المحتوى الرئيسى

ماتشو بيتشو.. أسطورة قلعة قديمة تحوي ملايين الأسرار!

01/05 09:55

رغم أن اكتشاف ماتشو بيتشو الأثري قد جاء قبل مائة عام تقريبًا فإن المؤرخين ما زالوا غير متأكدين من وظيفة تلك القلعة القديمة للإنكا؛ إذ لم يكن لشعب الإنكا نظام للكتابة، كما لم يتركوا أية سجلات مكتوبة لهم؛ لهذا شرع علماء الآثار تجميع الأدلة المتفرقة لمعرفة أسباب بناء الماتشو بيتشو، وفيم كانت تستخدم، وكذلك لماذا تم إخلاؤها في وقت قصير.

في عام 1911، اكتشف “هيرام بينجام” بمحض المصادفة الماتشو بيتشو التي تُعد أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، والتي صُنفت عام 2007 كواحدة من عجائب الدنيا السبع الحديثة.

كان ما رآه “بينجام” عبارة عن قلعة مثيرة وشاهقة مصنوعة من حجر المنحدرات الجبلية المحيطة، وقد بناها العمَّال دون استخدام الملاط أو الطين؛ لذا تراصت القطع الحجرية جنبًا إلى جنب بإحكام شديد، حتى إنه لا يمكن لنصل سكين حاد المرور بينهما.. لكنه تعجَّب؛ لماذا بُنيت؟ ومن قام ببنائها؟ ولأي هدف؟

بالتأكيد كان ما رآه مبهرًا ومثيرًا للرهبة في آنٍ واحد.. وقد وصف “ببيرو لويس لامبريراس″ المدير السابق لمعهد بيرو الوطني للثقافة والخبير المُعاصر ــ ذلك الموقع قائلًا إنه يصلُح لغرض الاحتفالات الدينية؛ إذ إنها “قلعة مُكونة من القصور، والمعابد، والمساكن، والمخازن”.

تتكون الماتشو بيتشو من بِنايات، وساحات عامة، ومِنصات متصلة ببعضها البعض عبر ممرات أو مسارات ضيقة، ويحاط أحد أقسامها بجدران وخنادق ربما كانت مائية.. وكتب “لامبراريس” حول ذلك قائلًا إن تلك الخنادق لم تكن جزءًا من الاستعدادات العسكرية، بل كانت نوعًا من الخصوصية أثناء الاحتفالات الضيقة.

تم نشر اكتشاف “بينجام” في إصدار إبريل 1913 لمجلة ناشيونال جيوغرافيك؛ لتجذب بذلك قلعة قمة الجبل “الماتشو بيشو” انتباه العالم قاطبةً.

ولكن “بينجام” كان مُعتقدًا أنه اكتشف “فيلكابامبا”، وهي المدينة المفقودة لشعب الإنكا التي خاض فيها آخر حكام الإنكا المستقلين معركةً ضد الغزاة الإسبان، والتي استمرت لسنوات عديدة.. وقد دافع “بينجام” عن استنتاجاته، وعمل على إثباتها على مدى نصف قرن من الزمان، وبالفعل قوبلت تفسيراته بالترحاب على نطاق واسع.

ولكن ما اكتشفه “بينجام” في الواقع لم يكن بالمدينة المفقودة، لقد كانت فقط مدينة ضائعة!

عام 1964، قام المغامر “جين سافوي” بالتعرُّف على بعض الأنقاض، وأثبت أن “الإسبيريتو بامبا” الموجودة في منطقة الفيلكابامبا بيرو غرب ماتشو بيتشو هي تلك المدينة المفقودة التي عثر “بينجام” عليها.. ومن المفارقات أن “بينجام” قام بالفعل باكتشاف بعض الأنقاض في “الإسبيريتو بامبا” خلال رحلته عام 1911؛ إذ كشف عن عدد قليل من الجدران الحجرية المنقوشة للإنكا وبعض الجسور، إلا أنه لم يولِها اهتمامًا وصبَّ كل تركيزه على البحث عن الماتشو بيتشو، إلى أن جاء “سافوي” ليعثر على بقية تلك الأنقاض.

إذن، ما تلك المدينة التي اكتشفها “بينجام“؟ فـ”ماتشو بيتشو” غير مذكورة في أي من التاريخ المدروس للغزو، أو الاحتلال الإسباني، وما من شىء يوثق أنها كانت موجودة على الإطلاق، ناهيك عن ذِكر الغرض منها!

افترض “بينجام” أن ماتشو بيتشو كانت بمثابة دير يتم فيه تدريب النساء المُختارة بعناية من بين الشعب لخدمة زعيم الإنكا وعُصبته.. وقد عُثر في ذلك الموقع على أكثر من مائة هيكلٍ عظمي، ويُعتقد أن 75% منها هي من الإناث، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أن تلك الهياكل تنتمي ـــ بنسب متساوية ـــ للذكور والإناث.

واعتقد “بينجام” أيضًا أن الماتشو بيتشو هي الـ“التامبو توكو” الأسطورية، والتي تعني مسقط رأس أجداد الإنكا.

واصلت البحوث الحديثة سعيها من أجل تعديل وتصحيح وإعادة صياغة أسطورة الماتشو بيتشو، وهي أبحاث قام بها جون رو، وريتشارد بيرجر، ولوسي سالازر بيرجر، والتي تشير إلى أنها كانت ملاذًا من أجل الحاكم الإنكي باشاكوتي، أكثر من كونها قد بُنيت كحصنٍ دفاعي، كما اقترح برجر أنها بُنيت لرِفعة القوم الراغبين في الهرب من ضجيج المدينة وازدحامها.

أما عن حجم الماتشو بيتشو فقد ذكر الخبير في حضارة الإنديز بجامعة إلينوي بشيكاغو والمُعتمد من ناشيونال جيوغرافيك “براين بور” ــ أن تلك المدينة التي بُنيت حوالي 1450 ق.م. صغيرة نسبيًّا وفقًا للمعايير الإنكية، كما أنها لم تكن تتسع إلا لـ500 إلى 700 فرد.

وبعد هذا كله، شىء واحد فقط مؤكد كما يقول بور ـ هو أن شعب الإنكا لم يكن الوحيد الذي سكن في الماتشو بيتشو كما أوضحت جميع الدلائل الأثرية.. فعلى سبيل المثال، طريقة تصميم ونحت الرأس هي في الأصل عادة مرتبطة بشعوب المناطق الساحلية وبعض المناطق الجبلية، فضلًا عن وجود بعض المشغولات الخزفية التي اشتهر بصُنعها شعوب كانت تعيش في مناطق بعيدة، مثل بحيرة تيتي كاكا.

أضاف بور قائلًا إن كل هذه الأدلة تُرجح انتماء العديد من الذين عاشوا وماتوا في الماتشو بيتشو إلى مناطق مختلفة من الإمبراطورية.

وبالنسبة للزراعة، فقد استفاد سكان الماتشو بيتشو من المصاطب والمدرجات المحيطة بهم، ولكن لم تكن وحدها لتكفي الاحتياج اليومي لهم، كما قال الخبراء، فقاموا عندئذ بالزراعة في التلال المحيطة بها.

وجُغرافيًّا، يصف د. يوهان راينهارد أحد المستكشفين التابعين لناشيونال جيوغرافيك موقع الماتشو بيتشو قائلًا إن المدينة مُحاطة تقريبًا بنهر أروبامبا الذي لا يزال يقدِّسه من يسكنون هناك حتى الآن.. كما تُعد الجبال التي تحفُّ ذلك الموقع الأثري من كل الجهات من التضاريس المهمة المُقدسة أيضًا.. وإذا أخذنا في الاعتبار هذين المَعلَميْن معًا؛ فذلك يعني أن الماتشو بيتشو كانت بمثابة مركز جُغرافي كوني وهيدرولوجي مُقدس لمنطقةٍ شاسعة حولها.

في سبتمبر 2007، وافقت جامعة يال على إعادة بضعة آلاف من القطع الأثرية إلى بيرو، والتي كان قد أخذها “بينجام” معه إلى يال خلال سنواته التي قضاها في البحث والتنقيب.. وستُعرض تلك القطع في مُتحف جديد وافقت الحكومة البيروفية على إقامته في كوسكو.

إن اختيار الماتشو بيتشو ــ وهي من عجائب الدنيا الحديثة كما قلنا ــ لهو سلاح ذو حدين بالنسبة لأهل كوسكو- قلب حضارة الإنكا قديمًا والمدينة الأقرب للماتشو بيتشو؛ فالموقع بلا شك هو مصدر فخر لبيرو وموقع قيم للجذب السياحي.. ومع ذلك، كلما ازداد الاهتمام الدولي ازدادت معدلات التلوث والحاجة لبناء الفنادق وغيرها من المرافق الأخرى، فضلًا عن الحاجة إلى حماية المدينة المفقودة التي لم يكن العالم الغربي يعلم شيئًا عن وجودها.

ومن غير المُرجح أن يعثر علماء الآثار على الدليل القاطع والدامغ الذي يكشف عن أسباب بناء الماتشو بيتشو والغرض منها، ومع ذلك فلا يزال العُلماء ينقبون في الموقع ويعيدون بناءه، كما يمكن باستخدام التقنيات العلمية الحديثة- مثل تلك التي كشفت عن جنس الهياكل العظمية التي عثر عليها بينجام- الكشف عن الأسباب الكامنة وراء بناء تلك المدينة، والأنشطة التي قامت بها، والتسلسل الزمني لهجر السكان لها.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل