المحتوى الرئيسى

البرلمان وإلغاء اتفاقية مبادئ سد النهضة

12/24 22:13

كبرى إشكاليات «سد النهضة» تتمثل فى تباين موقف الدولة منه؛ «مبارك» هدّد بتدميره، المجلس العسكرى تجاهله، وكأنه يُقام على الأمازون، الإخوان زايدوا عليه، وشنّ كبيرهم «حرب أتارى» من غرفة عمليات «الرئاسة»، «السيسى» متفهم لأبعاده الاستراتيجية، لكنه حريص على ألا تنعكس إدارته للأزمة سلباً على محاولاته للعودة إلى الأشقاء الأفارقة بعد سنوات غياب، فالتزم التهدئة وطول النفس.. عندما وقّع «إعلان مبادئ سد النهضة» بكل ما ينضح به من حسن نوايا، كان مطمئناً إلى أن البرلمان المقبل يمثل صمام أمن لإسقاطه، إذا لم تتجاوب معه إثيوبيا بشكل إيجابى.. الناخبون اختاروا 70 نائباً من الجنرالات وذوى الخلفية الأمنية، مما يعكس تقديرهم خطورة التهديدات التى نتعرّض لها، وعلى رأسها سد النهضة.. خبراء السدود والرى والاستراتيجية، لا تنقطع إطلالاتهم، على القارئ والمشاهد والمستمع، لكنهم لم يُعَرّفوهم بالسد، رغم أن حجم الأزمة ومخاطرها لا يمكن إدراكه دون ذلك.

روح العداء طغت على تصميم السد، وانعكست على مواصفاته الفنية، د. مهندس محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود والسواحل بجامعة يونيتين بماليزيا، كشف أن إعلان إثيوبيا انتهاءها من نصف أعمال البناء، يتعلق فقط بالسد الخرسانى الذى يحجز 14 مليار متر مكعب، فتحاته لا تقع أسفله كباقى سدود العالم، بل أعلاه، عند ارتفاع من 142 إلى 145م، مما يعنى أنها تأخذ من مياه السطح كفتحات المفيض!!، إلا أن هناك سداً آخر ركامياً، لا تزال أعمال بنائه فى بدايتها، ارتفاعه 50 متراً، وطوله 5000 متر، رغم أن سدود التحويط لا تزيد عادة فى العالم على 300 متر، يمتد فوق الحدود المنخفضة إلى خزان البحيرة، للتحويط على الارتفاع الزائد «85 متراً».

اللجنة الدولية لمراجعة دراسات السد وتعديل مواصفاته، تشكلت فى مايو 2012، كل ما قدمته لها إثيوبيا دراسات تمهيدية، غير متكاملة، لم تتناول الآثار السلبية على دولتى المصب، وتأثيرات انهياره، وخلت من إشارة إلى السد الركامى وضمانات أمانه، لأن قرار بنائه اتُّخذ فى الاجتماع الذى نظمته المخابرات الأمريكية «أغسطس 2013»، بقاعدة دارمشتات بألمانيا لمواجهة ما سمّوه بـ«الانقلاب فى مصر».. اللجنة خلصت إلى ضرورة استكمال وتحديث الدراسات، وقدّمت توصياتها.. تغيير وتعديل أبعاد وحجم السد والتصميمات الهندسية.. وضع جدول بالتصرُّفات المائية المقترح تدفُّقها فى الأعوام المقبلة.. عمل دراسات تكميلية للتأكد من سلامة وزيادة معامل الأمان، ضرورة وجود احتياطات إنشائية تسمح بتوفير الحد الأدنى من احتياجات دولتى المصب، حال توقف محطات التوليد. بعد صدور التقرير أبدت إثيوبيا استعدادها للتوصل إلى مقترحات لمعالجة الخلافات حول التصميم، لإقناع مصر بعدم إعلان تفاصيله، لأن ما تضمّنه يمكن أن يشكل ضغطاً دولياً وإقليمياً عليها، وابتلعنا الطعم.

منظمة الأنهار الدولية المعنية بحماية الأنهار العابرة للحدود، انتقدت تدنى مستوى الدراسات الإثيوبية، واعتبرتها «لا تليق بسد بمثل هذا الحجم، مما يُنذر بكارثة».. تجربة إثيوبيا فى إنشاء السدود تعكس فشل سياساتها المائية، سد «جيبى» المقام على بحيرة «توركانا»، أحدث آثاراً بيئية مدمرة بكينيا، ورغم ذلك تمسّكت إثيوبيا بإنشاء لجنة وطنية، لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية، فتحفّظت مصر، وتوقّفت المفاوضات، حتى التقى «السيسى» و«ديسالين» بمالابو فى يونيو 2014، واتفقا على استئنافها، لكن إثيوبيا تمسّكت بعدم تنفيذ توصيات اللجنة بإجراء دراسات إنشائية تتعلق بالتصميم والارتفاع والسعة التخزينية والأمان، ورفضت وقف أعمال البناء. نهاية العام تحركت التربة تحت جسم السد، مما اضطر الشركة الإيطالية المنفّذة إلى حقنها، ربما تأجيلاً للكارثة!!

مصر رفضت التوقيع على اتفاقية عنتيبى الإطارية، لتمسُّكها بحصتها المحدّدة بالاتفاقيات الدولية (1902 و1929 و1959)، وبمبدأ إخطارها مسبقاً بالمشروعات المزمع إقامتها بدول أعالى النيل، لكنها وقّعت اتفاق إعلان المبادئ مع إثيوبيا والسودان بالخرطوم فى مارس 2015، رغم ما تتضمنه مبادئه العشرة من تنازلات. الاتفاق أعطى الشرعية للسد، بمواصفاته الإثيوبية، وجرّد دولتى المصب من القدرة على تعديلها، ألغى الحصص التاريخية، واعتمد مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب، وفق معايير لا يسهل تطبيقها، لا يُحدد إجراءً قانونياً حال مخالفة مبادئه، ولم يتضمّن تحديداً لقواعد اللجوء إلى آليات التقاضى الدولى، وقصر آليات التسوية للمنازعات على المشاورات، التفاوض، التوفيق، الوساطة، وإحالة الأمر إلى عناية الرؤساء!! جميعها غير ملزمة، ولا تتضمن إشارة إلى العقوبات أو التعويضات حال التسويف والمماطلة.. أعطى إثيوبيا حق التدخل لضبط قواعد التشغيل، دون ضوابط تتعلق بمصالح الأطراف الأخرى!! لم يتضمن التزام الأطراف بنتائج وتوصيات الدراسات الفنية والاستشارات العالمية، واكتفى بالإشارة إلى احترامها!!.. جامل إثيوبيا بتقدير جهودها فى تنفيذ توصيات لجنة الخبراء!!.. رغم عدم إطلاعها الأطراف الأخرى على أى دراسات تبرّر استحقاقها للتقدير!!.

إثيوبيا تروّج أن معارضة مصر للسد تعكس رفضها تنمية المجتمعات الأفريقية، رغم أن مصر خلال التسعينات أجرت دراسة مشتركة مع إثيوبيا والسودان لإقامة مشروع مشترك للطاقة الكهرومائية، واقترحت موقعين: الأول قرب الموقع الحالى للسد، والآخر بمنطقة دال شمال السودان، فضّلت الموقع الأول، وبدأت مجموعة «سكوت ويلسون» الفرنسية فى دراسة المشروع بتمويل من البنك الأفريقى، لكن إثيوبيا أوقفته بضغوط خارجية، وبدأت فى إعداد مخططها منفردة عام 2000.. إثيوبيا تروّج أن مصر تطالب بحقوق تاريخية تستند إلى اتفاقيات عقدتها الدول الاستعمارية قبل الاستقلال، رغم أن حقوقنا تستند إلى ما استقر عليه المجتمع الدولى بشأن توارث المعاهدات، الذى قنّنته قواعد هلسنكى 1966 بشأن الأنهار، واتفاقيتى فيينا 1978، واﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ١٩٩٧ بشأن اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﺠﺎرى اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ، واتفاقية 1929، التى وقعتها دول حوض النيل مع مصر وليس مع إنجلترا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل