المحتوى الرئيسى

غاز المتوسط يعيد "تركيبة" الشرق الأوسط

12/18 18:44

عندما نتأمل المشهد الحالى فى الشرق الأوسط نشعر بأن هناك شيئًا ما قلب موازين القوى العربية والإقليمية بل الدولية فى المنطقة، ففى الماضى القريب انقلبت الموازين فى الخليج العربى في أعقاب حرب الخليج الأولى، ثم مشهد ثان مصحوب بسقوط العاصمة العراقية بغداد وسقوط النظام والبلاد بأكملها معه، ثم المشهد الثالث فى سقوط لأنظمة ما يسمى بالربيع العربى، ثم المشهد الرابع الذى نحن بصدده الآن وهو اللاسقوط واللاعودة فى أنظمة دول الشرق الأوسط وعلى رأسها سوريا ومعها باقى الدول العربية التى تشاور عقلها مثل لبنان، وعلى الرغم من استقرار مصر إلا أنها لا تغيب أيضاً عن المشهد وتعرضها من وقت لآخر للمؤامرات التى تعثر أمامها سقوطها نظراً لترابط الشعب المصرى ببعضه البعض من ناحية وجيشه من ناحية أخرى.

وبالبحث والتنقيب عن أسباب صعود هذه الأحداث وما تلاها من تكرار هذه المشاهد المأساوية فى الدول العربية، فنجد تباعاً أن السبب الحقيقى وراءها هو ثروات هذه المناطق بمصادر واحتياطى الطاقة العالمية، ففى الماضى كان البترول العربى يتصدر المشهد بجدارة، إلا أنه تراجع مع المحاذير التى وضعتها الدول الأوروبية والأمريكية وتلتها الدول الصناعية الآسيوية مثل الصين والهند، وبحثت عن بديل آخر وهو الغاز الطبيعى، نظراً لزيادة الانبعاثات الكربونية فى المناخ العالمى وتأثيره على التغيرات الجوية وانقلاب الطبيعة ضد الإنسان، وتتخذ هذه الدول الغاز الطبيعى كمرحلة انتقالية قبل التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة بحلول عام 2080.

ومع اكتشافات الغاز الطبيعى فى مياه البحر المتوسط التى تطل عليه الدول العربية من الشرق والجنوب، مع بعض جاراتها الأوروبية أمثال اليونان وقبرص وبالتبعية إسرائيل، تحولت نظرة نفس الدول أصحاب معارك النفط فى الخليج إلى الشمال والشرق الأوسط لعدة أسباب أهمها اقتراب الشرق الأوسط جغرافياً فى مواجهة القارة الأوروبية، وبالتالى قصر المسافة والوقت معها توفير التكلفة العالية فى مد أنابيب الغاز السائل فى وصوله من المنبع فى الشرق إلى المصب فى الغرب، وسيطرة الشركات الأوروبية والأمريكية على حقول النفط والغاز فى باطن الأرض التى تقترب من مرحلة الاحتكار، فضلاً عن دراية الأنظمة الغربية بنقاط الضعف والخلخلة فى مثيلاتها العربية ومع صناع القرار فى بلادنا، وهى عوامل مشجعة للغرب فى المضى فى خطة وقوع جديدة للدول العربية التى تقع هذه الثروات الهائلة من احتياطى الغاز الطبيعى فى مياهها، فجاءت ثورات الربيع العربى لتمهيد الطريق، إلا أنه كان هناك صمود آخر لمصر أولاً ثم سوريا ولبنان مع دول الخليج أمثال السعودية والإمارات وغيرها، فضلاً عن بروز لاعبين جدد يمهدون الطريق مثل تركيا وإيران والجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش التى باتت تحرك الجيوش العربية العالمية وأخيراً الإسلامية بقيادة السعودية مجتمعين فى طريق حرب عالمية يقتسمون فيها الغاز والأرض.

بدأت الاكتشافات فى عام 1999 عندما منحت مصر شركة «رويال داتش شل» و«بتروناس كاريجالى» الماليزية امتياز التنقيب عن الغاز فى المياه المصرية الاقتصادية الخالصة بالاشتراك مع الشركة المصرية للغاز، وهو الارتباط الذى أطلق عليه «نيميد»، وأعلنت الشركة الهولندية عن اكتشافها بئرين من الغاز تحتويان على كمية هائلة من الغاز فى شرق البحر المتوسط لصالح مصر، وأصدرت الشركة بياناً فى ذلك الوقت يقول إن تحويل هاتين البئرين إلى منتجين ستغرق أربع سنوات، وعلى الجانب الآخر قامت مصر بترسيم حدودها البحرية مع قبرص فى عام 2003 دون تحديد الحدود من الناحية الشرقية التى تحد إسرائيل مصر من ناحيتها.

ومما سبق ذكره حدث تداخل فى الحدود بين مصر وقبرص وإسرائيل التى لم تحدد مصر مع الأخيرة حدودها الاقتصادية الخالصة حتى الآن، وكان من المهم فى 2003 ترسيم الحدود ولو بشكل مبدئى حتى تتحدد المياه الاقتصادية الخالصة لكل دولة ويمكنها تقاسم مخزونات وعائدات هذه الآبار المكتشفة بالتساوي، إلا أن قبرص كانت سبقت مصر فى ترسيم حدودها مع إسرائيل دون أن تقوم مصر بترسيم حدودها هى الأخرى مع إسرائيل، ما أعطى الفرصة لهذين البلدين اقتسام عائدات هذه الآبار لحسابهما من الباطن دون مصر.

وتم تطبيق ذلك على بئر «أفروديت» التى اكتشفتها قبرص أسفل جبل «إراتوستينس» من الناحية الجنوبية فيما يسمى بمنطقة أو امتياز «البلوك 12»، وهو الجبل الغاطس الذى ثبتت مصريته منذ 2000 عام فى الكتب والوثائق التاريخية، ويقدر مخزونه بـ 27 تريليون قدم مكعبة، الذى اعتبره الرئيس القبرصى أعظم اكتشاف للغاز فى العالم فى ذلك الوقت، وكان وزير البترول المصرى عبدالله غراب أعلن فى ذلك الوقت أن اكتشاف «أفروديت» يعد خالصاً لقبرص، إلا أن الخرائط القبرصية مع الدراسات تثبت تداخل هذا الحقل «أفروديت» فى منطقة «نيميد» المصرية التى حصلت علي امتيازها شركة «شل» الهولندية من الحكومة المصرية فى 2009، إلا أن جبل «إراستوستينس» يشكل أزمة فى تحديد نصيب كل دولة من الغاز فى الآبار المحيطة به، حيث تشترك فى حدوده مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وتركيا ولبنان وفلسطين.

وتبع اكتشاف هذه البئر «أفروديت» بئران أخيران لإسرائيل تقتربان من الحدود المصرية الخالصة، وهما «ليفاثان» الذى تم اكتشافه فى 2010 الذى يقدر مخزونه بـ 16 تريليون قدم مكعبة بما يساوى 80 مليار دولار، وتواجه هاتان البئران القبرصية والإسرائيلية المياه المصرية فى دمياط بحوالى 190 كيلو متراً فقط، أى أنه ملك لمصر حيث لا تزيد المياه الإقليمية لحدود أية دولة علي أكثر من 200 كيلو متر، ويقترب من المياه الإقليمية الفلسطينية فى حيفا المحتلة، أى أنها ملك السلطة الفلسطينية، ثم بئر إسرائيلية أخري وتسمى «شمشون» وتقدر ثروتها بما يعادل 20 مليار دولار الذى يبعد عن بحيرة المنزلة بـ 114 كيلو متراً فقط، أى أنها داخل المياه الإقليمية المصرية أيضاً، حيث إن بعض الدراسات مثل دراسة الدكتور نائل الشافعى والسفير إبراهيم يسرى التى تطالب بحق مصر فى الغاز الإسرائيلى وليس العكس المنهوب من آبارها البحرية فى شرق المتوسط، تؤكد أن تداخل الحدود بين كل هذه الدول فى آبار الغاز فى شرق البحر المتوسط تجعل هناك استغلالاً ومنفعة غير قانونية من بعض الدول لأنصبة جاراتها.

ولم تقف إسرائيل متفرجة على الاكتشافات العربية فى شرق المتوسط، بل تحسست الطريق ‏وصولاً إلى الشركة الإيطالية «إينى» والمكتشفة لهذه الآبار لإقناعها بالاستثمار في حقلَي ‏‏«كاريش» (مليون قدم مكعبة) و«تانين» (1.2 مليون قدم مكعب) المجاوِرَتين للحدود اللبنانية ‏لصالحها، وبالعودة إلى الأسباب التى دفعت إسرائيل إلى هذه المحاولة سنجد أن حركة رئيس ‏الشركة التنفيذى تجاه مصر وقبرص لمد أنابيب الغاز من حدود الآبار إلى أوروبا، تسحتوذ على ‏سوق كان يمثل غاية فى الأهمية بالنسبة للغاز الإسرائيلى ما تعتبرها الدولة الصهيونية مسألة ‏مصيرية.

ومن هذا المنطلق قامت مصر بدعوة كل من الرئيسين اليونانى والقبرصى فى مصر فى نوفمبر 2014 للاتفاق المبدئى على نصيب كل دولة فى خيرات الغاز المشتركة بينها فى شرق المتوسط، لتوضيح الأنصبة قبل أى تحرك إسرائيلى من الباطن مع هاتين الدولتين، حيث أثار بعض المسئولين الإسرائيليين الشكوك حول الحقوق المصرية فى هذا الاكتشاف البحرى الجديد، نظراً لتشابك الحدود كما ذكرنا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل