المحتوى الرئيسى

حللت أهلاً ووطئت سهلاً 2016

01/01 20:22

أيام بل سويعات عندما ينبلج فجر جديد لعام جديد يحل علينا.. نكون قد ودّعنا عاماً ثقيل الظل، كان فيه طريق الشر سهلاً ليّناً، عكس طريق الخير، فيه النفوس عاجزة لغلبة نفوس كانت آتية من أدران الرذائل وانحطاط الأخلاق.

يا عامي الجديد.. خذني معك إلى هناك، سأترك مضجعي الذي نبا وأرق، وعيني التي أبت أن تستزير الغمض.. لما مر أمامها من مشاهد الكرب والوجع.. والدم والألم.. والهجرة والغرق.. لعام سابق سالت فيه بحار من القهر والظلم.. وعمّت فيه حكايات الغدر والقتل.. نبتلع الهراء من أشجار الصحراء ونلمح الفرح من ثقوب الأبواب.

خذني معك على أجنحة وأغاريد الطيور وبساط الولوج إلى بوابة عام جديد.. مع مساحات المطر أغني، مع فراشات الحلم أطير.

مع أبيات الشعر أقرض على نوافذ شعاع الصبر، لا تسألني عن لوني ولا ورقي وهويتي، ولا حتى عن حقيبة غربتي. فأنا مسافرة في سفينة المأساة.

هربت من عام ماضٍ، من عام غادر، من خوف راصد.

أنتظرك عامي السادس بعد العاشر على محطة الرحيل للفرح.. للأمل.. للتمني.. كرهت الدم وكرهت الظلم وكرهت القنص، للحرية باب وليس لدي بطاقة دخول.

للقلم حاشية ولا أملك حبر التوقيع.

أتأخذني معك فقد سئمت الجلوس وسأمت الخنوع من التفتيش والترحيل والتهميش.. أرغب في البكاء على ذراعيك يا عامي الجديد.. ففي داخلي قهر وعشق، وحنين وشحوب، على وجه جدائل الماضي القريب.

جذري معروف ومع ذلك أنكروه، اسمي محفور ولكنهم زيفوه، عقارب الساعة موقوفة بعد سرقة ثواني التوقيت.. هتكوا العرض، نسفوا زهور حديقة النسيم بعد أن طعنوا عصافير الكناري وعصافير الحب والحساسين. وساروا بجثثهم على جدار التفرقة والعنصرية والتخريب. أخطاء ارتكبت، ومخادعات وتآمرات مرت على أوطاننا باسم الربيع، وما هو إلا أعاصير وزمهرير.

قد أشرق الصباح وبانت الشمس عن كبد السماء، وبان الرقم السادس عشر بعد الألفين. بعدد حروف ما كتبت، وعدد آهات من أصابه الوجع، وهدير وقوقعة موجات البحر الذي عبّ عبابه وكثرت موجاته التي رافقت الخائفين الهاربين لشواطئ وأمان بلاد الغرب.

أستقبل العام بهمسات تقود إلى الطموح والغبطة والأمل والسرور.

أنحني لقادمي الجديد ليهب لنا هدايا من التفاؤل والانبساط، ورسائل مطرزة بخيوط الذكريات، فقد ذبحتني سكاكين الأقوال بلا أفعال، وسيوف الأشباح، وأنياب الكلاب.

دجلة والفرات يبكيان، والقدس وغزة تحترقان وتعدمان، والنيل عاجز الحركة، بعد توزيع الأدوار، وأنا مرصوصة في محطة الانتظار أراقب الامتحان أنسقط في مادة الانتحار بعد سقوطنا في مخالب أعداء الحياة؟ وبعد أن مزقنا صحيفة العروبة، وقتلنا لغة الضاد، وضيعنا فلسطين والبلاد كما ضاعت غرناطة وقصور الحمراء.

وطني المغطى بالجراح وكساء البارود والسلاح، لو سألوك عن تمنياتك في العام القابض على عظام الصغار في أرض النفاق والفساد، قل لهم أريد زفة أكاشف المستور من تذبذب الحكام، أريد محكمة تضم قضاة يلاحقون المجرمين وبائعي مفاتيح الدار، أريد أن أواجه من بدلوا منهاج التربية والتعليم وانحراف الأجيال.

من بوابة دمشق وأنهار الشام التي تنبع من التاريخ كفى استهتاراً بالإنسان الشامي والحلبي والعراقي واليمني والمصري والقدسي والفلسطيني.. كفى.

نريد رحمة السماء، نضارة الجغرافيا، نريد العيش الكريم.

من أسواق القدس العتيقة التي التفت بالسواد، ومن بين أحجار وأجراس الأحد ومنارة الشرائع، وجمعة الرحمن والأنبياء.

أنادي القدس عاصمة بلاد فلسطين، ولن نتخلى عنها في سنين الذهاب والإياب، لجبال الجليل والخليل ونابلس وجنين، وكل بساتين الليمون والرمان.

من رئات أمهات الشهداء، وأشجان بيوت العزاء، وحابسي الدمعات في الأحداق.

نقسم بالله رب العبادات أننا لو قرأنا درسنا في التاريخ بامتياز ما وصلنا إلى الأسوأ بالحال، ولما جاعت فلسطين ورجعنا إلى الوراء حتى سقطت من بعدها بقية البلاد.

يا قنيطرة المجدل وعروبة الشام، وأمطار العراق، ووطنية قاهرة المعز، وبقية أمصار العرب، انفثي سم شياطينك وعودي للكرامة والعز، وانهضي من سباتك الطويل، فقد تعلمنا التفكير منك قبل أن يقف التفكير، ويحل التكفير، ويسود الجند والتدعيش، والوحل والطين.

عودي لنا، عودي لنا، فنحن في العناية المكثفة وبحاجة الى عمليات في التنفس وزرع نخاع وقلب وكبد جديد يضخ حباً، يضخ كرامة، يضخ أماناً لجيل مستباح دمه من خفافيش العتمة والظلام.

طلع الفجر علينا بفرسان يقتحمون بصهيل الأحصنة جدارات الفرقة والعصيان والترهيب، طلع العام علينا بجيل غاضب لا يسامح ولا يغفر الأغلاط والتغليط، طلع اليوم علينا بأشبال لا يحيون ولا يموتون، ولا يبكون الدمعات، ولا الضحكات على اللحى.

عفواً عامي الجديد حللت أهلاً ووطئت سهلاً.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل