المحتوى الرئيسى

صدمة| سد النهضة على أرض سودانية.. و3 اتفاقيات تحل الأزمة و«مصر مطنشة»

12/29 08:27

دخلت أزمة سد النهضة فى منعطف خطير، يكاد يعصف بحق مصر الثابت تاريخيًا من المياه، وذلك بعدما قامت إثيوبيا يوم السبت الماضى، بعد عامين من تحويل مياه النيل عن المجرى الأصلى له تمهيدًا لإنشاء السد، بتحويل مجرى النيل وإعادته إلى مساره الطبيعى مرة أخرى، لتمر مياه النهر ببوابات سد النهضة للمرة الأولى تمهيداً لبدء عملية تخزين مياه للمرحلة الأولى وإنتاج الكهرباء، وفقًا لما هو مقرر فى خطة الإنشاء، وسط أجواء احتفالية مصحوبة بإطلاق الصواريخ والأغانى الوطنية هناك، وذلك قبل يوم من انطلاق المفاوضات السداسية بين مصر والسودان وإثيوبيا، فى الخرطوم، والتى تأخذ طريق التعثر.

وفى ظل انعقاد سلسلة من المباحثات التفاوضية دون أى نتيجة تذكر، سوى تعمد الجانب الإثيوبي مد أجل المفاوضات لكسب المزيد من الوقت سعيًا فى المضى قدمًا لتنفيذ أكبر قدر ممكن من خطتها فى تنفيذ السد، الذى يعد مشروعًا قوميًا بالنسبة لهم، استغلالًا لحالة الارتضاء من جانب مصر بالمفاوضات التى لا طائل منها، فإثيوبيا تدرك تمامًا ماذا تريد وكيف الطريق إلى ذلك، وتعنى جيدًا كل خطوة بالحسابات، وكل كلمة وتصريح من جانبها سواء رسمى أو عير رسمى محسوب ويخدم هدفها القومى، معتمدة على دبلوماسيتها العنيدة والتى تمتلك قدرًا من الذكاء يمكنها من استغلال الظروف وإدارة الملف وتعطيله والتلاعب فيه وفق ما يخدم هذا الهدف، خاصة فى المرحلة التى تلت توقيع مصر على اتفاق المبادئ، الذى وقع عليه رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا، في مارس الماضي، وهى الوثيقة التى أكد الكثير من الخبراء بأنها كانت سبببًا في تورط مصر في مفاوضات سد النهضة واعترافها بالسد دون أي اعتراف من إثيوبيا بحصة مصر المائية.

نرصد فى هذا التقرير حقائق وسندات قانونية، بإمكانها إيقاف أعمال بناء سد النهضة فورًا، حتى تضمن مصر ألا يؤثر على حقوقها، لكن الإدارة المصرية لم تلجأ إليها -حتى الآن- مكتفية بالمفاوضات المستهلكة المبنية على أساس خاطئ، سمح باستكمال أعمال البناء دون اتخاذ أى إجراء قانوني يدعم موقفنا فى المفاوضات..

بناء السد على أرض سودانية ومخالفة اتفاقية 1902

يقام سد النهضة فى أقليم بنى شنقول جمز، غربى إثيوبيا والمتاخم للحدود السودانية، هو فى الأصل أحد مقاطعات السودان التى تنازلت عنه للإمبراطور الإثيوبي منليك، بموجب اتفاقية أبرمت بمذكرات جرى تبادلها في 18 مارس 1902 بين الامبراطور منليك الثاني والحكومة البريطانية، واتفاقية أخرى أُبرمت بين ذات الطرفين في 15 مايو 1902، مقابل عدم إقامة أي سدود أو السماح ببناء أي أعمال على بحيرة تانا و النيل الأزرق أو نهر السوباط.

ولخص الكاتب والباحث السودانى، الدكتور فيصل عبد الرحمن طه، بنود ما اتفق عليه بمقتضى المذكرات التي تم تبادلها بين بريطانيا وإثيوبيا في 18 و20 مارس 1902، فى كتابه "مياه النيل السياق التاريخي والقانوني" فى 3 نقاط:

1- لن يكون هناك تدخل في مياه بحيرة تانا والنيل الأزرق إلا بالتشاور مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة السودان. إذا حدث مثل هذا التدخل وكانت كل الشروط الأخرى متكافئة، فستعطى الافضلية لمقترحات حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة السودان.

2- ليس في نية جلالة الإمبراطور منليك إعطاء امتياز يؤثر على النيل الأزرق وبحيرة تانا إلا لحكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة السودان أو أحد رعاياهما.

3- احتفظ الامبراطور منليك بحق استخدام مياه بحيرة تانا والنيل الأزرق كقوة محركة بدون أن يتسبب ذلك في انخفاض محسوس في جريان المياه في النيل الازرق.

وتكشف هذه البنود عن اختراق صريح من جانب أثيوبية أطاح بالاتفاقية والأساس التى بنيت عليه، والتى أبدت حوله محاولات التوائية لإنكرها، دون أى تحرك مصرى دولى جراء هذا الاختراق.

اتفاقية الأمم المتحدة عام 1997

نصت الاتفاقية الإطارية "قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية" لسنة 1997، ولاتى والتي تنظم التعاون عبر الأنهار المشتركة بين الدول قبل الشروع في إقامة السدود، وأعدت مشروعها لجنة القانون الدولى -أرفع هيئة قانونية مكلفة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة-، على ثلاثة مبادئ أساسية تلزم الدول المشاطئة للمجرى المائي الدولي باستخدامه بطريقة منصفة ومعقولة، وبعدم التسبب في ضرر ذي شأن للدول المشاطئة الأخرى، وبإبلاغ الدول المشاطئة الأخرى مسبقًا بأي إجراء تزمع دولة مشاطئة تنفيذه على المجرى المائي.

ووضع الثالث من الاتفاقية، والمتعلق بالالتزام بالإخطار المسبق بشأن التدابير المزمع اتخاذها على المجرى المائى، فى مادته الـ"13" على عاتق دول المجرى المائى التزامًا عامًا بتبادل المعلومات والتشاور والتفاوض مع بعضها البعض بشأن الآثار المحتملة للتدابير المزمع اتخاذها على حالة مجرى مائي دولي. وقد أوضحت لجنة القانون الدولي بأن تعبير "الآثار المحتملة" يشمل كل الآثار المحتملة للتدابير المزمع اتخاذها سواء كانت ضارة أو مفيدة.

وتنص المادة 12 على قواعد بشأن وقت الإخطار والمعلومات التي ينبغي أن تصاحبه. ويلاحظ أن واجب الإخطار ينشأ مبكرًا. إذ تلزم المادة دولة المجرى قبل أن تقوم بتنفيذ التدابير التي تزمع اتخاذها والتي يمكن أن يكون لها أثر ضار ذو شأن على دول أخرى من دول المجرى، بأن توجه إلى تلك الدول إخطارًا بذلك في الوقت المناسب. وينبغي أن يكون الإخطار مصحوبًا بالبيانات والمعلومات المتاحة بما في ذلك نتيجة أي عملية لتقييم الأثر البيئي حتى يتسنى للدولة التي تم إخطارها تقييم الآثار الممكنة للتدابير. وحددت فترة الرد على الإخطار في المادة 13 بستة أشهر مع فترة تمديد لمدة لا تتجاوز ستة أشهر بناء على طلب الدولة التي تم إخطارها والتي ينطوي تقييم التدابير بالنسبة لها على صعوبة خاصة. وأثناء فترة الرد على الإخطار تكون الدولة التي وجهته ملزمة بموجب المادة 14 (ب) بعدم تنفيذ التدابير بدون موافقة الدولة التي تم إخطارها.

لم يجد الباب الثالث من الاتفاقية الترحيب من بعض الدول الواقعة على أعالي مجاري مائية دولية وبضمنها إثيوبيا. فقد امتنعت عن التصويت على مشروع الاتفاقية وبررت ذلك بأن المادة 7 من الاتفاقية "الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن"، والباب الثالث المتعلق بالتدابير المزمع اتخاذها على المجرى المائي تلقى عبئًا ثقيلًا على دولة المنبع.

أول نزاع بشأن مجرى مائى دولى

وفى أول نزاع بشأن مجرى مائى دولى يعرض عليها، أكدت محكمة العدل الدولية في قضية مشروع "جابتشيكوفو - ناجيماروس"  بين هنجاريا وتشيكوسلوفاكيا، كمبدأ من مبادئ القانون الدولى العرفى الحق الأساسي لكل دولة مجرى مائي دولي في حصة منصفة ومعقولة من موارد المجرى المائي التي تشاطئه. كما استندت المحكمة إلى الفقرة 2 من المادة 5 من اتفاقية الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997 لإبراز أهمية التعاون لتحقيق الانتفاع المنصف والمعقول بالمجرى المائي الدولي.

وفى هذا الشق يمكن لمصر التقدم الفورى بشكوى لمجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية في لاهاى ضد إثيوبيا، بحسب تصريحات الدكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الإفريقى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، لـ"التحرير"، خاصة وأن إثيوبيا فاجئت جميع الدول فى 2011 بإعلان بناء سد النهضة، مستغلة الظروف السياسية التى كانت تمر بها مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير.

وهو ما لفت إليه أحمد المفتي، مستشار وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية السابق، فى تصريحاته لموقع "أصوات مصرية" التابع لوكالة "رويترز" للأنباء، حيث قال إن الحكومة الإثيوبية تعاقدت بالأمر المباشر مع شركة المقاولات الإيطالية "ساليني" حفاظاً على سرية المشروع. وتم البدء في الإنشاءات في مايو 2011، حيث تم إخطار مصر بشكل غير قانوني خلال زيارة رئيس الوزراء المصري عصام شرف إلى العاصمة أديس أبابا، وذلك بشكل متعمد، في محاولة لتجنب الوقوع تحت طائلة القانون الدولي التي تستلزم عدم البدء في التنفيذ قبل استصدار الموافقة القانونية حسب مبدأ الإخطار المسبق.

اتفاقيتى تقاسم المياه 1929 و1959 فى مواجهة اتفاقية عنتيبي

نصت اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا التي كانت تنوب عن السودان وأوغندا وتنزانيا، على أن لا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أية أعمال ري أو كهرومائية أو أية إجراءات أخرى على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها، وإقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه‏ النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض "فيتو" في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.

ووقعت كل من مصر والسودان، أيضًا، في نوفمبر1959 اتفاقية تقاسم مياه النيل، وذلك اكتمالا لاتفاقية عام 1929 وعلى خلفية رغبة القاهرة في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان.

ونصت أهم بنود الاتفاقية على احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًا، وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنويًا، وموافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق، وكذلك إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان.

كما نصت الاتفاقية على أن توزيع الفائدة المائية من السد العالى والبالغة 22 مليار متر مكعب سنويًا توزع على الدولتين، بحيث يصل إجمالي حصة كل دولة سنويا إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان.

تنص اتفاقية عنتيبي، التي وقعتها دول: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، عام 2010؛ على " أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول، بأن تنتفع دول مبادرة حوض النيل انتفاعًا منصفًا ومعقولًا من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل".

ورفضت مصر والسودان "دولتا المصب"، التوقيع على اتفاقية عنتيبي لتقاسم مياه نهر النيل، باعتبارها تقلص حصصهم التاريخية من مياه النيل، وتبلغ حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب من المياه، بينما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، ويؤكد الخبراء التمسك بالاتفاقيتين السابقتين لضمان حقوق دولتى المصب التاريخية، وكسند يبطل اتفاق عنتيبيى، فى حين رأى البعض أن اتفاق المبادئ الذى وقع عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو الوجه الآخر لاتفاق عنتيبى، مشيرين إلى أن الأمر أصبح فى يد البرلمان والذى يعد رفضه بمثابة انتزاع وتراجع مصر عن توقيع الاتفاقية.

وفى مواجهة الإدعاء بأن هذه الاتفاقيات غير ملزمة للدول التي كانت محتلة، فالرد على ذلك بأن مباديء القانون الدولي والعرف الدولي تقضى بأن الاتفاقيات التي تمس الوضع الاقليمى لا تتأثر بتغير السيادة في تلك الدول، وقد تأكد هذا المبدأ في اتفاقية فيينا سنة 1978 بشأن التوارث الدولي والمعاهدات، ومن ثم تبقى هذه المعاهدات نافذة المفعول وملزمة للدول الوريثة.

تعديل المسار والخروج من الزجاجة الفارغة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل