المحتوى الرئيسى

تظاهرات إثيوبيا: طبيعة الاحتجاجات .. وهل لها علاقة بسد النهضة؟ - ساسة بوست

12/22 12:47

منذ 32 دقيقة، 22 ديسمبر,2015

بدأت العديد من الصحف والمواقع المصرية في اليومين السابقين التركيز على ما يحدث في إثيوبيا من تظاهرات واسعة تسببت في مقتل العشرات نتيجة مواجهتها بالقوة من قبل الشرطة والجيش الإثيوبي. العديد من الصحف المصرية أعلنت أن المتظاهرين يعترضون، من ضمن جملة اعتراضات أخرى، على إنشاء سد النهضة وأنهم قاموا برفع العلم المصري خلال المظاهرات، وذهبت مواقع مصرية لأبعد من هذا بالإشارة لدور مصري في دعم هذه المظاهرات.

ما هي الحقيقة، وما الذي يحدث في إثيوبيا تحديدًا؟

أصدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريرًا يوم السبت الماضي أعلنت فيه سقوط أكثر من 75 قتيلًا على مدار عدة أسابيع من التظاهرات التي تشهدها بعض المناطق الإثيوبية. وأشارت المنظمة إلى أن سبب سقوط القتلى يعود إلى إطلاق النار عليهم من قبل قوات الشرطة والجيش الإثيوبيين. ولم يصدر من الحكومة الإثيوبية أي تعليق على هذا التقرير حتى اللحظة، لكنها كانت قد أشارت في وقت سابق إلى سقوط 5 قتلى فقط، إذ أعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة أن “المظاهرات السلمية التي بدأت الشهر الماضي تحولت إلى العنف”، متهمًا المتظاهرين بالقيام بأعمال ترهب المواطنين على حد وصفه.

وقد تلقت هيومان رايتش ووتش تقارير مؤكدة بأن قوات الأمن قامت بإطلاق النار على عشرات المتظاهرين في منطقتي شيوا وووليغا التي تبعدان حوالي 100 كيلومتر جنول غرب العاصمة أديس أبابا، في بدايات الشهر الحالي، حيث يشير شهود العيان إلى أن قوات الأمن تركت جثث بعض المتظاهرين ملقاة في الشوارع.

ووصفت المنظمة إطلاق اسم “الإرهابيين” على المتظاهرين السلميين، ونشر مجموعات من الجيش الإثيوبي بأنه أمر خطير قد يؤدي لانفجار الأوضاع وخروجها عن السيطرة.

وبدأت هذه المظاهرات في شهر نوفمبر الماضي عندما قام طلاب بالاعتراض على مقترحات الحكومة فيما يتعلق يالاستيلاء على أراضٍ بعدة بلدات ضمن منطقة “أوروميا”، هذه المقترحات التي أثارت مخاوف من قيام الحكومة الإثيوبية بانتزاع الأراضي التي يعيش عليها شعب الأورومو منذ القدم. الشرارة كانت تحديدًا عندما قامت الحكومة بإخلاء وتطهير منطقة غابات من سكانها الأصليين من أجل تسليمها للمستثمرين الأجانب، ليقوم البعض بالاشتباك مع القوات الحكومية، ليتسع نطاق التظاهرات تدريجيًا في عدة مناطق متضررة أو تخشى حدوث المثل.

هذه المظاهرات اندلعت في مدن هارامايا وجارسو وواليسو وروبي بشكل أساسي بالإضافة لمدن صغيرة أخرى.

وتتميز المظاهرات الحالية بأنها أكبر بكثير وأكثر تنوعًا بشكل واضح من المظاهرات الأولى، كما أنها اتسمت بتبادل للعنف إذ قام المتظاهرون بحرق مراكز للشرطة ونهب بعض المزارع المملوكة لأجانب. وقد أبدت بعض المواقع الإخبارية الأجنبية ملاحظة هامة تتمثل في رد فعل لحكومة، فبدلًا من أن تقوم الحكومة بترك الأمر للشرطة المحلية، قامت الحكومة بإرسال قوات مكافحة الإرهاب بالإضافة لقوات من الجيش.

وحتى نفهم بشكل أكبر أسباب وصول الإثيوبيين إلى هذه التظاهرات ورد الفعل الحكومي عليها، فمن المعروف أن هناك زيادة سكانية كبيرة في العالم وهو ما يتطلب زيادة حجم الأراضي المزروعة لتسد احتياجات الناس من الغذاء. حوالي 60% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة حول العالم تتواجد في القارة الإفريقية. في إثيوبيا تقوم الحكومة حاليًا بتأجير مساحات واسعة من الأراضي لمستثمرين أجانب من الهند والصين وبعض دول الشرق الأوسط، وذلك عبر قوانين أقرتها الحكومة مؤخرًا. قانونيًا أيضًا فإن الحكومة الإثيوبية تملك جميع الأراضي الزراعية، لكن جزء كبير من هذه الأراضي في نفس الوقت هي موطن قديم ودائم للكثير من القبائل والجماعات، حتى قامت هذه القبائل باتهام الحكومة بأنها “تستولي على أراضي الأجداد والآباء”، ونتيجة لتهجير الحكومة لبعض أفراد القبائل من هذه الأراضي اتخذت الأزمة طابعًا عريقًا واضحًا وهو ما يتضح مع قبيلة الأوروميو، أكبر المجموعات العرقية في إثيوبيا.

هناك عامل آخر هام يراه المحللون سببًا وراء اندلاع هذه التظاهرات. ظاهرة “إل نينيو” المناخية التي تضرب مناطق واسعة من العالم حاليًا تسببت في تفاقم حالة الجفاف في إثيوبيا وبالتالي شح الغذاء بشكل كبير. الحكومة الإثيوبية كانت قد أعلنت أن هناك 10 مليون إثيوبي سيتأثر بهذه العوامل وما ينتج عنها من جفاف، غالبية هؤلاء يعيشون في منطقة أوروميا. هذا الأمر سيؤدي بالتأكيد لتفاقم التوترات في هذه المقاطعة.

كيف هذا؟ لا تنسَ أن هناك سابقة تاريخية مشابهة تتعلق بالمجاعة الكبرى التي ضربت إثيوبيا عام 1984 وتسببت في الإطاحة بالحكومة والنظام العسكري الماركسي.

ومقاطعة أوروميا هي واحدة من المقاطعات التسعة المبنية على أساس عرقي في إثيوبيا. تبلغ مساحتها 285 ألف كيلومتر مربع وهي منطقة شاسعة تبلغ ربع مساحة إثيبوبيا تقريبًا. ويبلغ عدد السكان في هذه المقاطعة 27 مليون نسمة مما يجعلها أكثر المقاطعات الإثيوبية ازدحامًا بالسكان. من بين هؤلاء السكان لا يوجد سوى 3 مليون شخص يعيشون في مناطق حضرية، هذه النسبة القليلة لسكان الحضر تمثل عاملًا مؤثرًا في وصول البلاد ومنطقة أوروميا إلى المجاعة. وحتى يمكن تلافي مثل هذه الحوادث مستقبلًا فإن خبراء الأمن الغذائي يفضلون نقل جزء كبير من سكان الريف إلى المراكز الحضرية، خصوصًا مع طبيعة الأراضي الزراعية الفقيرة والتي لا تحظى بالرعاية المناسبة، والتي يمكن أن تتأثر بسهولة بالتغيرات المناخية.

تقطن في هذه المقاطعة عدة قبائل أبرزها قبيلة الأورومو التي تشكل 88% من إجمالي السكان، مقابل 7% من قبائل الأمهاراونسبة لا تتجاوز 1% من قبائل غوراجي. ومن حيث الديانة فيمثل المسلمين نسبة 48% من إجمالي السكان مقابل 31% من المسيحيين الأرثوذكس و18% من المسيحيين البروتستانت، والبقية تتنوع بين الديانات التقليدية.

وتحتوي هذه المقاطعة على ثروات طبيعية كبيرة تنتج هذه المقاطعة 115 ألف طن من القهوة تمثل أكثر من نصف إجمالي إنتاج البلاد منها. أيضًا تحتوي المقاطعة على 17 مليون رأس من الماشية التي تمثل 44% من إجمالي الماشية بالبلاد. ويتملك فلاحو هذه المقاطعة متوسط 1,14 هكتار من الأراضي الزراعية لكل شخص، بينما متوسط التملك القومي في البلاد يبلغ 1.01 هكتار للفرد.

طبيعة الوضع السياسي في إثيوبيا

في العقد الأخير سمحت السلطات الإثيوبية بقدر ضئيل جدًا من حرية التعبير عن الرأي. فانتقاد الحكومة قد يكون ثمنه هو قضاء سنوات في السجن بتهمة الإرهاب، وهو ما حدث بالفعل لعدد من الصحفيين الإثيوبيين.

من ناحية أخرى، فإن الانتخابات البرلمانية التي عقدت في شهر مايو الماضي شهدت حصول الحزب الحاكم والأحزاب المؤيدة له على نسبة 100% من مقاعد البرلمان، وهو ما يعكس عدم ترك أي متنفس معارض في البلاد.

من هنا يمكن فهم رد فعل الحكومة الإثيوبية على التظاهرات التي تراها تهديدًا مباشرًا للبلاد. هذا الأمر تم ترجمته بوضوح عبر بيان نشرته قوات مكافحة الإرهاب واصفةً ما يحدث بأنه “أفعال عدد قليل من الطلاب الانفصاليين المنتمين لجمعة الأورومو العرقية، والتي تتلقى دعمًا مباشرًا من جهات خارجية”. في اليوم التالي مباشرةً أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أن الحكومة ستتخذ إجراءات رادعة وبلا رحمة ضد أي تهديد لأمن البلاد.

هذه الإجراءات تظهر عدم وجود أي نية من قبل الحكومة، ليس للاستجابة لمطالب المتظاهرين، لكن حتى لمجرد إمكانية الجلوس مع المتظاهرين للنقاش حول المطالب.

بعض الشخصيات المعارضة للحكومة الإثيوبية في الخارج وتحديدًا ضمن الجالية الإثيوبية بالولايات المتحدة الأمريكية وصف ما يحدث في إثيوبيا بأنه انتفاضة طال انتظارها من قبل شعب الورومو ضد الحكومة. وعلى الرغم من هذا فهم يعارضون بشدة وصف الحكومة للتظاهرات بأنها صراع عرقي. هؤلاء المعارضين أطلقوا وصف ثورة سياسية من قبل مجموعة عرقية كبيرة ومهمشة. وقد ذكر هؤلاء أن المتظاهرين يأخذون كامل حذرهم من استهداف أي عرقيات أخرى.

كيف نظر الإعلام المصري للأحداث في إثيوبيا

وقد استغل عدد من المواقع الإخبارية المصرية هذه الأحداث في محاولة لربطها بقدرات مصر الاستخباراتية وقضية مشروع سد النهضة الإثيوبي. بعض تلك المواقع تناولت خبرًا يفيد بـ”توقف البناء في سد النهضة” بعدما قام المتظاهرون بإغلاق كل الطرق المؤدية للسد بمنطقة “بني شنقول” قرب الحدود السودانية.

موقع مصراوي نشر تصريحات للدكتورة نانسي عمر، المنسق العام لمشروع تنمية إفريقيا وربط نهري النيل والكونغو، أطلقت فيها على ما يحدث هناك اسم “ثورة” وأشارت إلى تواصلهم بشكل مباشر مع شعب الأومورو. وأوضحت عمر في تصريحاتها إلى حاجة شعوب الأومورو إلى دعم الدولة المصرية بشكل كبير.

عمر ذهبت أبعد من ذلك عندما أشارت إلى وجود “شلل تام بالحياة في إثيوبيا بعد نزول الجيش بأعداد كبيرة وبقوة مفرطة”، لكن لم تقم أي وكالة أنباء أو مصادر مستقلة بتأكيد هذه الأنباء التي يتداولها الإعلام في مصر.

ويبدو أن عمر كانت هي الضيف الوحيد المختص بهذا الشأن على غالبية المواقع والقنوات الفضائية، حيث ظهرت في إحدى القنوات التليفزيونية المصرية منذ يومين لتؤكد أن الإثيوبيين “غير موافقين على مشروع سد النهضة”، وأنه “في حالة إسقاط الحكومة فسيتم عمل اتفاقية جديدة مع مصر لزيادة حصتها من مياه النيل”، بيد أن هذه السردية لم ترد عن أي مصادر مستقلة إلى الآن.

من جانبه فقد نقل موقع “مصراوي” تصريحات على لسان جومادا سوتي، المتحدث باسم جبهة تحرير مورو والمتواجد بالعاصمة المصرية القاهرة، قال فيها إن ما يحدث هناك هو ثورة شاملة تهدف لإسقاط النظام الحاكم، وأن الحياة هناك متوقفة بشكل كامل. وأخطر ما ذكره سوتي هو أن هناك بعض المناطق التي تحررت من قبضة الحكومة المركزية بالفعل بعد انضمام عناصر من الجيش والشرطة إلى الثورة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل