المحتوى الرئيسى

كتاب: الفاطميون ليسوا أول من احتفل بالمولد النبوي!

12/23 15:36

 أرض للاحتفال بالسودان..وفي الصين يشبه احتفالات اﻷعياد!

كرنفالات في ماليزيا..واﻷرز باللبن في مصر

احتفالات الفاطميين هزيلة..وملك إربل من أحياها

العثمانيون أهملوا الاحتفال..ونابليون تقرب للمصريين بإعادته

أبراج من الخشب وعشرة آلاف مثقال ذهب في احتفالات الملك المظفر

سرادق الملك قايتباي يشيده 500 رجلاً من البحارة المصريين!

“هذا كتاب عن الفرح والسرور! وأى شئ أولى بالفرح من يوم بسط الله فيه يده بالرحمة لجميع خلقه حين بعث محمداً.. في هذا الكتاب تجد الأفراح.. أفراح الأمة بنبيها, وبمولده الذي لولاه لما كان هناك إسلام ولا شئ.. ذاك الذي لولاه ما كان امرؤ... كلا ولا شئ من الأكوان”.

هكذا يبدأ محمد خالد ثابت كتابه “تاريخ الاحتفال بمولد النبي ومظاهره في العالم” الصادر عن دار المقطم للنشر، ويتناول فيه تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف; ومظاهر الاحتفال في العصر الحاضر. ويؤكد الكاتب أن الدنيا لم تعرف يوما أهم.. ولا أعظم.. ولا أنور.. ولا أبهج.. ولا أسعد.. من يوم ولد فيه محمد.

وتعد هذه المناسبة عطلة رسمية في عدة دول، منها الجزائر، المغرب، سوريا، مصر، ليبيا، الأردن، وتونس، والإمارات.

في السودان هناك أرض مخصصة للاحتفال بهذه المناسبة العظيمة، حيث تنصب الخيام وتتلألأ الأنوار فيها، وترفع الرايات وتسير المواكب الصوفية، يتقدمها رجالات الدولة ومشايخ الطرق الصوفية والموسيقى العسكرية، يتبعهم حملة الزي الصوفي والشارات والإعلام، وصولًا إلى أرض الاحتفال، حيث تبدأ الدروس والحضرات وقصائد المديح، التي تمتد حتى الليلة الأخيرة، التي تختتم بصلاة الصبح. أما في المغرب، فترتبط هذه المناسبة بأكل “الكسكس”، وزيارات الأقارب وشراء الملابس الجديدة.

وتتميز مظاهر الاحتفال في ماليزيا، بكرنفالات تتخللها المواكب الضخمة في الشوارع، وتتزين المنازل والمساجد بالزينات والأنوار، ويتم توزيع الصدقات على الفقراء، ويقدم طلاب المدارس وصلات شعرية يتغنون فيها بسيرة الرسول الكريم.

وفي الجزائر، يعتبر المولد النبوي احتفال رسمي وشعبي للحفاظ على الهوية، وهو من المظاهر الراسخة فى أذهان الجزائريين، واستمرار الشعب الجزائري في إحياء هذه المناسبة، التي شكلت مظهرًا من مظاهر تمسكهم بهويتهم الجزائرية.

وفي تركيا، تبدأ مظاهر الاحتفال بهذا اليوم بعد صلاة العشاء، خاصة في المساجد الكبيرة، حيث تقام مراسيم الاحتفال الكبيرة، وتتسابق القنوات التلفزيونية من أجل الاشتراك في إحياء هذا اليوم عن طريق البث المباشر، فتبث القرآن الكريم والصلوات الشريفة، والخطب عن سيرة النبي.

وفي الصين، يعتبر هذا اليوم بمثابة عيد، حيث تتشابه الاحتفالات فيه بعيد الفطر وعيد الأضحى وعيد رأس السنة الهجرية، ويتوجه كافة أفراد الأسرة لأداء الصلاة في المساجد، وإحياء سيرة الرسول عبر الخطب والمحاضرات، ثم يتم تقديم الحلوى والأطعمة الصينية التقليدية في كل منطقة.

أما في مصر، تعتبر حلوى المولد النبوي، أحد أهم مظاهر الاحتفال الشعبي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وتقام الخطب الدينية ويتلى القرآن الكريم في المساجد.

قال الجبرتي: ولأهل مصر سنن وطرائق في مكارم الأخلاق، لا توجد فى غيرهم.. ولهم عادات فى أيام المواسم، مثل: أيام رجب، والمعراج، ونصف شعبان، وليالى رمضان، والأعياد، وعاشوراء، والمولد النبوى الشريف، فكانوا يطبخون الأرز باللبن، ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة، ويفرقون منها على من يعرفون من المحتاجين.

وكان يجتمع فى كل بيت الكثير من الفقراء، فيوزعون عليهم الخبز، ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة، ويعطونهم بعد ذلك دراهم.. وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية، والشريك: على المدافن والترب، فى الجمع والمواسم.

عارض المؤلف من يقولون بأن الفاطميين هم أول من احتفل بمولد النبى..فقال أن احتفالاتهم بالمولد كانت هزيلة لا تتناسب مع جلال المناسبة، وأن اهتمامهم الأكبر كان بالمناسبات والأعياد الشيعية، واستشهد بما جاء في كتاب “الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي” للدكتور عبد المنعم سلطان عام 1992 الذي وصف لاحتفالات آنذاك فقال:

“اقتصر احتفال المولد النبوى فى الدولة الفاطمية بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل فى موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم”.

ونقل عن مؤرخى الإسلام قولهم بأن الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى ملك إربل الذي توفى سنة 620 هـ هو أول من احتفل بالمولد، في زمن السلطان صلاح الدين الأيوبى, وكيف أثنى عليه العلماء ثناءً عاطراً بسبب ما أبدى من اهتمام بالغ بهذا الاحتفال، وما أنفق فيه من أموال طائلة، وما بذل فيه من أوجه البر والصدقات وإطعام الطعام وغير ذلك مما أطنب المؤرخون في وصفه، ربما كان ذلك لعدم وجود وجه للمقارنة بين احتفالاته العظيمة وبين احتفالات الفاطميين الهزيلة لأن اهتمامهم الأكبر كان بالمناسبات الشيعية، وذكرى مولد الخليفة الفاطمى وعيد جلوسه على العرش وهكذا.

يقول الإمام النووى: “ومن أحسن ما ابتدع في زماننا – يقصد ملك إربل - ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور.

قدم صلاح الدين إلى مصر مع عمه أسد الدين شيريكوه فى حملة عسكرية، كان على صلاح الدين أن يعيد مصر إلى سُنّة النبى بعد مائتى عام قضتها بعيدة عنها تحت وطأة الحكم الشيعى. ومن ضمن الإجراءات التي اتخذها في هذا السبيل أن أوقف جميع الاحتفالات التى كانت قائمة لدى الفاطميين مثل عيد غدير خُم وذكرى كربلاء وغيرها من الأعياد، بما فى ذلك مولد النبى، حتى يُنسى الناس العادات الشيعية فى الاحتفال.

والذي يدّعى أن صلاح الدين أوقف الاحتفال بمولد النبى، لأنه بدعة إنما بيّن قصور معرفته بالتاريخ، وانعدامها تماما بصلاح الدين الشافعى مذهبا، والأشعرى اعتقادًا، و الصوفى سلوكًا.

الملك المظفر هو بطل حطين، وأعظم قواد صلاح الدين، ولكنهم يذكرون على رأس فضائله احتفاله العظيم بمولد سيدنا رسول الله، حتى كان العلماء والفقراء وأهل الفضل يقصدون إلى إربل قبل موعد المولد بزمان ليشهدوا الفرحة والبهجة والسرور وأنهار الخير والبر تفيض على الناس.

كتب ابن خلكان عن احتفاله بمولد النبى، أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه، فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول”.

ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب كل قبة أربع أو خمس طبقات، ويعمل مقدار عشرين قبة وأكثر، منها قبة له، والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وقعد في كل قبة جوق من المغانى وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهى، ولم يتركوا طبقة من تلك الطباق في كل قبة حتى رتبوا فيها جوقًا، وتبطل معايش الناس فى تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم”.

” فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا زائدًا عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغانى والملاهى حتى تأتى بها إلى الميدان، ثم يشرعون فى نحرها، وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة”.

فإذا كان صبيحة يوم المولد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك إلى الموضع الذى فيه الناس والكرسى، وشبابيك أخرى إلى الميدان، وهو ميدان كبير فى غاية الاتساع، ويجتمع فيه الجند ويعرضهم ذلك بالنهار، وهو تارة ينظر إلى عرض الجند وتارة إلى الناس والوعاظ”، فإذا فرغوا من هذا الموسم تجهز كل إنسان للعود إلى بلده، فيدفع لكل شخص شيئًا من النفقة.

وكان احتفال الظاهر برقوق لا يقل عن ذلك، ففي شهر ربيع اﻷول تُزين القاهرة، وقامت الدولة بالنفقات الواسعة، والمخصصات البالغة، وبذلت من المبرات وضروب الخيرات، ما عم الناس جميعًا، من إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج فى هذا الموسم العظيم، فبالغوا في تحسين الزينات الباهرة، وإقامة الولائم الفاخرة، وتوزيع الأموال الجمة فى وجوه الخير وصنوف الصدقات.

“وروى السخاوى عمن شهد هذا الاحتفال قال: ما أنفق فى تلك الليلة على القراء الحاضرين وغيرهم، نحو عشرة آلاف مثقال من الذهب، وقد استمر الاحتفال بالمولد النبوى فى مواعيده المقررة، وعلى هذه الرسوم الفخمة طوال عهد السلطان برقوق.

أما السلطان جقمق الذي تولى عرش السلطنة المصرية فى سنة 842ه 1438م، فصرف همته إلى إحياء ذكرى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، فقد كان أهل الإسلام، كانوا يتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون فى المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم..!

“وقال العلامة على مبارك باشا فى خططه: “إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف زاد فى عهد السلطان الظاهر أبى سعيد جقمق على ما كان عليه فى عهد الظاهر برقوق، لا سيما فى النفقات والمبرات، وتنويع الخيرات وتوزيع الصدقات”.

سرادق السلطان قايتباي تحفة فنية!

السلطان الملك الأشرف قايتباى الذى تولى عرش السلطنة المصرية فى سنة 872ه 1468م فقد كان فارس هذا الميدان، فقد صرف همته العالية فى إحياء ذكرى المولد النبوى الشريف بصورة لم يسبقه إليها سابق، فقد أمر بصنع سرادق، خاصًا بالاحتفال بذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام. وعهد بصنعه إلى مهرة الصناع من المصريين، فنهضوا فى إجادته إلى ما وراء الغاية، وبذلوا فى إتقانه كل ما عرف عنهم من البراعة والإتقان، حتى جاء آية من آيات الصناعة المصرية، ومعجزة من معجزات الفن المصرى، فكان فى صنعه والافتنان فيه، مما لم يعهد له مثيل فى الدنيا.

وكان صنع هذا السرادق العديم النظير، من القماش السميك المنسوج من القطن المصرى وعلى ما هو معروف إلى اليوم فى صناعة الخيام المحكمة النسج غير أنه كان من القطن الخام الجيد الحلج، وتنافسوا في تحليته بالرسوم البديعة، والأشكال الرائعة، والنقوش المشرقة، والحلى الفائقة.

كان عند ما يُراد إقامته فى أيام المولد، لا يستطيع أن يستقل بتشييده وترتيبه، وتثبيت أساطينه، وشد أطرافه، وتركيب أستاره: أقل من خمسمائة رجل من أشداء الرجال، كان يؤتى بهم من بحارة الأسطول المصرى المختارين!.

“قال ابن إياس: إن الأشرف قايتباى أنفق على هذه الخيمة (أى هذا السرادق) أكثر من ستة وثلاثين ألف دينار. وكان من أهم شعائر الدولة المصرية وأجلها.

وكان السلطان الغورى طوال عهده، عند حلول شهر ربيع الأول من كل سنة يأمر بإقامة السرادق الأشرفى العظيم بالحوش السلطانى الكبير من قلعة الجبل، وإعداده بكل ما من شأنه أن يجعل الاحتفال بالمولد فخمًا كريمًا، وعند حلول الوقت المعين للاحتفال -وكان ذلك بعد صلاة العصر- يصعد الخليفة العباسى المصرى إلى القلعة فى ركبه العظيم، ويدخلون السرادق الأشرفى، ثم يبدأ القراء فى تلاوة آى الذكر الحكيم بأصواتهم الجميلة، يليهم خطباء الوعظ والإرشاد فيلقون على الناس الأقوال المأثورة فى الأوامر والنواهى الدينية، ثم يقوم أرباب الطرق الصوفية بتلاوة أورادهم وأدعيتهم، وكل فريق يؤدى خدمته المخصص بها.

وفى بدايات العصر العثمانى اعترى الاحتفال بعض الفتور على المستوى الرسمى، ولكنه، على المستوى الشعبى، كان يسير على حاله. يقول السندوبى فى ذلك:

“وظل نواب السلطنة العثمانية وولاتها على مصر بعد خير بك يقومون بمراسم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بين العناية والتقصير، حسب الظروف والأحوال، كل على قدر همته من الرفعة والتدنى. إلى نهاية الحكم العثماني، على أن الأمة المصرية كانت تقوم من جانبها بما تقصر عنه همم الولاة من أهل الخمول والقصور”.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل