المحتوى الرئيسى

وليد شوشة يكتب: «الرؤية» الفريضة الغائبة لدى الحركة الإسلامية | ساسة بوست

12/31 10:22

منذ 1 دقيقة، 31 ديسمبر,2015

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة على الناس. (سيرة ابن هشام)

هكذا كانت رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة في رسم الأدوار، وتسمية القادة، ومن ثم كانت واضحة للجيش الزاحف لملاقاة الروم. ولما أصيب عبد الله بن رواحة رضى الله عنه، قام رجل بانت له الرؤية وظهرت إيجابيته “فقد أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان، فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل. فاصطلح الناس على خالد بن الوليد؛ فلما أخذ الراية دافع القوم، وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس”. (ابن هشام)

لقد جنبت الرؤية الواضحة عند القائد والجنود، الدولة الوليدة من هزيمة ظاهرها محقق لعدم تناسب العدد والعتاد من هنا أزعم بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر لم يكن لديها الرؤية الواضحة الكافية للمشهد قبيل الانقلاب العسكري. فمما هو مُؤكد أن الجميع وثقوا في المؤسسة العسكرية، وبات من المستحيل عندهم أن تنقلب على الرئيس مرسي ولو بنسبة 1%، حتى بعد إعلان الجيش بيانه ومهلة الثماني والأربعين ساعة! ولم تهتز الثقة كثيرًا بعد تجمعهم بميدان رابعة، إلى أن فوجئوا ببيان الانقلاب، فبدأت عمليات رد الفعل والتخبط وغاب الفعل والرؤية، واستمرت الضبابية وعدم الوضوح أثناء الاعتصام وبُعيد الانقلاب، فلم يكن لدى القيادة أدنى شك بأن يقوم الجيش المنقلب بفض الميدان بمجزرة رهيبة، رغم عمليات القتل الجماعي أمام الحرس الجمهوري والمنصة!

وكان من الواجب أن تُشكل لجنة خُبراء استراتيجيات وإدارة أزمة من الإخوان وغيرهم قبيل الانقلاب لتزويد القيادة بتقارير وبيانات مبنية على رؤية واضحة ودراسة احتمالات، حتى يتضح المسار للجميع، والبدائل تُطرح وتُجهز، حال وقع الانقلاب، ومن ثم توزع الأدوار واللجان، ويتحدد المتصدرون للموقف والغائبون عن المشهد ومن يبقى في الداخل ومن يغادر إلى الخارج، وتُحدد سيناريوهات المواجهة ووقتها الزمني، وتعديد وسائل كسر الانقلاب، والحيلولة بينه وبين التمكين، بخطة مرنة يتم ضخ الدماء والأفكار دومًا فيها.

وعلى مستوى الجماعة وحزبها، وأفرادها، ومؤسساتها، وجمعياتها، وشركاتها، وأموالها، وإعلامها وقنواتها وصحافييها؛ لم تكن كذلك الرؤية واضحة، في كيفية الحفاظ على كل تلك المكتسبات، وتقليل الخسائر، والعمل على عدم سقوطها في يد المغتصبين.

وكان من اللازم تجهيز مجموعة كبيرة من المتخصصين في كافة المجالات الحيوية، بالخارج والداخل لتخرج في الوقت المناسب، ومن ثم تحافظ على حيوية الحراك وإبداعه، ووحدة الصف وتمامه، وديمومة الزخم والمشاركة.

وكانت الجماعة في أمس الحاجة إلى رؤية واضحة تُحدد وتُسمي قادة الصفوف الثلاثة الأولى، ومن هو البديل الجاهز، في حالة غيابهم بالقتل أو السجن أو الهجرة، والعمل على الحفاظ عليهم قدر المستطاع.

ثم دراسة أخرى للوائح، وموقعها في الحالات الاستثنائية، وآلية إدارة الجماعة في تلك الأوقات العصيبة، ورسم علاقة الداخل بالخارج، وتحديد المرجع، وأهل الحل والعقد والشورى.

هذا الرجوع للخلف ليس بكاءً على اللبن المسكوب، وإنما لتكون دفعة قوية إلى الأمام، كالفارس والعداء حين يرجع خُطوات للخلف، لتكون دفعته قوية للأمام.

يحلو للكثيرين أن يُدافعوا عن هذا المسار، ويعملوا جُهدهم في الدفاع بطبيعتهم العاطفية الغالبة، وأقول لهم ما قاله الأستاذ عمر عبيد حسنة: “ينبغي أن نخرج من عقلية التبرير إلى دراسة أسباب التقصير” وتفعيل لغة الحساب والسؤال، لا لقطع الرؤوس! ولكن لعدم الوقوع في الحفرة نفسها مرات، والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين. والخروج من عقلية “الكبير دائمًا يعرف أكثر”، وأن ليس في الإمكان خير مما كان، وأن ما كان سيكون، والشباب حديث عهد، ولم يتم تدريبه، وممارساته ضعيفة، إلى غير ذلك من المبررات.

ولربما أتى شاب وفقه الله بما لم يقدر عليه ذو الشيبة “والحسن بن على بن أبى طالب كان شابًا ما يزال صغيرًا لما حدثت حروب الجمل وصفين، وعمار بن ياسر كان شيخًا ومبشرًا بالجنة ومناقبه كثيرة، ولما أرسل عليًا عمّارًا والحسن إلى أهل الكوفة يستنصرهم ويدعوهم للخروج، قدم الحسن عمّارًا على المنبر، فتكلم عمار بدافع تقواه، وقال: “إنها – يعني عائشة رضى الله عنها- والله لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتعثها ليعلم إياه تطيعون أم إياها” المعنى سليم لكن قدم له بمقدمة سياسية غير سليمة، فمن ذا الذى يقاتل زوجة الرسول في الدنيا والآخرة؟  فقال له الحسن: اجلس فإن للأمر أهله، وخطبهم وهو شاب، خطبة حثهم فيها على نصرة علي، فخرج أهل الكوفة عن بكرة أبيهم ينصرون عليًا، والقصة في صحيح البخاري.” (مقدمات الوعي التطويري للراشد)

وتأمل رؤية الصديق أبى بكر رضى الله عنه الواضحة في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُكفن بعد.وكذلك محاربة المرتدين ومانعي الزكاة.

وفي التاريخ الحديث وقف منيردلة بعد استشهاد الإمام البنا برؤية واضحة للحفاظ على كيان الجماعة، فدعا الأربعة الكبار الذين كانت تدوربينهم توقعات الاختيار، عبدالحكيم عابدين السكرتير العام وعبدالرحمن الساعاتي شقيق الامام، والشيخ الباقوري وصالح عشماوي الوكيل العام، فلم يتفقوا على واحد منهم ، فاقترح عليهم حسن بك الهضيبي، ولم يكن معروفًا لأحد، وكان الاتفاق لاحقًا، ثم كان الأستاذ الهضيبي مرشدًا”

ووضوح الرؤية سبب لتوحيد الفهم “السبب في وحدة التنظيم وسلامته من الجيوب والشللية، وانحياز للبعض عند الخلاف، وقد تظهر الجهويات وتعصبات دعاة كل مدينة لأنفسهم، أو التناجي، وهذه الممارسات المعيبة سببها الرئيس هو ضعف الإيمان الداعي للتجرد والعدل، والعيش في جذر روحي يوهن التقوى، مما يعني ضمور التربية الدعوية وغياب القدوات والنماذج العالية المستوى، من أمثلتها: ما جرى في محنة الخمسينات والستينات من القرن الماضي بمصر وغياب القدوات في السجون فنشأت في الجيل الدعوي الشبابي الجديد تيارات متباينة الفهم.

وفى سوريا أدت اختلافات فهم استعمال القوة المسلحة والأنماط الثورية إلى نشوء مجاميع مروان حديد وسعيد حوى الضاغطة باتجاه تعجيل اندلاع الثورة الأولى، فكان الفشل. وأتباع القاعدة يقاتلون الإخوان في الجزائر والعراق، ودعاة التبليغ يطعنون المودودي وجماعته، وتراشق التهم في السودان دائر، والسبب في كل ذلك: اختلاف الفهم ووجود من يستثمره من المغرضين”. ( مقدمات الوعي التطويري)

وأزمة الإخوان الأخيرة هي نتيجة لتشتت الفهم، وغياب الرؤية الهادية، والبصيرة المنيرة في ليل الانقلاب البهيم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل