المحتوى الرئيسى

أكاديميون صينيون: جمال الغيطاني يستحق «نوبل»

12/19 11:53

“إنه حقا علم مميز وأيقونة لها خصوصيتها في تاريخ الأدب العربي، انطلق في كتابة روائعه من أفكار عميقة مستقلة. ولولا رحيله عن عالمنا تاركا حزنا شديدا في نفوسنا، لصار على الأرجح مؤهلا للحصول على جائزة نوبل في الأدب” هكذا يتحدث أكاديميون صينيون عن الكاتب المصري الراحل جمال الغيطاني ورواياته.

ووفق وكالة اﻷنباء الصينينة “شينخوا” اتفق باحثون صينيون متخصصون في دراسة الأدب العربي في حوارات أجرتها معهم الوكالة بعد نحو شهرين على وفاة الغيطاني في الثامن عشر من أكتوبر الماضي عن عمر يناهز السبعين عاما، اتفقوا على ثراء أعماله المتميزة وأساليبها الفنية الإبداعية التي “ينبغي على الكتاب الصينيين التعمق أكثر وأكثر في دراستها للاستفادة منها”، مؤكدين أن جمال الغيطاني أسهم أيضا بنصيبه في تشجيع التبادلات الثقافية بين الصين ومصر.

وأبدى الباحثون الصينيون إعجابهم وتقديرهم الشديدين للمنجزات الأدبية التي حققها الغيطاني خلال مسيرة حياته الأدبية.

وقال لين فنغ مين رئيس قسم اللغة والثقافة العربية بجامعة بكين إن وفاة الغيطاني تعد خسارة ضخمة للمسرح الأدبي العربي، إذ أنه أكبر الأدباء العرب بعد نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب لعام 1988، مضيفا أنه “في ضوء إمكاناته الإبداعية، كنت على يقين بأنه كان سيكتب روايات أروع وأروع”.

وكانت قد عقدت في أواخر عام 2007 في بكين ندوة أكاديمية أقامتها مؤسسة أبحاث الأدب الأجنبي التابعة لأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية على شرف الغيطاني أثناء زيارته للصين، التي شارك فيها عدد من كبار الكتاب الصينيين ومن بينهم مو يان.

وعاد تشونغ جين كون الرئيس السابق لجمعية الصين لدراسات الأدب العربي بذاكرته إلى تلك المناسبة الأدبية، عندما قال إن الأكاديمية الملكية السويدية لم تتعامل بإنصاف مع الكتاب الصينيين والعرب، مشددا على أن الغيطاني والروائي الصيني مو يان يستحقان جائزة نوبل للأدب، حسب رأيه.

وتحققت نصف نبوءة جين كون أخيرا باغتنام الروائي الصيني مو يان لأرقى جوائز الأدب في العالم عام 2012.

يضيف جين كون، جين كون الحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة لعام 2011: لكن النصف الآخر للنبوءة لم يتحول إلى واقع. وأشعر بالأسف الشديد لأنني أرى شخصيا أن المستوى الفني للغيطاني وإنجازاته الأدبية لا تقل عن مو يان.

ولد الغيطاني في بلدة جهينة بمحافظة سوهاج عام 1945 وانتقل وعائلته إلى القاهرة، حيث بدأ كتاباته الأدبية القصصية والروائية مطلع الستينيات عندما نشر أول قصصه القصيرة في مجلة “الأديب” اللبنانية عام 1963.

ومن جانبه أشار شيويه تشينغ قوه رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين إلى أن الغيطاني يعد من أبرز الكتاب العرب، وإن لم يكن الأهم، بعد نجيب محفوظ مباشرة، مضيفا أنه “رائد جيل الستينيات”.

واتفق الباحثون الصينيون على أن أكثر ما يعجبهم في جمال الغيطاني هو أنه نهل من التراث الأدبي والثقافي والفكري العربي التقليدي من ناحية، واستفاد من ناحية أخرى من إيجابيات الإبداع الأدبي الغربي الحديث ليشكل أسلوبه الفني المتميز، مؤكدين أنه نجح في تحقيق الالتحام بين التراث والحداثة.

وفي هذا السياق، لفت تشونغ جي كون إلى أن الغيطاني كان ينكب على كشف كنوز الأدب العربي الكلاسيكي، وورث من روعتها في مسعى لإحياء الثقافة القومية المصرية والعربية.

وتابع بقوله إنه يستطيع أن يلتمس بشدة جمال أعمال الغيطاني ويرى من خلالها أنه فنان عربي يتبع أسلوبه الخاص، و أضاف: أرى أن التحاقه، وهو في ريعان شبابه، بمعهد لصناعة السجاد الشرقي الذي يعد أحد دروب الفنون اليدوية العربية المتميزة، كان مصدر إلهام له وهو يكتب بقلمه السيال أعماله الأدبية.

“كلما قرأت رواياته استشعرتُ دائما بفهم الغيطاني المميز للجمال كأنني أتمتع بعمل فني بديع ذي ألوان بصرية زاهية، هذا هو الشعور الذي لم يصل إلى وجداني عند قراءتي أعمال غيره من الروائيين”

هكذا قالت تسونغ شيا وفيه الباحثة في أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، ومترجمة رواية “وقائع حارة الزعفراني” إلى اللغة الصينية.

وفي الوقت ذاته، أشار تشونغ جي كون إلى أن الغيطاني لم يقصر اهتمامه على التراث فحسب، وإنما واصل الإبداع على أسس تمكنه من استيعاب وهضم روعة الأدبين الأوروبي والأمريكي، قائلا: فلم يستنسخ نمطا واحدا من حيث الأسلوب والمضمون في أي من رواياته، يا له من أمر عظيم!

وبدوره ذكر لين فنغ مين أنه من الصعب إدراج الروائي المصري في أي صنف أدبي محدد، ولا يمكن أن نقول إنه ينتمي إلى روائيي الهلوسة الواقعية، أو الرمزية، رغم أن عددًا من رواياته مليئة بالأفكار الصوفية والصور الرمزية الغامضة.

وأضاف لين أنه “كان يتبع أساسا أسلوب الحداثة في كتاباته مثلما فعل غيره من كتاب جيل الستينيات، ويضع في أعماله عوامل تيار الوعي والرمزية وتغير الزمان والمكان”.

ولدى حديثهم عن كيفية استفادة الكتاب الصينيين من الأديب المصري الراحل، توافق الأكاديميون الصينيون على أن الغيطاني استطاع الجمع ما بين التراث والحداثة، والبقاء على أفكاره الفلسفية المستقلة، وهذا هو ما لم يتبعه الكثير من الكتاب الصينيين، حسب قولهم.

وذكرت لي تشن الباحثة في أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، ومترجمة رواية “هاتف المغيب” إلى اللغة الصينية، أن الغيطاني نهل بشكل رائع من الأفكار الصوفية في الروايات التي كتبها في الفترة الأخيرة من حياته الكتابية، ما يبرهن على أن القوة الروحية الجوهرية لثقافة أمة عريقة، حسب قولها، يمكن وراثتها ونقلها.

وتابعت تشن: أما بعض الكتاب الصينيين فينحازون بشكل مفرط إلى الأساليب الفنية الغربية، ويملأهم الشغف إلى التحدث عن هذا المذهب وذلك الفكر، بل يتجاهلون الروائع الثقافية والأدبية الصينية الممتدة منذ آلاف السنين.

وشاطرهاالرأي تشونغ جي كون موضحا: إننا في فترة من الزمن كنا نميل إلى تعلم أدب الاتحاد السوفيتي، ثم تحولنا إلى الأدب الغربي، وصرنا نتعلم من الأجانب كما لو كنا نبتلع دون هضم.

واستطرد قائلا: إن الغيطاني كان يتبع طريقه الخاص، وظل يقظًا تجاه سلبيات المجتمع، مضيفا: هذا هو ما يستحق تقديرنا.

ومن جانبه قال شيويه تشينغ قوه إن الغيطاني كان يتأمل دائما كفيلسوف ذي أفكار عميقة في رواياته المسائل الميتافيزيقية، مثل المغزى الأعلى للحياة، مضيف: يبدو أن هذه المسائل غامضة ولا تحمل إجابة واضحة، لكن ذلك ما يفتقر إليه الكتاب الصينيون.

وبكونه شخصية معجبة بالثقافة الصينية التقليدية وتكن صداقة عميقة تجاه الصين، قام جمال الغيطاني بزيارتين لهذا البلد الشرقي وتعرف خلالهما على الكثير من الأصدقاء الصينيين في الأوساط الأدبية والأكاديمية.

ويذكر شيويه تشينغ قوه أن الغيطاني، الذي يقول إنه “أحد المعجبين جدا بالصين”، أبدى إعجابه الشديد بالأعمال الفكرية الكلاسيكية والثقافة والفنون والموسيقى التقليدية الصينية، مضيفا: قال لي إنه أثناء الكتابة، يحب الاستماع إلى الموسيقي التقليدية الصينية. وسبق لي أن أهديته عدة أسطوانات مدمجة عبر أحد أصدقائي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل