المحتوى الرئيسى

الخليج على صفيح ساخن

01/07 09:59

يبدو أن دول الخليج العربية وخصوصاً السعودية، تعيش هذه الأيام على صفيح ساخن بسبب الفروقات المذهبية التي يتم استغلالها سياسياً في صراع إقليمي، كان اعدام الشيخ نمر باقر النمر أحد فصوله الحامية.

فقد كشف قيام السعودية بإعدام رجل الدين السعودي الناشط السياسي، عن صدوع سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية خطيرة تهدد المملكة ومنطقة الخليج.

وكانت أنباء إعدامه أثارت بعض القلاقل بين ابناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية، وفي البحرين المجاورة وكذلك في جنوب العراق.

وقد دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، فعلياً، إلى الإطاحة بالحكم الملكي في السعودية، الأمر الذي أثار رداً شديد الغضب من الحكومة السعودية التي اتهمت الجمهورية الايرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة.

واقتحم محتجون ايرانيون السفارة السعودية في طهران وردت السعودية بقطع العلاقات الديبلوماسية وتشجيع حلفائها على الاقتداء بها.

وقال المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، يوم الاثنين: "نحن لم نولد أعداء بالفطرة لإيران".

لكن استعادة العلاقات الديبلوماسية لن تكون ممكنة إلا من خلال "أن تتوقف إيران وتكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى بما في ذلك شؤون بلدنا".

وفي كثير من الأحيان يتم تبسيط التنافس بين القوتين الكبريين في الخليج في صورة منافسة بين مملكة سنية محافظة وجمهورية شيعية ثورية. أما الواقع فأكثر تعقيداً وأكثر مدعاة للقلق.

فالمنطقة الشرقية في السعودية تقع عند نقطة تقاطع خطيرة للتنافس على النفوذ بين إيران والسعودية والصراع الطائفي بين السنة والشيعة ومظالم اجتماعية واقتصادية وكذلك أكبر احتياطيات للنفط في العالم.

أعد الباحثون في جامعة كولومبيا مجموعة متميزة من الخرائط التي توضح الانقسامات الثقافية والدينية والقبلية واللغوية في مختلف أنحاء منطقة الخليج. وتبين هذه الخرائط امتداد مناطق الغالبية الشيعية في قوس يمتد من إيران عبر جنوب العراق جنوباً على امتداد الساحل الشرقي للسعودية، وصولاً إلى البحرين مع امتداد آخر في جبال شمال اليمن.

ومن الواضح أن كثيراً من هذه الطوائف لها مظالم محلية مستفحلة كما أن جانباً كبيراً من الاضطرابات له جذور محلية وليس ببساطة نتاج تحريض من جانب ايران.

وعانت كل الطوائف الشيعية في العراق والبحرين والسعودية من التمييز والتهميش على أيدي حكومات ومجتمعات يهيمن عليها السنة خلال القرن الأخير.

وما يزيد من هذا المزيج الباعث على زعزعة الاستقرار أن المناطق التي تعتبر موطن كثير من الطوائف الشيعية، هي نفسها المناطق التي توجد فيها أغلب الحقول والاحتياطيات الباقية من النفط والغاز في المنطقة.

فجنوب العراق يحتوي من النفط والغاز على ما يزيد كثيراً على الموجود في المناطق ذات الغالبية السنية في وسط البلاد.

وفي السعودية تقع في المنطقة الشرقية كل احتياطيات البلاد تقريباً من النفط والغاز.

ومازالت الأوضاع في المنطقة الشرقية غامضة نسبياً لأن الحكومة السعودية تقيد السفر إليها والتغطية الصحافية منها، الأمر الذي يثبط بقوة الهمم لإجراء نقاش على المستوى الدولي عن المخاطر السياسية التي تؤثر على المملكة.

وامكانية حدوث اضطرابات خطيرة واحدة من هذه المخاطر ذات الاحتمالات المحدودة والعواقب الكبيرة التي يصعب تقديرها على النحو السليم لكن لا يجب تجاهلها.

ومازال خطر الاضطرابات احتمالا ضعيفا أكثر منه احتمالا متوسطا.

فالأرجح أن المنطقة الشرقية ستبقى هادئة واحتمال أن تشهد اضطرابات اجتماعية أقل بكثير. ولن يكسب أحد مالاً من المراهنة على عدم استقرار الوضع السياسي في السعودية أو على حدوث اضطرابات في حقول النفط، لأن الاحتمال ضعيف في أي عام من الأعوام.

وقد يكون احتمال الاضطرابات منخفضاً يبلغ خمسة في المئة أو حتى واحداً في المئة، لكن هذا ليس بالأمر نفسه مثل الصفر. وكان من الممكن قول الشيء نفسه عن احتمال الاضطرابات في مصر أو تونس قبل عام 2011.

والمخاطر حقيقية بما يكفي لكي تراها الحكومة السعودية خطراً جسيماً ومازال للحكومة وجود أمني مكثف في المنطقة. وتسهم هذه المخاطر في تفسير سبب شدة المواجهة بين الرياض وطهران وخصوصيتها.

في معظم مناطق الشرق الأوسط لا تتفق الحدود الوطنية مع الانقسامات الدينية والثقافية واللغوية والقبلية ولا تستثنى السعودية من ذلك.

فقد فتح الملك عبد العزيز حاكم نجد الأحساء في العام 1913 وانتزعها من الامبراطورية العثمانية المفككة، وأضاف الحجاز بين العامين 1924-1925 ووحد البلاد في ما عرف بين نجد والحجاز، في نهاية الأمر عام 1932. لكن مازالت هناك اختلافات ثقافية ودينية كبيرة بين المناطق، بل وفي داخلها.

ويأتي جانب كبير من النخبة السياسية والدينية الحاكمة من نجد التي ترتبط أيضا بالمذهب الوهابي الأصولي.

أما الحجاز فكانت موطن التفاسير الأكثر ليبرالية للإسلام، في حين أن أغلب سكان الأحساء اتبعوا المذهب الشيعي.

وفي إطار المساعي الرامية إلى بناء الدولة فرضت آراء دينية محافظة من إقليم نجد على المناطق الأخرى من البلاد.

وتقول لجنة الحرية الدينية الدولية التي عينتها الحكومة الأميركية إن دولة السعودية الحديثة "تمنح تفسيرها للمذهب السني امتيازاً على غيره من التفاسير"، كما أنها "تقيد أغلب أشكال التعبير الديني العلنية التي لا تتفق مع تفسيرها الخاص للإسلام السني".

وكان من نتائج ذلك تاريخ طويل من التوتر بين السنة خاصة من يتبعون المذهب الوهابي والمذاهب الشيعية في اقليم الأحساء الذي أصبح يسمى المنطقة الشرقية.

وكتبت لجنة الحرية الدينية الدولية في أحدث تقرير سنوي لها تقول: "تواصل السلطات قمع رجال الدين المخالفين وأعضاء الطائفة الشيعية والتمييز ضدهم".

وخلص تقرير اللجنة لعام 2015 إلى أن "الطائفة الشيعية تواجه أيضاً تمييزاً في التعليم والتوظيف والجيش والتمثيل السياسي والقضاء". لكن الحكومة السعودية تنفي أنها تمارس أي تمييز.

وقد أشارت تقارير أخيرة إلى تقدم صوب إنهاء التمييز الرسمي، لكن ما يزال من غير الواضح مدى التمييز غير الرسمي لأن الحكومة السعودية لا تشجع الأبحاث في هذا الصدد.

وفي العام 2012 توصلت اللجنة إلى أنه "لا يوجد وزراء من الشيعة في الحكومة وأن خمسة فقط من بين أعضاء مجلس الشوري البالغ عددهم 150 من المسلمين الشيعة، وأنه لا يوجد سوى قلة قليلة جداً من القيادات الشيعية في المراكز الحكومية العالية خاصة في الوكالات الأمنية".

وخلص تقرير اللجنة لعام 2012 إلى أن "المسلمين من الطائفتين الشيعية والاسماعيلية يواجهون المضايقات والاعتقال والاحتجاز في المناطق التي يهيمن عليها السنة من البلاد خارج المنطقة الشرقية".

وقد أسفرت التوترات المذهبية بين السنة والشيعة من آن لآخر عن اضطرابات في المنطقة الشرقية، ومن ذلك اضرابان عماليان رئيسيان استهدفا شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو) في 1953 و1956 وانتفاضة واسعة النطاق في 1979-1980 وتظاهرات في 2011.

ويقول المؤرخ توبي جونز من جامعة "روتجرز"، في كتابه "المملكة الصحراوية: كيف شكل النفط والمياه السعودية الحديثة - 2010"، إن اضرابي 1953 و1956 "أشعلت شرارتهما مظالم بسبب ضعف الأجور وسوء ظروف العمل والمعيشة والعنصرية".

وكتب الرئيس التنفيذي السابق للشركة فرانك جنجرز، في مذكراته "وتمضي القافلة: كيف كبرت أرامكو والسعودية معاً - 2013"، انه "من البداية كانت أرامكو تدرك تمام الإدراك مشاكل التوافق بين المسلمين السنة والشيعة".

وقال جنجرز مفسّراً الأمر: "بالتأكيد كان الشيعة هم الأقلية على المستوى الوطني لكنهم يمثلون الغالبية في المنطقة الشرقية وكانوا يميلون للعيش في مناطق منفصلة. وحرصت الشركة كمسألة سياسة على عدم السماح لهذا الاختلاف الديني بأن يصبح عاملاً في تدريب أي موظف أو تقييمه".

وبذلت "أرامكو" جهداً كبيراً لإضفاء الطابع المهني على العاملين لديها، لكن مجرد ذكر جنجرز للاختلافات الدينية بهذا الوضوح يؤكد إمكانية حدوث التوتر.

وفي العام 1979 ثارت احتجاجات في القطيف وعدد من المناطق الشرقية الأخرى وكذلك في البحرين المجاورة وتحولت إلى العنف في أعقاب مواجهات مع قوات الأمن.

وجاءت الاضطرابات بعد بضعة أشهر فحسب من الإطاحة بشاه إيران ووصول روح الله الخميني إلى السلطة في ايران من خلال الثورة الاسلامية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل