المحتوى الرئيسى

الجائزة.. الصراع على ثروات الطاقة الليبية

12/26 22:45

نشرت مجموعة الأزمات الدولية ورقة تحليلية، تحاول من خلالها تفنيد الصراع الموجود على الطاقة فى ليبيا، الغنية بالنفط، وذلك فى ظل انقسام سياسى بدأ فى الانحسار مع استمرار المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة، مشيرة إلى أهم الإجراءات الواجب اتخاذها حتى الوصول إلى اتفاق سياسى. وتبدأ الورقة بالإشارة إلى أن الوضع الاقتصادى فى ليبيا مهدد بالتحوّل دون سابق إنذار نحو الأسوأ، فى ظل تناحر أطراف النزاع من أجل السيطرة على الثروات الوطنية، التى ما فتئت تتقلص بوتيرة سريعة. ويؤثر هذا الصراع على عمل حقول النفط والأنابيب التى يمر عبرها والمحطات التى يُصدَّر منها، علاوة على ما له من وقع على السير العادى لمجالس إدارات المؤسسات المالية الوطنية. حيث يواجه الوضع المالى للبلاد، الذى يتسم بالإنفاق المفرط بسبب الفساد وانكماش الإيرادات بسبب انخفاض الصادرات وهبوط أسعار الطاقة، خطر الانهيار، كما يهدد مستوى عيش المواطنين، فى سياق الأزمة السياسية العميقة والمعارك المحتدمة بين الميليشيات المختلفة وانتشار الجماعات المتطرفة، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية. وفى حال تدهورت الأحوال المعيشية للسكان ولم يحصل أفراد الميلشيات على رواتبهم، فإن الحكومتين المتنافستين على الشرعية ستفقدان الدعم الشعبى، وستدخل البلاد فى موجة من التمرد وحكم الرعاع والفوضى. فبدلا من انتظار تشكيل حكومة وحدة وطنية، ينبغى على الفاعلين السياسيين والعسكريين معا، وبدعم من القوى الدولية الداعمة للحل السياسى، معالجة مسألة الإدارة الاقتصادية على نحو عاجل، فى إطار المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة.

وتعود الورقة إلى سقوط نظام القذافى عام 2011، حيث عانت ليبيا بعد ذلك من هجمات متكررة على منشآت النفط والغاز، ومن إضرابات العاملين فيها والاستيلاء المسلح عليها، خصوصا من قبل الميليشيات التى تسعى للحصول على موارد مالية من الحكومة المركزية الناشئة. وقد تحولت تدريجيا هذه الحوادث، التى كانت فى البداية قصيرة الأمد وتتم تسويتها عادة عن طريق تقديم تنازلات من قبل الحكومة، إلى ظاهرة قائمة ودائمة، وباتت مؤشرا مرعبا على احتمال انفجار السلطة السياسية، والاقتصادية والعسكرية فى البلاد. وتظهر هذه الحوادث القوة التى اكتسبتها الميليشيات خلال ثورة عام 2011 وبعدها وإخفاق الجهود الرامية إلى إدماجها فى القطاع الأمنى الوطنى، فى وقت يشكل فيه النظام الهش لحماية البنية التحتية للنفط والغاز، هدفا مغريا لمقاتلى تنظيم الدولة، كما كان جليا خلال الهجمات التى استهدفته خلال عام 2015.

كما يشكل الصراع على النفط والغاز تحديا للنموذج المركزى للإدارة السياسية والاقتصادية التى تم تطويرها حول موارد النفط والغاز، والذى كان يشكّل عصب سلطة النظام القديم. ولايزال الفساد، الذى كان يتيح عمل شبكات الرعاية والمحسوبية، فى صلب هذا النموذج، بل وتنامت الممارسات المرتبطة به فى قطاع الطاقة بشكل مطّرد. وهناك اليوم حركة واسعة النفوذ، يعتبرها البعض انفصالية، تسيطر على العديد من منشآت تصدير النفط الخام الكبرى وتستغل الوضع الراهن من خلال إيجاد قنوات بيع خاصة بها، وهو ما يؤدى إلى تنامى القوى الطاردة التى تمزّق ليبيا وتفتتها.

وترى الورقة أن هذا الوضع يؤدى إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تسوية الصراع السياسى، الذى بلغ ذروته فى يوليو 2014، بعد انقسام السلطة إلى برلمانين وحكومتين وائتلافين عسكريين متناحرين، يتخذ الأول من العاصمة طرابلس مقرا له، فى حين يتمركز الثانى فى الشرق، ويحظى كلاهما بدعم من قوى إقليمية متنافسة. ونظرا لاقتناع كل من الطرفين بشرعيته، فإن كلا منهما يصارع للسيطرة على المؤسسات الرئيسة ومنها مصرف ليبيا المركزى والمؤسسة الوطنية للنفط، التى تقع تحت سيطرة طرابلس، بينما يحاول البرلمان المعترف به دوليا فى طبرق والحكومة المنبثقة عنه فى البيضاء إنشاء مؤسسات موازية. كما يتنازع الطرفان على أصول المؤسسة الليبية للاستثمار (الصندوق السيادى الليبي) أمام المحاكم الدولية. ومع ترقب تشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن معظم الفاعلين الإقليميين والدوليين المعنيين بالشأن الليبى لا يزالون ملتزمين بوجود مصرف ليبيا المركزى والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، لأنهم يعون أن هذه المؤسسات تمثل مجتمعة أكثر من 130 مليار دولار وتحتوى خبرات تكنوقراطية رفيعة وحيوية لإعادة بناء الدولة.

إن كل يوم يمر يزيد من احتمال أن تتمكن سلطات طبرق/البيضاء (التى تعتبر مصرف ليبيا المركزى والمؤسسة الوطنية للنفط منحازين للطرف الآخر) من إنشاء مؤسسات بديلة ومنافسة تضعف المؤسسات القائمة. وفى هذه الأثناء، فإن ثروات ليبيا التى كانت كبيرة ذات يوم (والمستمدة بشكل كامل تقريبا من مبيعات النفط والغاز) تشهد نزيفا مستمرا بسبب الفساد وسوء الإدارة. إذا أضيف كل هذا إلى تراجع صادرات النفط الخام، بسبب الأضرار التى لحقت بمواقع الإنتاج والتصدير وإغلاق الأنابيب وغيرها من منشآت وبنيات تحتية والانخفاض الحاد فى الأسعار العالمية، فإن اتخاذ تدابير علاجية بات أمرا ملحّا. لقد تسبب سوء الإدارة الاقتصادية أيضا فى نقص فى الوقود والسلع الأساسية، مما يهدد بانفجار أزمة اقتصادية أوسع يمكن أن تتجلى آثارها بانخفاض مفاجئ وغير منضبط لقيمة الدينار، قد تلحق الضرر بملايين الليبيين. ومن المرجح أن يؤدى كل هذا لأزمات أمنية جديدة ويفاقم من السلوك الافتراسى للميليشيات التى تدفع الدولة رواتب أفرادها، علاوة على بروز اقتصاد موازٍ (خصوصا من خلال التهريب) وحدوث تدفقات جديدة من اللاجئين.

وتعتقد الورقة أنه حتى مع استمرار المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وفاق وطنى، ينبغى اتخاذ عدة خطوات، تتضمن كحد الأدنى ما يلى:

• التأكيد من جديد على تصميم المجتمع الدولى على أن يكون هناك مصرف مركزى ليبى واحد ومؤسسة نفط وطنية واحدة ومؤسسة استثمار ليبية واحدة تقوم حكومة الوفاق الوطنى بتعيين كبار المديرين فيها، وأنه لن يتم التساهل حيال عمليات بيع النفط أو إبرام العقود خارج القنوات الرسمية؛

• منح الأولوية للإدارة الاقتصادية فى المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة من أجل ضمان الموافقة على السياسة الاقتصادية قصيرة الأمد والإدارة المؤقتة للمؤسسات الرئيسة. وينبغى القيام بذلك فى مسار تفاوضى منفصل، يشارك فيه ممثلو كلتا السلطتين وبدعم من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى.

• التوسط من أجل التوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق نار محلية، بالتوازى مع المسار الأمنى فى المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة، أو من خلال قنوات أخرى كلما كان ذلك مناسبا، من أجل زيادة المداخيل على المدى القصير، وذلك من خلال السماح بإعادة فتح حقول النفط والأنابيب ومنشآت التصدير المغلقة. كما ينبغى التفاوض على الترتيبات الأمنية لإصلاح وإعادة فتح المنشآت المتضررة على المدى البعيد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل