هذه المشكلة وكيفية التغلب عليها؟، كلها اسئلة مطروحة.

فعملية البناء المخالف في محافظات مصر المختلفة ليست وليدة سنوات الثورة فقط، لكنها موجودة منذ سنوات كثيرة، وإن كانت قد ظهرت بصورة لافتة، وزادت كثيراً في ظل حالة الانفلات الأمني علي مستوي جميع أحياء ومراكز محافظات مصر.

حسب الإحصائيات التي أعدتها الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، فإن نسبة مخالفات المباني في مصر بلغت حوالي 90% من إجمالي العقارات الموجودة، والتي قدرتها إحصائيات وزارة الإسكان بـ4٫9 مليون مبني.

ووصل إجمالي العقارات المقامة بدون تراخيص 317 ألفا و948 عقارا. وصدر لها 356 ألفا و507 قرارات إزالة من المحافظين، ولم يتم تنفيذ أي منها، كما كشفت النيابة الإدراية في تقريرها السنوي بشأن قضايا الفساد، ارتفاع عدد القضايا المتعلقة بمخالفات البناء إلي 4695 قضية، كما بلغ عدد قضايا التعديات علي الاراضي الزراعية 2685 حالة تعد.

كما أكدت دراسة بجامعة القاهرة أن 90% من عقارات مصر مخالفة، ويبلغ عدد العقارات الآيلة للسقوط مليون عقار في محافظات الجمهورية، صدر بشأنها 132 ألف قرار إزالة لم ينفذ منها شيء.

ومن بين العقارات شديدة الخطورة، حي وسط القاهرة الذي يضم مناطق (الحسين والجمالية والدرب الأحمر والحمزاوي والأزهر والباطنية وباب الخلق)، وتضم هذه المناطق 38 ألف عقار، منها عقارات أثرية يقع أسفلها 55 ألف محل، وصنف منها 433 عقاراً تحت بند الخطورة الشديدة.

وفي تقرير لمحافظة القاهرة، احتلت أحياء وسط القاهرة النصيب الأكبر من قرارات الإزالة بعدد 2700 عقار، فيما بلغ جمالي القرارات بالمحافظة 8800 عقار تليها المنطقة الجنوبية 2500 عقار.

كما كشفت الإحصائيات الصادرة عن وزارة التنمية المحلية أن إجمالي عدد قرارات الهدم الصادرة لمبانٍ علي مستوي الجمهورية بلغ 111 ألفاً و875، تم تنفيذ 69 ألفا.

وفي السياق ذاته، حدد تقرير صندوق تطوير العشوائيات أكثر من 17 مليون منطقة عشوائية علي مستوي جمهورية مصر، القاهرة بمفردها يوجد بها 189 مدينة بها عشوائيات تم حصر 304 مناطق غير آمنة، منها 31 منطقة خطيرة يجب هدمها، 186 منطقة خطرة بدرجة أقل، و54 منطقة خطيرة بدرجة ثالثة.

المخالفات التي تجتاح محافظات القاهرة الكبري لم تفرق بين حي راقٍ وآخر فقير أو عشوائي، فمحافظة القاهرة بكافة أحيائها تحتل المرتبة الأولي في عدد مخالفات البناء، حيث رصدت محافظة القاهرة حوالي 60 مخالفة بحي الموسكي، وفي الوايلي بلغ عدد المخالفات 32 بناء تتمثل في تعلية الطوابق بزيادة عن التراخيص الممنوحة، أما حي المرج 3 آلاف مخالفة سواء بالتعدي علي الاراضي الزراعية أو بالتعلية، الزاوية الحمراء 5 آلاف مخالفة و250 حالة تعد علي خطوط التنظيم، حي البساتين 100 قرار إزالة، حي السلام ألف مخالفة، حي الساحل 3 آلاف مخالفة بين بناء بدون تراخيص وحالة تعد علي أراضي الدولة، حدائق القبة 1350 مخالفة.

بينما تحتل الجيزة المرتبة الثانية في مخالفات البناء، حيث وصل عدد العقارات المخالفة 60 ألف عقار، وبلع عدد قرارات الإزالة بالمحافظة 588 و52 ألف قرار، تم تنفيذ حوالي 2859 قراراً بنسبة 5.4، ولم يتم تنفيذ 49.729 قرار.

أهم الاحياء المخالفة بالجيزة، بولاق الدكرور 6051، حي شمال الجيزة 4673، حي العمرانية 3891، حي الوراق 3709، حي العجوزة 1119، حي الهرم 818، حي الدقي 335، بينما وصلت حالات التعدي علي الأراضي الزراعية بالمحافظة، مركز أوسيم 7158، كرداسة 5138، منشأة القناطر 4461، مدينة الصف 4248، مدينة الحوامدية 1438، مركز أطفيح 1515، البدرشين 898، أبو النمرس 867.

أما محافظة القليوبية فتضم 9712 عقاراً بدون ترخيص، صدر لها 1098 قرار إزالة، بينما وصل عدد العقارات المخالفة للترخيص 409 عقارات، وذلك طبقاً لجهاز التفتيش الفني علي أعمال البناء.

كشف المقاول محمد عبدالرحيم الساكن بمنطقة بولاق الدكرور، أسلوب العمل في بناء العمارات بدون تراخيص وطرق التحايل علي القانون، حيث قال: «إنه يتم الاتفاق مع صاحب الارض علي البناء دون تحمل التكاليف ودون الانتظار حتي الحصول علي تراخيص، مقابل أن يحصل علي نصف الوحدات السكانية التي سيتم بناؤها»، مؤكداً أنه بعد أعمال بناء جميع الوحدات وتأخيرها يقوم المقاول ببيع نصيبه لأحد المستأجرين.

وشرح «عبدالرحيم» الطرق التي يتم التحايل بها علي القانون قائلاً «إنه يتم الاتفاق مع مهندس الحي، الذي يقوم بتسجيل اسم وهمي في سجلات المخالفات التي يتم تحريرها للمبني المخالف، ويتم إشغال الوحدة الموجودة بالطابق الأخير فور الانتهاء من البناء لمنع إزالة المبني».

الآلاف من المباني المخالفة تقع بجوار الاقسام الشرطية وبالقرب من الأحياء والإدارات المحلية، ولكن لا تفعل شيئاً حيال هذه التجاوزات، إلا بعد ما يقوم أحد الموظفين بالتقدم بمحضر أو شكوي للحي ويكون مصيرها الحفظ في درج المكتب، حتي يمل صاحب الشكوي وينصرف محبطاً من عدم اتخاذ اي إجراء حيال هذه التجاوزات، أما بالنسبة للمحضر الذي يقدم لقسم الشرطة التابع للحي، بعد إلحاح شديد وتردد المواطنين علي القسم أكثر من مرة، يبدأ قسم الشرطة، بإجراء «دراسة أمنية» علي المبني المخالف، وتكون نتيجتها بأن قرار الإزالة سيؤدي إلي احتجاج وتشريد السكان لذلك لا يتم تنفيذ القرار.

وعن المبلغ الذي يتقاضاه المهندسون علي شكل «إكراميات» مقابل تقديمهم خدمات غير مشروعة، يقول «عبدالرحيم» إن المهندس يحصل علي 15 ألف جنيه للطابق الارضي و5 آلاف جنيه لكل طابق آخر، مشيراً إلي أنه في حالة انهيار العقار لا تقع المسؤلية علي صاحب العقار أو المقاول لعدم وجود أوراق تثبت مسئوليته.

وبالنسبة للوقت، يختلق الوقت الذي ينتهي فيه بناء المبني المخالف، فالأبراج والعقارات ذات الطوابق العالية التي تصل لأكثر من 12 طابقا قد تحتاج لأكثر من شهور.

أما بالنسبة للمبني ذات 4 أو 5 طوابق، يقول مصطفي عبدالغني مقاول إن الوقت الذي يشترطه المهندس لإنهاء بناء العقار هو4 أسابيع، تحسباً لاي أعمال تفتيش للمبني أو صدور أي قرارات إزالة قبل انتهاء البناء أو إيقاف العمل، حيث يتم سريعاً اشغال الطابق الأخير بأقارب أو جيران المالك، مؤكداً أن صب الخرسانة المسلحة لايستغرق سوي ثلاثة أيام فقط للطابق الواحد ثم يتم الشروع في البناء.

ويؤكد المهندس أحمد محمود عضو نقابة المهندسين: «أن المباني المطابقة للمواصفات القياسية، صب خرسانتها يحتاج إلي حوالي 10 أيام لتصل إلي 70% من صلابتها، وهذا يعني أن الطابق الواحد يجب الا يبني في فترة تقل عن 14 يوما، والا سيكون معرضا في اي لحظة للانهيار».

والسؤال المطروح، لماذا لا يتأكد المواطنون من الوضع القانوني للمباني قبل السكن فيها، إنها «الحاجة» كلمة تلخص معاناة معظم الشباب المقبلين علي الزواج ويريدون شققا خالية للسكن فيها، وتشرح حالة العديد من الاسر غير المالكة والتي تضطر إلي السكن في هذه المباني لعدم وجود مكان آخر للإيواء فيه.

وأهم ما يميز معظم هذه العقارات المخالفة أن إيجارها رخيص يتراوح ما بين 400 و600 جنيه مع دفع 2000 جنيه مقدم، ويقول فوزي إسماعيل سكان أحد العقارات بمنطقة شبرا الخيمة: «إن سعر الوحدات الزهيد دفعهم للسكنة فيها، لعدم وجود مكان آخر للإيواء فيه، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الوحدات السكنية الجديدة التي يصل إيجارها إلي 1000 جنيه.

قال د. حمدي عرفة خبير الإدارة المحلية إن قانون البناء الموحد به ثغرات عديدة، تؤدي الي وجود فساد من جميع الاطراف سواء من الأغلبية العظمي من العاملين في الادارات الهندسية بالوحدات المحلية المختلفة، هذا من جانب أو من بعض المواطنين الذين يعجزون عن الحصول علي تراخيص البناء المختلفة، نظراً لصعوبة الاجراءات، من جانب آخر وأن الحل يكمن في تعديل قانون البناء الموحد.

 وأضاف: لابد من تشريع قانون جديد يسمح بحبس كل من المقاول أو المهندس الذي ينفذ أي انشاءات مخالفة، علاوة علي حبس صاحب العمارة ذاتها مع العلم أن الغالبية العظمي من العاملين في الإدارات الهندسية هم من المؤهلات المتوسطة.

وتابع: لابد ان يقوم كل محافظ بتحويل أي من الفاسدين في الادارات الهندسية للتحقيق وأن يوقع عليه جزاء ًإدارياً لكي يكون عبرة للجميع وأن لا يكتفي المحافظ بذلك، بل يجب أن يتم نقل الفرد من الادارة الهندسية الي ادارة أخري في منطقة محلية أخري واذا تطلب الامر فصله فيجب أن يتم فصله.

وتابع: أقترح علي مجلس الوزراء أن يصدر تعليماته الي جميع المحافظين بأن يتم حصر تام لاعداد المباني المخالفة في شتي أنحاء المحافظات  لكي يتم بحث المقصرين من المهندسين الذين قاموا باصدار تراخيص في ظل عدم استكمال المواطنين للاجراءات القانونية، علاوة علي معاقبة كل فرد منهم لم يقم بتحرير محاضر إزالة ومن ثم أن يتم تحويلهم الي النيابة الادارية ونقلهم خارج الادارات الهندسية الي ادارات أخري.

وأكد خبير الادارة المحلية: أن 90% من العاملين في الادارات الهندسية هم من المؤهلات المتوسطة خريجي دبلومات الصناعة والتجارة ولابد أن يصدر قرار من وزير التنمية المحلية بأن يتم اقصاء ونقل جميع المؤهلات المتوسطة في الادارات الهندسية الي ادارات أخري واستبدالهم بالمهندسين.

 أوضح «عرفة» أن الجهات المسئولة عن مراقبة المباني المخالفة، الادارات الهندسية في 27 محافظة و186 مركزاً و92 حياً و1411 وحدة محلية و214 مدينة، علاوة علي الموظفين في الجهاز المركزي للمحاسبات الذي له فروع في 27 محافظة والموظفين في الجهاز المركزي للتنظيم والادارة، والذين يراقبون ويراجعون الصفة والتوصيف الوظيفي للعاملين في تلك الادارات، ومفتشي وزارة المالية التابعين للمديريات وزارة المالية في 27 محافظة والادارة العامة للتفتيش التابعة لوزارة التنمية المحلية، وادارة التفتيش المركزية الموجودة داخل ديوان عام كل محافظة والادارات التابعة لها في المراكز والمدن والاحياء وموظفي هيئة الرقابة الادارية لسرعة كشف الفاسدين الذين يتواطأون مع المواطنين في عدم وجود قرارات ازالة ويسمحون لهم بالبناء المخالف.

وأكد «عرفة» أن الدولة تخسر قرابة 118 مليار جنيه سنوياً حصيلة انهيار العقارات المخالفة، علاوة علي 3 تريليوات و500 مليار جنيه سنوياً كنتيجة للتهرب من رسوم التراخيص ودفع تكاليف التأمين.   

قال د. داكر أبواللاه عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء: «إن أهم الحلول التي يجب استخدامها هو منع إدخال المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي وغاز طبيعي للمباني المخالفة، حتي لا يستطيع أصحاب تلك العقارات إيجارها أو بيعها».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل