المحتوى الرئيسى

هل يمكننا تعليم طلابنا كيفية الانتباه أثناء الدرس؟

01/05 09:58

أود أن أقول في البداية إن المقال الذي أكتب عنه هنا غير موجه لكل الناس؛ فلم يكن يشبه أي نص تربوي قرأته في حياتي مع العلم بأنني قرأت عددًا لا بأس به من النصوص، فزميلتي لندا شادو هي التي عرَّفتني به، وعلى الرغم من أن المقال قد لا يحظى بقبول على المستوى العالمي فإنه يتناول مخاوف أعضاء هيئة التدريس التي تبدو في كل مكان إلى حدٍّ كبير. كيف نجذب انتباه الطلاب؟ وتعد مدة انتباه الطلاب قصيرة، وسرعان ما يتشتتون بين موضوعات ليس بينها عامل مشترك. فهلّا استطعنا أن ندرِّس لهم كيف ينتبهون؟ وهل ثمة فائدة من محاولة كهذه؟

وقد قالت آن مكاري سوليفان التي كانت تعمل مُعلمة في فلوريدا عندما نُشر المقال: “تكاد سيرتي الذاتية تكون عن الانتباه والاهتمام ــ حول طريقة تعلمه وتدريسه واكتشاف أهميته في البحث؛ إنها قصة بدأت منذ نعومة أظافري” (صـ 212).. فقد كانت والدة سوليفان تعمل اختصاصية في علم الأحياء البحرية، وكانت تصحب ابنتها في أسفارها عند جمع العينات ودراستها، ولم تحذُ سوليفان حذو أمها إذ صارت كاتبة وشاعرة .. يضم المقال تسعًا من قصائدها، أغلبها كان يصف والدتها أثناء العمل، وتكشف القصائد والمقال عما تعلمته سوليفان عن الانتباه والاهتمام، وقد استقت أغلب ما تعلمته من والدتها.

إننا ننتبه بمستويات مختلفة؛ بدءًا من التركيز على شيء بعينه، وصولًا إلى الانتباه له كليًّا والاهتمام به، وهو ما نطلق عليه التركيز الكامل الذي يصرفك عن كل شيء سوى التفاصيل التي لها علاقة بما تهتم به.. إنني أعمل حَبَّاكة ودائمًا ما أحاول أن يكون تحت يديَّ مشروع حبْك واحد معقد على الأقل، وأنا الآن عاكفة على حبك جوراب على شكل قطعة من حلوى الكوكيز، وعندما أبدأ في عملية الحبْك أمرُّ بالخيط على أربع إبر صغيرة جدًّا في المرة (اللفة)، وإنني أنجز مثل هذه المشروعات في الصباح عندما يكون مفعول قهوة الصباح الطازجة في أوجّه إذ أكون في قمة النشاط والانتباه، فأعد الغرز، وأعاين ما فعلت، وأحرك العلامات التي ترشدني واكتشف الأخطاء وأصلحها، ومن ثمَّ أكون قد انتهيت من لفة واحدة فأبدأ في غيرها، وهذا يتطلب مجهودًا ذهنيًّا عاليًا أتمنى أن يقيني مرضَ الألزهايمر، وبينما أنا منغمسة فيما أعمل أُفاجأ بزوجي ينادي بأنه حان وقت الإفطار، ويخبرني بأنني سهوت عن تناول بعضٍ من قهوتي فذهب استمتاعي به ساخنًا.

وقد كتبت سوليفان (صـ 221): “لقد علمتني أمي العالمة بالأحياء البحرية أن أفكر، وأن أنتبه، وأهتم بتعقيدات التفاصيل التي تبدو على السطح، وأن أنتبه لما أسفل هذه الأسطح”.. هذ الكلام في الوقت الذي لمتكن تعتقد فيه أنها كانت تنتبه بشدة وتكاد تكون على يقين بأن والدتها كان لديها الاعتقاد ذاته؛ فقد حاولت والدتها أن تدرِّس لها المصطلحات اللاتينية والتصنيفات العلمية، وقد صرَّحت سوليفان بقولها: “لا أكاد أذكر شيئًا مما تعلمته بهذه الطريقة المباشرة، فما أذكره بالفعل هو ما عززته التجربة التي شقت الطريق أمامي للتفكير والإدراك والشعور بوجودي من دون الاستعانة بلغة كوسيط على الأقل؛ أي بدون اللغة التي يُستعان بها في مثل هذا التعلم مباشرة” (صـ 222).

ومن بين الأسئلة الجوهرية التي يطرحها هذا الجزء من كلام سوليفان: كيف يساعد المعلم الطلاب في اكتشاف القوة المستمدة من الانتباه والاهتمام وما يستهلكه من وقت ومجهود ذهني؟ إننا غالبًا ما ندرِّس مواد لا يراها الطالب شائقة أو مناسبة، وعادة ما يحاول المعلم حل مشكلة الانتباه من خلال خداع الطلاب أو تسليتهم أو عن طريق الرشاوى أو الإجبار، ونادرًا ما يخطط المعلم لتوضيح ما يمكن أن يتعلمه الطالب أو يمر به من تجربة غاية في الروعة عندما يهتم بشيء – أي شيء – اهتمامًا كبيرًا وينتبه إليه؛ فلو فعل ذلك لصار المحتوى العلمي الذي يقدمه مثالًا يُحتذى.

إننا نود من الطلاب أن ينتبهوا إلى ما يستحوذ على اهتمامنا؛ نود منهم أن يقعوا في غرام: الحشرات؛ والصخور؛ والنظريات الأدبية؛ والتعاليم الدينية؛ ومعادلات التفاضل؛ وقانون أوم؛ وشتى الظواهر الطبيعية التي لا حصر لها .. ودائمًا ما نُصاب بخيبة أمل من قلة اهتمامهم – إن لم يكن ازدراءهم – بهذه المواد التي تخلب عقولنا نحن، ربما نكون بحاجة إلى أن نكون أقل مثالية وأكثر واقعية؛ فالمقال جعلني أتساءل ما إذا كان تعليم الطلاب أن ينتبهوا قد لا يكون الدرس الدائم الذي يتلقونه طوال المنهج، فإذا لم يكن تقديمنا لكيفية الحضور لشرح التفاصيل، ولكيفية المذاكرة، والتحليل وطرح الأسئلة، وتعقب الأدلة والبراهين، وتفكيك الأشياء المعقدة أثمن وأعظم ما نقدمه للطلاب – فلن نساعدهم في سبر غور ما يلفت انتباههم ويحوز اهتمامهم.

سأترك الكلمة الأخيرة لسوليفان حين قالت: “لقد علمتني (تقصد والدتها) إيقاعات المد والجزر والتجديد وأجزاء عالم الطبيعة التي تحتك ببعضها البعض، وبذلك صنعت مني شاعرة”.

Sullivan, A. M. (2000). Notes from a marine biologist’s daughter: On the art and science of attention. Harvard Educational Review, 70 (2), 211-227.

Can We Teach Students How to Pay Attention?

ماذا يعنى التدريس بدون تعلم؟

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل