المحتوى الرئيسى

كيف فقدت مثلثات المارلبورو الحمراء جاذبيتها؟

01/06 11:57

زنة سخيفة تسيطر على أذني، أصبح النوم معها مستحيلًا، هي تفرض سطوتها عند النوم فقط عندما يغرق عالمي في الصمت.

ذهبت إلى الطبيب، أخبرني أنه أمر لا علاج له.

تشريحيًّا هناك عصب ما قد فسد في منظومة أعصاب الأذن، هذا العصب لا يحمل الآن إلى المخ أية إشارات، المخ يسمع لا شيء فيقوم بترجمة الـ (لا شيء) إلى زنة.

 قال لى الطبيب : عليك أن تجد خطة للتعامل مع الضيف الجديد الذي سيلازمك إلى الأبد.

 الخطة بسيطة، قليل من مضادات الاكتئاب تجعلك أكثر استيعابًا للأمر وتساعدك على تقبله، وما أن تصبح الزنة موجودة لكنك لا تهتم ستكون في حل من استخدام هذه الأدوية، فقط عليك أن تتقبل عيبها الوحيد وهو الأرق.

قلت له: إن الأرق يجعل المأساة تتفاقم.

 قال: لذلك سأكتب لك منومًا وعليك في الفترة القادمة أن تستقبل النوم كل يوم في صحبة الموسيقى، لا بد أن يطغى صوت ما على الزنة حتى تنعس تمامًا، أرشح لك موسيقى (بودا بار).

فى سن التاسعة و العشرين هجر (بودا ) زوجته و أولاده ليصبح ناسكا، لا أصدق بودا و أعتقد أنه هجر بيته من أجل حب جديد انتهى بفشل قاده إلى أن يصبح ناسكا زاهدا بعد أن خسر كل شىء، 

أسوء ما فى الحب، أنه لا يأتى أبدا فى الوقت المناسب.

وأن وجعه الحقيقى لا يكمن فى الفراق و لكن فى الذكريات.

وأنه يجعلك تكتشف أنك غيرت أشياء كانت مهمة فى شخصيتك و تخليت عن أشخاص كانوا مقربين و غيرت خطة حياتك الأصلية من أجل شخص لم يعد موجودا.

وأنه يجعلك تفترض أن هذه العلاقة (اتجاه واحد) فلا تحسب حسابا لنهايتها لأي سبب فتقف فجأة مذهولا بعد أن كنت تستقل سيارة شخص قرر فجأة أن يتخلص منك في مكان مقطوع ليستكمل الطريق بمفرده ( نصيحة في قصص الحب "لا تستقل مع أحد سيارته")، أما إذا كنت صاحب السيارة فسيجعلك الحب تكتشف قيمة من تحبه متأخرا أو كما قال رامى صبرى "وابتديت اعرف غلاوته لما راح".

الشىء الوحيد الذى إذا (راح) لن أندم على غلاوته هى تلك ( الزنة ) التى تمسك بأذنى  و أدويتها .

ليس الأرق وحده هو الأثر الجانبى المرهق فى تلك الأدوية، ولكن الرغبة فى دخول الحمام أيضا .

تقول نشرة الدواء أن العرض هو ( الرغبة) فقط، يهىء لمتناول الدواء أنه بحاجة لدخول الحمام دون أن تتم ترجمة الرغبة إلى فعل.

فى عصور قديمة كان هناك رجل يشكو من أن بوابة البيت الخلفية صارت مرحاضا عموميا ،كل من تداهمة نوبة التخلص من الفضلات يلجىء إلى هذا المكان ، عندما استبد بالرجل الملل أشاع أن بوابة البيت الخلفى تفتح على مقام شيخ كبير مدفون فى حوش البيت، سألوه عن اسمه فقال (سيدى الأربعين )، الحيلة التى نجحت اكتشفها البعض فصار فى كل مكان فى القاهرة مقام لسيدى الأربعين، و عندما اكتشف العامة أن سيدى الأربعين مدفون فى أكثر من مئة مكان اعتبروها معجزة من معجزات الشيخ .

الناس غريبة ، وهناك حكاية عن ثرى عظيم أفلس تماما فلم يكن أمامه إلا التسول فاشترى ( قلتين) وكان يقف بهما يروى الناس مقابل قروش قليلة و لكن لم يفوته أنه باشا فاشترى قلتين ليمارس جبروته القديمة فكلما هم واحد أن يشرب من قلة نهره بشدة قائلا ( سيب دى .. اشرب من التانية ).

كانت فترة غريبة من عمر البلد، فعندما دخل عرابى الحرب ضد الإنجليز أهدوه الناس ثلاث مدافع واحد اسمه ( السيد البدوى ) و الثانى (سيدى ابراهيم الدسوقى) و الثالث ( سيدى عبد العال)، كانت الناس طيبة وقتها و تعاقب اللص بالتجريس ( الجلوس فى وضع معاكس فوق الحمار و المرور بالناس على هذا الوضع)، و تعاقب ( الحشاش) بخلع الضرس، بالرغم من أنهم كانوا يسمون تاجر المخدرات ( تحفجى ) كونه يبيع تحفا مزاجية.

وفى هذا الزمن فكر أحد الولاة  فى حيلة يتخلص بها من وزير ثقيل الدم دون أن يبدو الوالى ظالما فى عيون الناس، فخير الوزير بين الإعدام أو أن يحضر له – استغفر الله العظيم – شخصا ( يقرب لربنا) .

وكان الوزير ثقيل الدم بما يكفى لأن يُحضر للوالى رجلا يدعى ذلك فسأله الوالى كيف تكون تلك القرابة ؟، فقال الرجل هناك شقيقتان ربنا أخد واحدة و أنا أخدت التانية ، كان الوالى أكثر غلاسة فقال للرجل هذة تعتبر علاقة نسب و ليست قرابة ثم أعدم الأثنين .

لا شىء يجعل الرجل مستفزا ثقيل الحضور إلا ( الرغى )، و عندما خرج سيدنا يونس من بطن الحوت طال صمته فقيل له ألا تتكلم ؟، فقال : الكلام صيرنى فى بطن الحوت.  .

ليت للحوت أذنين فيعرف المأساة التى أعيشها، من المؤكد أن تلك الزنة بدأت بخطأ صغير اقترفته ولن أتذكره من فرط عاديته.

هناك أخطاء صغيرة يعتادها الواحد ولا يقلع عنها إلا بمصيبة كبيرة، هكذا تسير الحياة، وإذا كان المدخنون يعترضون على الصور القبيحة التي تزين علب الدخان الآن، فلا بد للواحد أن ينتصر للفكرة ويشكر صاحبها.

جماليات الشكل في علب الدخان هي (جر رِجْل) للمراهقين سبق لنا أن وقعنا فيها عندما أعجبنا بمثلثات المارلبورو الحمراء في المراهقة، قبل أن تفقد هذه المثلثات جاذبيتها بعد أن لطشها مصمم أغلفة علب شاي العروسة فصارت المثلثات الحمراء ضهر ورقة التسعيرة فوق عربات الخضار بعد أن كانت علامة التميز في الجيب العلوي الشفاف للقمصان النصف كم الصيفي، تلك الصور القبيحة ستقطع الباب على الأقل أمام فئة تحمل علب الدخان للمنظرة.

كنت أفكر في هذا بعد أن اهتزت جدران حمام كافيه على طريق الأسكندرية من كحة الشخص الواقف إلى جواري يعاني في سبيل التخلص من البول، بينما السيجارة تتدلى من فمه، هناك حكاية شائعة عن شخص طلب من شيخ أن يدعو له فقال له: "روح يا رب تاكل وتشخ"، اندهش الرجل من الدعاء الساذج وقال للشيخ: (خليهولك)، بعد شهور مات الرجل بعد أن انفجرت مثانته، فلتحمد الله يا صديقي على ما تراه حقوقًا مكتسبة.

قبل دخول الحمام كنت نائمًا طول الطريق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل