المحتوى الرئيسى

«قبل الحبّ بقليل».. الدكتاتورية أم الفتنة؟

01/04 02:29

إلى أيّ حدّ يستطيع الرّوائي ـ كما أمين الزاوي ـ أن يعرّي مجتمعه وأن يسهم في تمزيق أقنعته؟ ما الدّور الذي يضطلع به المثقّف من خلال العمل الروائي؟ مِن أجل مَن يكتب؟ مَن هو القارئ المفترض؟ وإن كان مسرح الأحداث «وهران» مدينة جزائرية لها خصوصيّتها، لكن هذه المدينة، بأناسها وعاداتها وتقاليدها وطقوسها، تكاد لا تشذّ عن كثير من المدن العربيّة من حيث تعاطيها مع الثقافة والمثقّف، أو بالنّسبة إلى موجة التّطرّف التكفيري، أو من خلال بنية العقل العربي الذي يمزج بين ما هو واجب ديني، وبين ما هو عرف اجتماعي.

الرّاوي الشخصيّةُ الرئيسيّة هابيل الحقوقي الذي تحوّل إلى بائع كتب مستعملة على الرصيف يحيل القارئ إلى الأزمة التي تواجه الثقافة في العالم العربي «الكتب هي أرخص أنواع الكنوز في بلاد لا تقرأ (...) هي أشياء لا يحسب لها حساب، وليست من أولويات النقل» (ص.99) ثمّة علاقة مفقودة بين الإنسان العربي والكتاب يجعله في آخر اهتماماته. ويقدّم الزّاوي الصورة النقيضة تمامًا للأوروبيين، ولا سيّما الفرنسيين الذين تركوا في وهران مكتبات عامرة بالكتب والمجلدات والوثائق والبطاقات والرسائل، عادوا للسؤال عنها بعد انتهاء الحرب، كانت الأسر الجزائرية قد تخلصت منها بإعطائها إلى أحد شباب الحيّ، الذي باعها مقابل دنانير زهيدة مكّنته من شراء بعض زجاجات البيرة.

ويعود الزّاوي في هذه الرواية إلى فرنسا العلمانيّة والدّعم الذي قدّمته إلى الإمام الخميني «من أجل عودة سلطة الولي الفقيه في إيران» (ص.172) ويرى في هذه الحركة أصلًا للتطرّف الإسلامي الذي سيهدّد الدول الأوروبيّة جميعها. إنّه يحمّل فرنسا جزءًا من المسؤوليّة عن هذا العنف الذي يحصل في العالم العربي والغربي على حدّ سواء كونها أيّدت سلطة الدّين. إلّا أنّ المدّ الإسلامي له جذوره التاريخيّة التي تعود إلى ما قبل الثورة الخمينيّة. وهناك أنظمة عربيّة، ودول رعت حركات إسلاميّة متطرّفة وموّلتها. ذلك الفكر الأحادي أنجب «الخطر الدّيني الإسلامي المتطرّف» لا قيام الجمهورية الإسلامية في إيران.

ويصف الراوي مظاهر التحوّل الذي تشهده وهران من مدينة متنوعة ثقافيًّا وحضارياً إلى مكان تغزوه ثقافة العنف، وتتراكم الأوساخ على الأرصفة وفي القلوب «ما عاد الناس يبحثون بلهفة عن كتب بلزاك وزولا وهيغل (...) قرّاء يطلبون كتب سيّد قطب وابن تيميّة (...) زلزال صامت يهدّد المدينة». (ص.221)

ويطرح الكاتب أسباب التّخلّف المنتشر في المجتمع العربي، فيرى أنّ «الشّعوب العربيّة خُلقت كي تُقمع من قبل ديكتاتور وإلّا عاشت في الفتنة». (ص.193) وكأنّ تلك الشّعوب مفطورة على الذلّ والخضوع والانقياد، تحبّ مغتصبيها، هي شعوب غير راشدة، معفاة من التفكير «شعوب العصا والسجن والفم المسدود». يحاول الزاوي على لسان هيتشكوك أن يقدّم الحقائق كما هي، شخصيّاته متصالحة مع نفسها، تعرف ماذا تريد.

وهي تتعارض مع الشخصيات في المجتمع المغتصبة الإرادة والحريّة. شخصيات «قبل الحبّ بقليل» تتمتّع بقدر من الحريّة، تسعى في سبيل أهدافها، تخرج لتحقيق قضايا آمنت بها. ترك الحريّة للشخوص الروائية في رسم خطواتها، لكن مصائرها في الإجمال كانت مأساويّة؛ دانييل ديفا فرنسيّة مناصرة للثّورة الجزائريّة تموت في المستشفى بعد أن أُحرق أخوها في الفرن. يُغتال هيتشكوك قبل أن يتمكّن من تحقيق حلمه بإخراج فيلم سينمائي. فضلًا عن موت البابا سليمان، وبائع السردين داود.

بنى أمين الزاوي عالمًا روائيًا عاشت فيه الشخصيات مغامراتها. وعلى الرغم من ملامسته قضايا الواقع المأزوم، وتصويره المجتمع العربي كما هو في تناقضاته الاجتماعيّة والسياسية، إلّا أنّه استطاع أن ينشئ كونًا سرديًّا متعارضًا مع العالم الخارجي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل