المحتوى الرئيسى

نفق «أحمد حمدى»: الصيانة تعطل مرور السيارات.. والعبور يستغرق 48 ساعة

12/20 11:08

سيارات محملة بأطنان من البضائع، وأوتوبيسات أخرى بها ركاب وسيارات خاصة، تتخذ طريقها على طريق القاهرة - السويس الصحراوى، تتجه عند «الكيلو 109» متجهة للعبور من الجهة الغربية إلى الجهة الشرقية من قناة السويس، الوصول إلى مدخل نفق الشهيد أحمد حمدى الذى يخضع حالياً لبعض أعمال الصيانة التى بدأت منذ ما يقرب من شهرين، وهو ما يسبب حالياً أزمة خاصة لسيارات النقل أثناء رحلة العبور من داخل النفق وصولاً إلى سيناء والعودة مرة أخرى.

تبدأ رحلة المرور داخل النفق بتجمع السيارات وخضوعها للتفتيش من قبل قوات الجيش والشرطة، فى مكان يبعد عشرات الأمتار، قبل الانتقال لعبور نفق الشهيد أحمد حمدى، عمليات الصيانة التى تجرى داخل النفق، فرضت على السيارات المرور سيارة واحدة فقط فى كل اتجاه، نتيجة عمل اتجاه واحد فقط داخل النفق، فتعبر السيارات ذهاباً وإياباً من اتجاه واحد، تتجمع السيارات ناحية الغرب لمدة ساعة حتى تمر السيارات من الجهة الشرقية، والعكس بعد ذلك. لكن منذ بداية الإصلاحات داخل النفق، والسيارات النقل تظل فى الشارع منتظرة دورها فى العبور لنحو أكثر من يومين كاملين.

«البيلى»: «كنت باعمل فى الأسبوع 4 حمولات ودلوقتى حمولة واحدة بالعافية».. و«سيد»: «ده وقف حال والنقل التقيل اقتصاد بلد بحالها»

تطول ساعات الانتظار، يضطر الركاب للنزول من الأوتوبيسات وأخذ أماكن للجلوس على الرصيف، بجوار مجموعة من المبانى مكتوب عليها «ممنوع التصوير»، المنطقة تخضع جميعها لحماية قوات الجيش، وكاميرات مراقبة موضوعة على الجهتين يميناً ويساراً، أما السائقون فكل منهم يجلس داخل الكابينة الخاصة به فى السيارة.

الساعة تقترب من 12 ظهراً، داخل سيارة نقل فى طريقها لتحميل «شكائر الأسمنت» من سيناء، تنتظر على الجهة الغربية من قناة السويس، يجلس على مقعد السيارة رجل خمسينى، يرتدى جلباباً رمادى اللون، يخط وجهه الأسمر شارب أبيض صغير، يمسك «طارة» السيارة وينتظر دوره فى المرور داخل النفق، يبدأ الرجل حديثه قائلاً «أنا صاحى إمبارح من الساعة 2 بالليل عشان آجى أقف الوقفة دى وأستنى دورى وأعدى النفق».

يقول محمد عبدالحميد البيلى، إنه يعمل سائقاً على سيارات النقل منذ كان يبلغ من العمر 12 عاماً، وحالياً يعمل على هذه السيارة التى يحمل عليها شحنة من الأسمنت من داخل مصنع أسمنت الخدمة الوطنية بمدينة العريش، يتخذ الرجل طريقه فى كل مرة من داخل نفق الشهيد أحمد حمدى بالسويس، كان يعمل أسبوعياً على حمل 4 شحنات، لكن منذ بدأ العمل فى النفق لا يتجاوز عمل «عبدالحميد» سوى شحنة واحدة فى الأسبوع، فيقول «عبدالحميد»: «من وقت ما بدأت الإصلاحات جوه النفق ويا دوب يعدى 15 سيارة بس فى المرة الواحدة، والسيارات بتكون واقفة بالمئات».

يروى «عبدالحميد» الذى يعيش فى محافظة الشرقية، أن السيارات تنتظر فى الجانب الشرقى للقناة أكثر من يوم أو يومين على حسب الوقت المنتظر، قائلاً: «إحنا بنعانى وبنام فى الشارع، العربية الواحدة ممكن تقعد يومين عشان ترجع تانى بعد ما تحمل العربية من المصنع»، يضيف الرجل فى انفعال، أنهم يواجهون معاناة كبيرة أثناء العودة من سيناء، موضحاً أنه لا يستطيع المرور عبر المعديات، فهى أكثر صعوبة من النفق رغم عمليات الإصلاح التى تجرى فيه.

«إبراهيم»: «التصليحات شغالة فى اتجاه واحد وبيقولوا إنه هيخلص فى فبراير.. أمال الاتجاه التانى هيخلص إمتى؟»

يرى «عبدالحميد» أن حل الأزمة يكمن فى إعادة فتح كوبرى السلام الذى يربط المنطقتين الغربية والشرقية لقناة السويس، وهو ما يمكن فتحه للشاحنات المحملة بالحاويات المقبلة من ميناء شرق التفريعة، على أن يتم مرور السيارات المحملة بالأسمنت والجبس من سيناء داخل النفق، وهو ما سوف يخفض الضغط على النفق بنسبة لا تقل عن 60% من حجم النقل الثقيل الذى يتوجه إلى سيناء والعودة مرة أخرى.

«كنت بعمل فى الأسبوع 4 أو 5 حمولات دلوقتى هى حمولة واحدة فى الأسبوع»، يوضح الرجل الذى لديه 3 أولاد يعمل أصغرهم معه كمساعد فى السيارة، بينما الابن الأكبر تخرج من كلية التجارة ولم يجد عملاً، فاستخرج رخصة قيادة وبدأ عمله على سيارة أجرة، ويتوسط الاثنين ابنة تخرجت من كلية الآداب قسم لغة فرنسية، أنه يتقاضى مبلغ 200 جنيه على الشحنة الواحدة، فكان يعمل على شحن أكثر من شحنة فى الأسبوع وهو يدر له دخلاً مادياً جيداً يستطيع أن يعيش به، لكن تبدل الحال بعد الإصلاحات التى تجرى فى نفق الشهيد أحمد حمدى، نتيجة انخفاض عدد مرات العمل فى الأسبوع، مع زيادة الأكل والشراب الذى يكلفه أسبوعياً نتيجة الانتظار الطويل حتى يأتى دوره فى المرور، قائلاً: «دلوقتى الشغل قل، ومصاريف الواحد من أكل وشرب زادت بسبب القعدة فى الشارع عشان نعدى من النفق».

بجوار سيارة «عبدالحميد» تقف سيارة نقل أخرى، يجلس فيها سيد محمد، يبلغ من العمر 32 سنة، ، بعدما تخرج من كلية أصول الدين بجامعة الزقازيق، لم يجد عملاً بشهادته الجامعية، فقرر أن يرث مهنة أبيه كسائق على سيارات النقل الثقيل، يروى «سيد» معاناته مع العطلة اليومية التى بدأت منذ شهرين تقريباً نتيجة تعطل النفق قائلاً: «النفق شغال حارة واحدة، بنقف عليه إحنا ورزقنا، هنا فى الناحية دى ممكن 4 ساعات أو أكتر وهناك باليوم أو اليومين».

يقول «سيد»، المتزوج ولديه ولد وبنت، إنه يعمل على شحن «الجبس» من سيناء على سيارته الخاصة التى يعمل عليها، ويعمل بعد ذلك على توزيعه بالمحافظات، يوضح «سيد» أنه يمر داخل النفق وصولاً إلى سيناء، بينما يظل فى قائمة الانتظار على الضفة الشرقية من القناة لمدة تتجاوز 30 ساعة فى كل مرة، قائلاً: «أنا هعدى انهارده ممكن أحمل الحمولة بتاعتى، وأرجع آخر اليوم، لكن هفضل منتظر يومين لحد ماييجى دورى وأعدى».

«انت قاعد فى العربية لا منك نايم ولا سايق، انت قاعد منتظر وبس»، يروى «سيد» معاناة السائقين أثناء الانتظار فى طقس شديد البرودة أثناء الليل، فضلاً عن عدم وجود طعام أو شراب، أو مكان يستطيعون من خلاله قضاء حاجتهم، موضحاً أنهم ينتظرون ساعات طويلة داخل السيارة خاصة فى أوقات الليل من شدة البرودة، موضحاً أنه كان يعمل أكثر من 4 شحنات فى الأسبوع، ولكن انخفض عمله إلى شحنتين فقط، قائلاً: «الوقفة دى وقف حال، النقل التقيل ده اقتصاد بلد بحالها، زى ما فيه مرونة لسيارات السياحة، يفتحوا الكوبرى للملاكى والأوتوبيسات وسيب النفق للنقل بس».

دقات الساعة تشير إلى 12 والنصف ظهراً، بدأت السيارات فى تشغيل المحركات، والاستعداد للمرور من داخل النفق إلى الجهة الشرقية للقناة، يستغرق الوقت للوصول إلى ربع ساعة تقريباً فالسيارات تسير ببطء نظراً لشدة الازدحام وطبيعة حركة السير داخل النفق نفسه، فى نهاية النفق على الجهة اليمنى، توضع شارات مكتوب عليها «نأسف للإزعاج.. منطقة عمل».

عدد من العمال كل منهم يمارس عمله، فالمهمة التى يعملون على الانتهاء منها، هى إعادة رصف المداخل المؤدية إلى نفق الشهيد أحمد حمدى، وتمهيد هذه المداخل وإعادة تأهيلها، والتى تعمل عليها شركة المقاولون العرب، فطبيعة العمل خارج النفق وليست داخله، لكنها تمنع المرور فى الدخول من الحارة اليمنى فى الخروج إلى الجهة الشرقية أو العودة مرة أخرى.

فى الجهة الشرقية، الأمر أكثر صعوبة ومعاناة لكافة الموجودين، عشرات من سيارات النقل الثقيل المحملة بالبضائع تقف ضمن قائمة الانتظار لمسافات بعيدة عن مدخل النفق، جميعها يخضع للتفتيش من قبل قوات الأمن المسئولة عن أمن النفق، تلزم أوتوبيسات السياحة والسيارات الخاصة الممر الأيمن، بينما تتخذ سيارات النقل الثقيل مكانها فى الجهة اليسرى، ويعمل عساكر الجيش على دخول السيارات واحدة تلو الأخرى طبقاً للدور المحدد حينما يتم فتح النفق للعبور من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية لقناة السويس.

يقف رجل ستينى بجوار أوتوبيس سياحى، يستقل ركاباً عائدين من مدينة شرم الشيخ، التى يتحدث عنها أنها أصبحت أسوأ حالاً عقب حادثة تفجير الطائرة الروسية بسيناء فى نهاية شهر أكتوبر الماضى، فيقول إبراهيم محمود الرجل الذى يعمل سائقاً لإحدى شركات النقل السياحى، إنه يقود الأوتوبيس فى رحلة يومية من القاهرة إلى شرم الشيخ والعودة مرة أخرى إلى القاهرة، موضحاً أن الرحلة الواحدة كانت تستغرق 7 ساعات فقط، لكن بعدما بدأت الإصلاحات فى النفق زاد الوقت إلى 10 ساعات يومياً خلال الرحلة الواحدة، موضحاً أنها الوسيلة الأكثر سهولة للمسافرين وأقلها تكلفة، قائلاً: «الناس حتى لو هتركب وسيلة تانية مش هتروح تركب طيارات، فهما مغلوبين على أمرهم». موضحاً أنه يجب وضع حل للانتهاء من العمل فى أسرع وقت حتى تعود حركة السير إلى طبيعتها، قائلاً: «الكلام اللى بنسمعه أنه الاتجاه ده لسه هيخلص فى شهر فبراير، أمال لو عملوا الاتجاه التانى هنقعد قد إيه؟».

«شرم الشيخ وقعت مبقاش فيها سياحة خلاص، وطبعاً السياحة الداخلية مش كفاية»، يقول الرجل إنه كان يستقل معه سائحين من روسيا أثناء رحلته، لكن الوضع تغير الآن بشكل كبير، فلم يعد هناك سائحون أجانب، ولم تعد الرحلات مثلما كانت، فأكثر من 40% من مقاعد الركاب خاوية. قائلاً: «طبعاً كان بيركب معانا أجانب روس لكن دلوقتى مبقاش زى الأول، إحنا مش لاقيين مصريين دلوقتى هنلاقى أجانب؟».

بجوار الرصيف الذى يتوسط الطريق، تقف سيارة نقل محملة بـ«شكائر» من الأسمنت، يقف بجوارها «محمد قشطة» الرجل الأربعينى، يعمل سائقاً على السيارات النقل منذ 16 سنة، رغم أنه تخرج من جامعة الأزهر، إلا أنه لم يجد عملاً غير قيادة النقل الثقيل حتى يستطيع الإنفاق على أولاده الأربعة، الذين تكبرهم ابنته التى تدرس فى معهد التمريض العسكرى، بينما الثلاثة الآخرون فى مراحل مختلفة من التعليم الثانوى والإعدادى، يمتلئ صوت «محمد» بالكثير من الغضب نتيجة الانتظار، قائلاً: «أنا مواطن بسيط المفروض أكون مرتاح وأنا بكسب قوت يومى، إنما وقفة الحال دى، معاناة فاقت احتمال أى إنسان».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل