المحتوى الرئيسى

مؤمن الشناوي يكتب - استمتع بحياتك واحسبها صح

12/27 20:20

حضرت البارحة أحد حفلات الأوركسترا بمسرح السيد درويش بالإسكندرية وكانت عن مسرحية "الجندي" الفرنسية؛ وهي من أشهر أعمال سترافينسكي المجددة والتي تعرض ولأول مرة – في الدنيا – باللغة العربية وهي تسرد قصة الجندي "جوزيف" الذي قد غادر مدينته مترجلاً فتوقف للاستراحة وأخرج من حقيبته آلة الفيولينة وأخذ يعزف عليها ألحان الحياة بربيعها وجمالها، حتي ظهر له الشيطان متهيأً له في شخص كهل أعرج فاستوقف عزفه وعرض عليه مقايضة تلك الآلة ذات الألحان الرقيقة بكتاب أسود سحري يضمن له الثراء.

أخذ جوزيف الكتاب وتصفحه لترتسم علي وجهة علامات الانبهار والفرحة فوافق علي عجلة، ليصحبه "الشيطان" إلي منزله لثلاث ليالٍ ليعلمه فيها أسرار استخدام هذا الكتاب.

وعند عودة جوزيف لبلدته يلاحظ فرار أهلها منه ونظراتهم الغريبة إليه ليتفاجأ بأن المدة التي ابتعد فيها عنهم هي ثلاثة أعوام وليس ثلاث ليال.

تركهم وافترش الأرض وشرع بالبكاء حسرة علي حاله ؛ فما قيمة الثراء دون حياة؟ ، ما قيمة المال دون صحبة ورفيق وحبيب ؟ ، ما قيمة الغني والوحدة ترافقني في كل خطواتي ؟؟... ثم أخذ يردد : عايش ميت وسط الأحياء .... عايش ميت وسط الأحياء، إلي أن قطع بكاءه صوت منادٍ : يا أهل البلدة لقد مرضت ابنة الملك ومن يستطيع شفائها سيحظى بالزواج منها .

وهنا يظهر له الشيطان مرة أخري في صورة بائع ويعرض عليه مقايضة كل ثروته التي جناها من وراء الكتاب السحري بآلة الفيولينة والذي أقنعه بأن شفاء الأميرة لن يكون سوي بسماعها لبعض ألحان تلك الآلة، التقطها جوزيف محاولاً العزف عليها لكنه لم يستطع ذلك !!! فتركها واتجه صوب قصر الملك ليصادف الأخير مرة أخري ولكنه متهيئ علي شكل عازف ،فيقرر المقايضة ويعقد الصفقة معه متنازلاً عن كل ثروته غير المباركة مقابل الحياة ويحظى بها أخيراً ويعزف للأميرة فتشفي من مرضها ويتزوجها ويعيش حياته علي أكمل وجه.

كان حقاً أداءً متميز فريد من نوعه وخاصة دور الراوي فيها والذي قام به د.محمد عبد المعطي بأدائه الصوتي المتميز وكذلك الموسيقيين والممثلين.

استوقفتني الجملة التي خرجت من فاه الجندي حيث قال : أعيش ميتاً وسط الأحياء !! فالحكمة من العرض تكمن في لحاق الكثير منا وراء تكوين ثرواتهم واكتناز الأموال علي حساب الاستمتاع بحياتهم ، معتقدين أن جمع المال هو متعة في حد ذاتها تغنيهم عن باقي المتع ، فمثلاً في أمريكا نلاحظ أن معظم شعبها يقومون بالعمل طوال سنين عمرهم حتي التفرغ – المعاش – ويبدأ بعد ذلك بالاستمتاع بحياتهم عند بلوغ الستين أو أكثر سواء بالسفر حول العالم أو الاسترخاء في المنتجعات العلاجية !!!، وقد تقابلت هنا كذلك مع الكثير من الناس الذين ليس لهم حياة سوي جمع المال دون أن يلاحظوا أن ذلك يسرق من عمرهم الكثير، قد يكونوا علي حق من وجهة نظرهم إلا أنني أتفق مع كاتب العرض في وجوب الموازنة بين العمل الجاد وكسب الرزق و الاستمتاع بالحياة.

احسبها صح فالاستمتاع بالحياة سيجلب لك الأميرة الغنية البيضاء ذات الأعين الزرقاء والشعر المخملي الطويل الذي تحسده عليها نصف إناث الأرض اللي هتتجوزها بلوشي من غير ما تكلفك مليم أحمر زي أخينا جوزيف....

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل