المحتوى الرئيسى

إبراهيم أبو علي يكتب: تاريخ العلاقات العربية الإيرانية | ساسة بوست

01/02 23:04

منذ 12 دقيقة، 2 يناير,2016

كان البحتري (الشاعر العربي القديم) هو الشاعر المقرب للخليفة العباسي “المتوكل”، فلما قُتل المتوكل حزن البحتري لمقتله ورثاه. فضاق به “المنتصر بالله” ابن المتوكل الذي كانت له يد في قتل أبيه، فجفاه وفترت العلاقة بينهما.

فامتلأت نفس البحتري هَمًّا وغمًّا، فذهب إلى المدائن في رحلةٍ يسلي بها نفسه. فنظم هناك قصيدة تقع في ستة وخمسين بيتًا، ستة منها في ذكر عظمة الفرس، والبعض في وصف “إيوان كسرى”، فهذا أبو الوليد البحتري يقف على إيوان كسرى قائلًا:

أَيَّدوا مُلْكَنَا وَشدّوا قُواهُ .. بِكٌماةٍ تَحتَ السَنَّورِ حُمسِ

كُماة والسَنوَّر: أشياء من سترة الحرب تٌلبس كالدرع. وحُمس: من الحماسة والشجاعة.

قاله البحتري بعد حوالي قرنين ونصف من الزمان أو أكثر، عن حملة ملك الفرس “كسري أنو شروان” على اليمن لطرد الأحباش منها حين استنجد به ملكها “سيف بن ذي يزن”، حتى أرجع إليه ملكه وعرشه.

فعلاقة إيران بالعرب علاقة عتيقة تمتد إلى أزمان بعيدة، وكانت هذه العلاقة نتيجة الوضع الجغرافي والبشري الذي أدى إلى تكوين ثقافتين وحضارتين متميزتين (الإيرانية – العربية) وكانت بينهما صلات تجارية وثقافية وحضارية قائمة عبر العصور، ولكنها كانت محدودة نسبيًّا حتى جاء الإسلام.

فلما حدث الفتح الإسلامي لبلاد الفرس تغيرت الأوضاع السياسية بصورة جذرية وأثّر ذلك بعمق في الأوضاع القائمة. فبعد الفتح ذهبت جماعات من القبائل العربية إلى إيران، وخصوصًا من البصرة والكوفة (العراق) إلى المراكز الإدارية في إيران مثل (أصفهان ومرو).

ومنذ ذلك الوقت لم تقم دولة فارسية تحكم إيران كلها، وظلت في فترة من الصراعات الدائرة مع العرب متمثلة في ثورات محلية، أو موافقات يتبعها خلافات مع الدولة العباسية، حتى جاءت الدولة الصفوية في إيران وبدأت فترة جديدة (1501 – 1722 م)، ويُنظر إلى تلك الفترة على أنها نقطة التحول الكبرى، والتي حققت فيها الأمة الإيرانية ذاتها وأكدت أصالتها.

فالدولة الصفوية هي التي وحدت إيران، ورسمت الحدود التي تمثل بصورة عامة حدود الدولة الإيرانية الحديثة. وفي 1501 م أُعلن التشيع مذهبًا رسميًا، وكان ذلك مهمًا في تأكيد الهوية الإيرانية واستقلالها في وجه جارتها (الدولة العثمانية).

وكان قيام دولة شيعية على حدود الأناضول تتمتع بولاء أعداد كبيرة من رجال القبائل الذين يعيشون داخل الدولة العثمانية يشكل تهديدًا كبيرًا للعثمانيين. فظلت الصراعات بين الدولة الإيرانية والعثمانية حتى تبلور الوضع في المنطقة في دولتين عظيمتين.

وكانت الساحة الرئيسية للصراع في بلاد العرب (وادي الرافدين)، فقد تعرّض أهل العراق للأذى والضرر من الجهتين، وورثوا الكثير من المرارة نتيجة الصراع المتصل.

الحدود العربية – الإيرانية البحرية

تشترك إيران مع الدول الخليجية العربية في الإطلالة على الخليج العربي، وتٌشكل قضية الجزر الإماراتية الثلاث مشكلة عميقة مع الجانب الإيراني.

احتلت إيران الجزر الثلاث في نوفمبر \ تشرين الثاني 1971م، ورفضت الإمارات العربية احتلال إيران لجزرها الثلاث وعرضت قضيتها على الأمم المتحدة، وحاول قادة الإمارات كثيرًا إقناع الدولة الإيرانية بحل القضية عبر المفاوضات المباشرة أو محكمة العدل الدولية، لكن طهران تكرر رفضها دائمًا، معتبرة أن سيادتها على الجزر الثلاث ليست محل نقاش.

وتعود أهمية الجزر العربية الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) إلى موقعها الجغرافي المهم، إذ إنها تقع عند مدخل “مضيق هرمز” في الخليج العربي، والذي يٌعتبر أحد أهم المضائق في العالم. فالدولة التي تسيطر عليه يمكنها التحكم في منطقة الخليج العربي كله بسهولة.

العراق وبلاد الشام هما حلقة وصل أساسية بين إيران وبين البحر المتوسط وأوروبا.

والحدود العراقية – الإيرانية بفواصلها الجغرافية، وموانعها الطبيعية، وحدودها الإقليمية وخطوطها الجيوبوليتيكية، تُشكل أهمية بالغة منذ القدم وحتى يومنا هذا، نظرًا إلى استراتيجيتها وعراقتها.

فمنذ زمن قديم والعراق تُمثل كنزًا ثمينًا بالنسبة للدولة الإيرانية، وربما ذلك مقروء بشكل واضح مما يحدث الآن داخل الأراضي العراقية، والدور المحوري المهم الذي تقوم به إيران في الشأن العراقي.

قد ذكرنا أن إيران بدأت تاريخها الحديث مع ظهور الدولة الصفوية والتي احتلت العراق في مطلع القرن السادس عشر، فكان ذلك مبعثًا أساسيًا في الصراع العثماني – الإيراني، وهو الصراع الذي ورثته الأنظمة السياسية التي تعاقبت على إيران على امتداد أربعة قرون حتى بداية القرن العشرين. حتى جاء القرن العشرون وقد ورث كل ترسبات تلك العلاقات التاريخية الإقليمية والدولية الساخنة.

في القرن التاسع عشر تجدد الصراع الحدودي بين الطرفين (الإيراني والعثماني) بعد أن اكتسى هذه المرة طابعًا دوليًا بتأثيرات واضحة من الإنجليز والاتحاد السوفيتي.

وبعد حرب القرم، قام ممثلون عن بريطانيا والاتحاد السوفيتي برسم خريطة مفصلة ودقيقة للحدود العثمانية – الإيرانية المشتركة، وقد أنجزت بعد جهود مضنية عام 1869 م.

صارت النزاعات الحدودية أكثر تعقيدًا بين الجانبين عند مطلع القرن العشرين، والذي شهد تغيرات واسعة، وازداد تأثير كل من بريطانيا وروسيا القيصرية في كل من الدولتين: الإيرانية والعثمانية.

وقد أثيرت نزاعات الحدود العراقية، ففي ديسمبر \ كانون الأول 1911 م، وقع على ما يُسمى بـ “بروتوكول طهران” والذي نصَّ على تعيين لجنة مشتركة مقرها العاصمة العثمانية إسطنبول، وأنيطت بها مهمة ترسيم الحدود بين الدولتين من جديد.

ولما لم يتوصل الطرفان إلى حل، تدخلت بريطانيا والاتحاد السوفييتي لحل النزاع ليتم عقد ما سُمي بـ “بروتوكول الآستانة” في تشرين الثاني \ نوفمبر 1913 م، ويوقع عليه ممثلو روسيا وبريطانيا كدولتين وسيطتين، إلى جانب وزير الخارجية العثماني والسفير الإيراني في إسطنبول نيابة عن دولتهما.

وأتمت اللجنة بيان إحداثيات النقاط الحدودية على الخرائط وعلى الأرض عام 1914 م، وبهذا تكون الخلافات الحدودية بين الدولتين القديمتين قد حُسمت.

وكانت بريطانيا وفرنسا تعملان برفقة حلفائهما على تأسيس نظام دولي جديد بعد أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918 م، وكيف ستبدو الخريطة الجيوبوليتيكية للعالم.

ولكن ثمة أمر آخر، إن اكتشاف النفط ومخزونه ثم عملية استخراجه من العراق وإيران كان من العوامل الاستراتيجية المهمة التي تبلورت في مطلع القرن العشرين، حيث دخلت حيز المجال التاريخي لموضوع الخلافات الحدودية والإقليمية العراقية – الإيرانية.

حيث كان للنفط دوره الأساسي والحيوي في تلك الفترة، ثم تطورت فاعليته الاستراتيجية بشكل كبير على امتداد هذا القرن.

وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان التنازع بين الشركات النفطية مستمرًا للاستحواذ على امتيازات من الحكومة العثمانية سواء كانت ألمانية أو فرنسية أو إنجليزية أو أمريكية.

فإن عملية رسم الحدود العراقية – الإيرانية في بروتوكول الآستانة عام 1913، وأعمال لجنة الحدود الإيرانية – العراقية عام 1914، قد تأثرت بتلك العوامل الدولية وأدوار وأطماع الشركات النفطية، إذ وقع الشرق الأوسط تحت وطأة اقتصاد النفط العالمي.

وبالنظر إلى شكل العلاقات الإيرانية – العربية حاليًا في الوقت المعاصر، نجد حرص إيران على امتلاك أي نفوذ بأي شكل ما داخل المنطقة العربية.

فإن السياسة الإيرانية قد رسمت لنفسها خطًا في المنطقة العربية يتجاوز علاقات السياسة الرسمية، فكان حصان رهانها في ذلك ميليشيات قتالية في المنطقة، جمعتها برباط طائفي، ووفرت لها كل سبل الدعم المالي والعسكري.

فنجد أن أهم مناطق النفوذ الإيراني داخل المنطقة العربية تتمثل في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وحسب تقديرات أوردها مركز الجزيرة للدراسات (2015) عن حجم الدعم الإيراني لحلفاء إيران في المنطقة العربية:فإن الدعم الإيراني السنوي للميليشيات الشيعية في العراق بين 100 و200 مليون دولار سنويًا وتٌقدر مساعدات إيران للنظام السوري ما بين مليار إلى ملياري دولار سنويًا، 500 مليون دولار منها خُصصت للمساعدات العسكرية.

وأما دعم حزب الله في لبنان فيٌقدر فيما بين 60 و200 مليون دولار سنويًا.

وتنوعت صور الدعم الإيراني المتزايد للحوثيين في اليمن بين المساعدات المالية والعسكرية والتدريب وإرسال الخبراء.

ودوائر القرار الإيرانية تجمع على ضرورة استمرار دعم حلفائها في المنطقة بالرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتراجع أسعار النفط عالميًا، وقد أثّر ذلك بشكل سلبي على الحالة الاقتصادية الإيرانية، ولكن لأن هذا الدعم يحقق عدة مميزات منها ضمان أمنها القومي فضلًا عن تعزيز نفوذها في المنطقة العربية، وكذلك من حيث كونها قوة إقليمية على الساحة الدولية مما يُقوي من وضعها التفاوضي مع الغرب.

فمثلًا تطورات الوضع في العراق وصعود “داعش” كان فرصة لإيران لتثبت أنها قوة مهمة في الشرق الأوسط، وينبغي الاعتراف بها كمفتاح أساسي في حل معضلات المنطقة.

دائمًا ما يكون دور الميليشيات الإيرانية هو تحقيق الأهداف الإيرانية خارج حدوده.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل