المحتوى الرئيسى

حسام محمد يكتب: الظاهر بيبرس: يسقط الرجال ويقومون كأوراق الخريف لكن تبقى أسماؤهم لا تموت أبداً | ساسة بوست

01/05 23:14

منذ 11 دقيقة، 6 يناير,2016

العام 1250 ، في خضم الحملة الصليبية السابعة،  ظهر شخص لم تكن تعرفه المراجع حتى ذاك اليوم، إلا أحياناَ قليلة ومتقطعة، إنه الأمير ” ركن الدين بيبرس البندقداري “، والذي كان مُعسكراَ بفرقته من المماليك الصالحية حول القصر السُلطاني بالمنصورة .

يقوم الأمير الشاب بتنظيم الدفاع عن المدينة، ويستطيع أن يهزم القوات الصليبية الغازية، وكانت هذه بداية قصة أحد أساطير العصور الوسطى، كان اسما على مسمى، فـ “بيبرس” تعني الفهد، وكان مثله سريعا قويا مثابرا صلبا.

العام 1258 وقع حوافر المغول يدب عالياً فى المنطقة، يصفع الأمير ركن الدين بيبرس وزير الناصر يوسف زعيم الأيوبيين في بلاد الشام في حضرته حين تحدث عن الخضوع للمغول، سقطت بغداد ومن بعدها حلب ودمشق، ويعجز الأيوبيون في الشام عن مواجهة المغول، ويعود بيبرس إلى مصر،

يتحالف العدوان: قطز وبيبرس، ويهزمان المغول هزيمة مدوية فى عين جالوت العام 1260 – الصالحية – على مشارف القاهرة – طريق عودة الجيش المملوكي، يقتل الأمير ركن الدين بيبرس ورفاقه الستة السلطان المظفر قطز،ويجلس على كرسى الحكم مكانه،مؤسسا لنظام حكم استمر 250 عاماً معتمداً على مبدأ: ” هي لمن غلب “.

” لقد زحف علينا في الماضي ملك فرنسا، وملك انجلترا، وملك ألمانيا، وإمبراطور الرومان، وقد مروا كسحابة بددتها الرياح، فليأتوا، فليأت الملك شارل، فليأت ومعه اليوناني والمغولي، سنغتني من كنوزهم، وفى الحرب سيكتب لنا المجد كمنتصرين “.

كلمات الأسد الضاري السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، والتى نقلها وليم الطرابلسى مندوب البابا جريجوري العاشر إلى الشرق  …

تعكس كلمات بيبرس مدى استعداده للتصدى لأعدائه من ملوك أوروبا والمغول والأرمن، كما تعكس سياسته للقضاء النهائي على بقايا الكيان الصليبي المتداعي في الشام، وأنه أعد نفسه لتنفيذ هذه السياسة.

يعتبر بيبرس من الشخصيات النادرة فى التاريخ الإسلامي، ولولا قسوته تجاه أعدائه لما ضاهاه صلاح الدين فى عظمة شخصيته، برز بيبرس على الساحة كواحد من عباقرة القادة العسكريين فى العصور الوسطى، شديد القسوة، ومتقد الذكاء، سواء في الشئون العسكرية أو السياسية شأنه شأن جنكيز خان نفسه، لقد خاض العديد من الحروب على جبهات متعددة ضد المغول، وأرمينيا، والصليبيين، والنوبة، كما كان دبلوماسيا حاذقا، يتواصل مع بيزنطة، ومع القبيلة الذهبية، وصقلية، وإسبانيا، كما قام بشق الترع، وتشييد وتحسين المؤانئ.

كما نظم خدمات البريد على نفس التنظيم الذي كان عند المغول عن طريق رجل البريد الفارس، وعن طريق الحمام الزاجل الذى كان يمكنه توصيل الرسائل عبر مملكته فى ثلاثة أيام، كما كان يملك من رجاحة العقل ما جعله يبادر إلى إضفاء الشرعية على نظام حكمه عن طريق إعادة الخلافة العباسية في القاهرة، لقد كان بلا أدنى درجة من الشك رجلا عسكريا كاملا خبيرا فى عمليات التجسس والملاحقة الحربية وركوب الخيل والمبارزة .

ووضع بيبرس إساس الإدارة فى دولة المماليك، حيث إنها اصبحت أكثر مركزية، وأكثر تنسيقاً وفاعلية من الإدارة الأيوبية، حيث كانت الدولة الأيوبية عبارة عن اتحاد إمارات مستقلة تربط بينها العلاقات الأسرية، بينما جعل بيبرس الدولة المملوكية عبارة عن دولة مركزية، ويقبع مركز الحكم فى قلعة الجبل بالقاهرة، وبينما كان نظام الحكم فى دولة بني أيوب وراثي كانت الكفاءة والقوة والغلبة  ” ما عدا حالات قليلة ” هو مبدأ الحكم في الدولة المملوكية ، كانت الجيوش الأيوبية تخضع أولا للحكام، بينما كان الجيش المملوكى هو الدولة نفسها.

قام بيبرس بإعداد آلة عسكرية مهيبة،ووصل الجيش المملوكي في عهده من الناحية العسكرية إلى درجة من الكمال والحرفية، لم تسبق لجيش فى العصور الوسطى، وتجرع المغول والصليبيون والأرمن مرارة الآلة العسكرية المملوكية في عهد بيبرس أكثر من مرة، وتهاوت القلاع والحصون والمدن الصليبية أمام ضربات بيبرس المفاجئة والقوية.

كان بيبرس عبقرية عسكرية، كما كان شخصية قيادية من المستوى الرفيع، ومن مواقفه التى تدرس كسلوك للقادة فى قيادة الجيوش ما ينقله الأنصارى فى كتابه الحرب:

” إذا ما صادف قائد الجيش ممراً ضيقا، أو مرتفعًا جبليًا أو نهرًا أو أى شيء مشابه لذلك فى طريق الجيش،فإنه يجب عليه أن يقف حتى يمر الجيش بأمان لآخر رجل ، فإذا لم يفعل ذلك فإن كل واحد سيطلب الأسبقية للمرور لنفسه عن زملائه وتحدث الفوضى، كما يمكن أن يشب الخلاف بين أفراد الجيش نتيجة ذلك ، ويمكن أن يثير الفتنة .”

ويروى عن الملك الظاهر بيبرس أنه عندما دخل أراضى الأناضول واكتسح قيسارية، وعندما كان عائداً بعد تلك الانتصارات، كان هو الذى يراقب هذه الأمور، وينتظر فى الممرات الضيقة، وعند مخاضة النهر حتى يمر جميع أفراد الجيش فرداً بفرد “.

كما قام بتاسيس نظام اقتصادي قوي بالعلاقات التجارية التي أقامها مع بعض دول أوروبا والمدن الإيطالية التجارية ، حيث أضحى ميناء الأسكندرية محتكراً لتجارة أوروبا مع الهند والشرق، كما قام بإعادة إحياء الأزهر كمؤسسة علمية، كما قام بإعادة تنظيم النظام القضائي في الدولة حيث جعل لكل مذهباً قاضياً تيسيراً على الناس .

دأب المؤرخون الغربيون والمستشرقون على وصف بيبرس بصورة سلبية وسوداوية، وننقل بعض من آرائهم فى الظاهر بيبرس:

جاء فى تقرير وليم الطرابلسى إلى الباب نصا يصف فيه بيبرس بقوله: ” إن بيبرس ليس أفضل من يوليوس قيصر فى الأمور العسكرية،لكنه كان أسوأ من نيرون فى شروره “، دأب  المستشرق والمؤرخ الفرنسي رينيه غروسيه على وصف بيبرس بهذه الألفاظ ” الحيوان المفترس – السلطان العبد – الفظ “، المستشرق الفرنسى ميشو بلار “بربرى دعم حكمه بالرذائل ، وأنه العدو الأكبر للمسيحيين “، وصف المؤرخ الفرنسي كلود كاهن أعمال بيبرس في أكثر من موضع بقوله: ” وقاحة فظة ، عجرفة لا تعرف الرحمة ، جرأة تلامس الجنون “.

لكن هذا لم يمنع كاهن من إبداء إعجابه الشديد بالظاهر بيبرس فيقول عنه: ” إنه شخصية نادرة فى التاريخ الإسلامى ترتقى إلى عالم الأسطورة “، يقول المؤرخ الإنجليزى ستيفين رونسيمان عن بيبرس: ” زال بوفاة بيبرس أكبر عدو للعالم المسيحي منذ وفاة صلاح الدين”

توفى بيبرس فى يوم 1 يوليو 1277 / 27 محرم 676فى دمشق ، عن عمر يناهز الخمسين عاما تقريبا، بكى الناس سلطانهم المحبوب، فقد أحبوه حتى نظم الشعراء والحكاؤون  سيرته بصيغة شعبية زخرفوها بالأساطير والتهاويل.

كانت إنجازات بيبرس هائلة،فقد انتزع مقعد السلطنة بطريقة غادرة من بين يدي رجل حارب معه، ثم قتله،وكانت الدولة التي انتزع حكمها منهكة وحائرة ومليئة بالخوف،ولكن الدولة التى تركها – رحمه الله – بعده كانت دولة تتيه فخرا بجيشها المهيب القوي المنظم، وبحدودها الآمنة، وبعلاقتها المنتظمة مع الدول الأجنبية، وبجهازها الإداري والقضائي عالى الكفاءة،وبقاعدة اقتصادية ترتكز على أسس ثابتة .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل