المحتوى الرئيسى

مجدي منصور يكتب: محاولة ناصرية لفهم السياسة السعودية (8) – قمة الاحزان والتناقضات! | ساسة بوست

12/17 10:40

منذ 2 دقيقتين، 17 ديسمبر,2015

“لقد عاشت الأمة تناقضين في وقت واحد: تناقض عربي – عربي يمثله غزو العراق للكويت، وتناقض عربي – أمريكي تمثله نية ظهرت على الفور في ضرب العراق وتدمير قوته. وكان التناقض الأول كبيرًا بينما التناقض الثاني خطير والتناقض الأول يحدث جرحًا في قلب الأمة بينما التناقض الثاني يهددها بالذبح” المفكر محمد عابد الجابري

“إن الصورة سوداء ومخيفة، وما لم نتدارك الموقف فورًا فإن الحرب حتمية”.  الرئيس المصري حسني مبارك

في 8 أغسطس 1990 قرر الرئيس المصري (حسنى مبارك) أن يوجه حديثًا إلى الأمة العربية وكان خطاب (مبارك) دراميا ومؤثرا وكان أبرز ما قاله: (إن الصورة سوداء ومخيفة، وما لم نتدارك الموقف فورا فإن الحرب حتمية) ثم راح مبارك يرسم صورة مفزعة لدمار الحرب ثم أنهى خطابه بقوله: (اللهم بلغت اللهم فاشهد). وكان خطاب الرئيس مبارك في هدفه الأساسي دعوة إلى مؤتمر عربي ينعقد على مستوى القمة في القاهرة فورًا.

وبدأ الملوك والرؤساء العرب يتوافدون على القاهرة وكان أول القادمين هو العقيد (معمر القذافي) الذي وصل بعد ساعات قليلة من خطاب (مبارك) ثم بدأ آخرون في الوصول وكانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في تونس تتابع وصول الملوك والرؤساء إلى القاهرة بدهشة.

وعقب السيد (الشاذلي القليبي) أمين جامعة الدول العربية وقتها على ما يحدث بقوله: (إنها أول مرة توجه فيها الدعوة إلى اجتماع على مستوى القمة بواسطة الإذاعة) وطلبت وزارة الخارجية المصرية إلى الأمين العام أن يجيء إلى القاهرة على الفور لأداء دوره. ورد الأمين العام بأنه: (ليست هناك طائرات في الليل بين القاهرة وتونس) وتقرر إرسال طائرة ليبية تذهب إلى تونس وتجيء بالأمين العام.

وكان (مبارك) لايزال يحاول وقد اتصل صباح يوم 9 أغسطس عند الفجر بالسفير العراقي في القاهرة (نبيل نجم) وطلب إليه أن يتوجه إلى بغداد حاملا رسالة شفوية منه إلى الرئيس (صدام حسين) وكان مؤدى الرسالة أن الرئيس المصري ينصح نظيره العراقي بأنه: (إذا تعذر حضوره مؤتمر القمة فإنه من المهم أن يوفد وفدا على مستوى عال يتيح له اتخاذ موقف مرن والتجاوب مع الموقف بما يتطلبه من أخذ وعطاء).

وعند الظهر يوم 9 أغسطس أعلن في بغداد أن وفدا عراقيا عالي المستوى في طريقه إلى القاهرة الآن. وفي الساعة السادسة مساء هبطت طائرة عراقية ونزل منها وفد عراقي كان بالفعل على أعلى مستوى فقد رأسه السيد (طه ياسين رمضان) نائب رئيس الجمهورية والرجل الثاني في العراق بالإضافة إلى السيد (طارق عزيز) وزير الخارجية وهو من المقربين من الرئيس العراقي.

وبدأ التوتر يظهر في الجو من أول لحظة فقد عرف الوفد العراقي أنه لن ينزل في فندق مثل غيره من الوفود وإنما قيل له إن أحد قصور الضيافة قد خصص لإقامة أعضائه. وتسأل السيد (طارق عزيز): (لماذا ننزل في قصر ضيافة بينما كل الوفود الأخرى في الفنادق؟). وكان الرد المصري: (إن الوفد العراقي يواجه مشكلة أمن تجعل حالته مختلفة عن حالة بقية الوفود).

وبدأ (طارق عزيز) يشك ويشكك ويعرب عن ذلك قائلا: (هل المقصود هو حمايتنا أم عزلنا؟ إذا كان الأمر أمر حمايتنا فنحن على استعداد أن نتحمل مسؤولية أنفسنا وليس لكم إلا أن تتركونا إلى مقاديرنا ونحن نثق بالشعب المصري). ورد عليه المسؤول المصري قائلا: (ان المشكلة ليست الشعب المصري ولكن القاهرة تموج بعشرات الألوف من الكويتيين الآن). ولم يكن طارق عزيز مقتنعًا واعتبرها (محاولة لعزل الوفد العراقي تحول بينه وبين الاتصال ببقية الوفود)

والحقيقة أن الوفد العراقي جاء إلى القاهرة يحمل شكوكا كثيرة فقد كان سفر وزير الدفاع الأمريكي (تشيني) ومعه          (شوارتزكوبف) إلى جدة كافيا لإضاءة أنوار الخطر الحمراء في بغداد وعندما أعلن أن حاملة الطائرات النووية (داويت ايزنهاور) على وشك أن تعبر قناة السويس كان ذلك كافيا ليجعل أجراس الإنذار المتبقية تدق بأقوى صوت!

“إننى رسمت خطا على الرمال”. الرئيس الأمريكى جورج بوش

كان السؤال على كل لسان في ذلك الوقت المعقد المشحون بكل الانفعالات والتناقضات هو (حرب؟ أو لا حرب؟) وإذا كانت الحرب فمتى؟ وإذا لم تكن الحرب فكيف؟ وفي ذلك الوقت كانت كل العواصم العربية مفتوحة لتقلبات تتفاعل فيها مشاعر وهواجس مختلطة.

وكانت الترتيبات تجري على قدم وساق انتظارا لتوافد الملوك والرؤساء إلى مؤتمر القمة المنتظر وكان من المفروض أن تنعقد الجلسة الأولى للمؤتمر في نفس يوم 9 أغسطس ولكن لم يتيسر عقد المؤتمر لأسباب عديدة ولم تكن هيئة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وهي التي تتحمل المسؤولية الرسمية عن الإعداد للمؤتمر قد وصلت بعد إلى مقر المؤتمر لتباشر مهامها. ولم يكن هناك جدول أعمال للقمة التي تمت الدعوة لها عن طريق نداء الإذاعة والتلفزيون ولا كانت هناك أوراق أو مشروعات قرارات يتدارسها الذين جاءوا للقمة ويبدون فيها رأيا بالموافقة أو المعارضة أو التعديل.

وراجت بين الصحفيين الأجانب في أروقة المؤتمر حكايات وتفاصيل عما حققه وزير الدفاع (تشيني) في جدة؟ وما الذي استبقى الجنرال (شوارتزكوبف) في السعودية؟

(لمعرفة تفاصيل اجتماع ديك تشيني بالملك فهد راجع:  هذا الرابط

ثم وصلت إلى قصر المؤتمرات أصداء تصريح أدلى به الرئيس (بوش) يوم 9 أغسطس أيضًا أثناء مؤتمر صحفي عقده في واشنطن وقال فيه عبارته التي ذاعت واشتهرت فيما بعد وهي قوله: (إنني رسمت خطا على الرمال).

وسبب هذا التصريح حيرة كبيرة، فأين يقع بالضبط هذا الخط على الرمال؟ وما هو معناه؟ وهل هي خريطة جديدة للمنطقة أو ماذا؟ ثم عرف في أروقة المؤتمر أن وزير الخارجية الأمريكي ظهر فجأة في أنقرة وأنه مجتمع بالرئيس التركي (تورجوت أوزال) يبحث معه وقف خط البترول العراقي وفي احتمالات تعاون تركيا في أية ترتيبات عسكرية تجري في المنطقة. ومعنى ذلك أن أمريكا تحكم الطوق حول العراق وكان خط (بوش) على الرمال في الصحراء يستكمل مسيرته على الجبال في الأناضول، ولقد أعطت هذه التصريحات انطباعا لبعض الوفود بأن القمة العربية مجتمعة في إطار هذ الخط الذي رسمه (بوش) على الرمال.

وكان هناك بين القادمين إلى مؤتمر القمة من يعرفون أكثر من غيرهم أن هذا الخط الذي رسمه (بوش) على الرمال. ومن الطبيعي أن الذين أتيحت لهم فرصة الاطلاع على النوايا الأمريكية بمقتضى الخطة (1002 – 90) كانوا يعرفون أبعاد هذا الخط على الرمال وأولهم الملك (فهد) ملك السعودية فقبلها بيومين كان اجتماعه الحاسم مع (تشيني) وزير الدفاع الأمريكي وقبلها بيومين كان الملك (فهد) يعرف أن هذه الخطة (1002 – 90) واصلة إلى مداها فقد عُرض عليه خرائطها وحجم قوات الأزمة لها وبداية وصول طلائع هذه القوات إلى المملكة السعودية وكان قد وافق عليها.

وكذلك لم يكن خط (بوش) الذي رسمه على الرمال خافيا أيضًا على الرئيس المصري (حسني مبارك) لأن ثاني مقابلات (تشيني) كانت في القاهرة وقد أطلع وزير الدفاع الأمريكي الرئيس المصري على الخطة (1002 – 90) بل طلب منه المشاركة بقوات في تنفيذ تلك الخطة لتغطية موقف الملك (فهد) في قبول قوات أمريكية تنزل على أرض الحرمين وقبلها طلب السماح بعبور حاملة الطائرات النووية (أيزنهاور) لقناة السويس وقد سمح (مبارك).

وهكذا كان المجتمعون في القمة ثلاث فرق: ففريق يعرف عن خط بوش الذي سار يتحرك على الرمال من حول العراق، وفريق ثانٍ لا يعرف شيئا عن ذلك الخط، وفريق ثالث وهو الأكثرية تساوره شكوك ولم يكن أمامه وسيله لكي يقطع ذلك الشك باليقين.

“أريد أن أسجل احتجاجي على هذا الوضع”. وزير الخارجية العراقي طارق عزيز لمسؤولي الخارجية المصرية

وبدا القلق أشد ما يكون في قصر الأندلس وهو بيت الضيافة المخصص للوفد العراقي فبعد الإشكالات التي دارت حول إقامة الوفد في القصر أو نزوله في الفنادق مع بقية الوفود ثم بعد استبعاد السيد (طارق عزيز) من حضور مقابلة الرئيس (مبارك) ظهر إشكال جديد، فقد اتصل السيد (طارق عزيز) وزير الخارجية العراقي بالأمين العام لجامعة الدول العربية الذي وصل إلى القاهرة قبل ساعات وتوجه إلى قصر المؤتمرات لكي يسأله عن موعد الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب الذي يجب أن يسبق اجتماع القمة ويعد لها مشروع قراراتها. وكان رد (القليبي) بأنه لم يبلغ بأي شيء عن اجتماع لوزراء الخارجية وموعده ومكانه.

ورأى السيد (طارق عزيز) أن يختصر المسافة فاتصل رأسا بالوفد المصري يسأل عن اجتماع وزراء الخارجية وموعد ومكانه وكان الرد عليه هو: (إن الموقف معقد جدا وبلا سابقة، وأنه ليس هناك اجتماع لوزراء الخارجية قبل القمة وأن الأزمة بمجملها سوف تعرض على الملوك والرؤساء ليروا فيها رأيهم). ورد (طارق عزيز) بأنه: (لم يعرف من قبل في السوابق الدبلوماسية أن مؤتمرا على مستوى القمة اجتمع دون أن يسبقه ولو بساعات اجتماع لوزراء الخارجية يتفق على مشروع جدول أعمال وعلى مشروعات قرارات). وكان الرد عليه أن (الظروف الاستثنائية تفرض أوضاعا استثنائية، وأن هذا هو الحال هذه المرة). وقال (طارق عزيز) أنه (يريد أن يسجل احتجاجه على هذا الوضع).

وانقضى يوم 9 أغسطس بأكمله دون أن يلتئم الاجتماع سواء على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى القمة وكان قصر المؤتمرات في مدينة نصر ساحة لفوضى عارمة من الأخبار والإشاعات وحتى النكات. ثم أذيع أن اجتماعات القمة الرسمية سوف تبدأ غدا صباح الجمعة 10 أغسطس في الساعة التاسعة صباحا.

“شكراً معالي الأمين العام أنك نبهتني إلى هذه الغلطة”.وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للشاذلي القليبي

صباح يوم الجمعة كان (الشاذلي القليبي) في صالة قصر المؤتمرات كان تائها في الأسلوب الذي يمكن أن ينعقد على أساسه مؤتمر القمة المنتظر خلال ساعة من الزمن ثم عرف أن الأمير (سعود الفيصل) وزير الخارجية السعودي يبحث عنه وقصد الأمين العام للجامعة العربية إلى حيث قيل له إن وزير الخارجية السعودي موجود، وإذا هو يسلمه ورقة رجاه في طبعها بواسطة الأمانة العامة للجامعة حتى يمكن توزيعها على الملوك والرؤساء قبل دخولهم قاعة الاجتماع. وأحس (القليبي) أن معجزة جاءته من السماء فهو على الأقل يعرف الآن من أين يبدأ فلديه الآن مشروع قرار يمكن أن يطبع ويوزع ويمكن أن تكون منه نقطة بداية لإجراءات الاجتماع.

ويروي (القليبي) أنه (نظر في ساعته فوجد أنه لم يتبق على موعد الاجتماع المقرر سوى نصف ساعة ولذلك فإنه آثر ألا يضيع وقتا في قراءة الورقة التي قدمها له وزير لخارجية السعودي وفضل أن يعطيها مباشرة لأحد مساعديه ليأخذها إلى الغرفة التي خصصت للسكرتارية حتى تباشر طبعها على الفور. ولم تمض غير دقائق حتى عاد إليه مساعده الذي أخذ منه مشروع القرار الذي قدمه الأمير (سعود الفيصل) لكي يقول له إن هناك مشكلة في النص، ذلك أن النص المكتوب في المذكرة يقول في البند السادس منه (إن القمة تقرر الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربية الأخرى بنقل قوات عربية لتنضم إلى القوات المسلحة الموجودة فيها (أي في السعودية) دفاعا عن أراضيها وسلاماتها الإقليمية ضد أي عدوان خارجي).

وكانت الملاحظة التي أقلقت مساعد الأمين العام ودعته إلى مراجعة رئيسه هي عبارة (القوات الموجودة). وكان رأيه (أنه لا توجد الآن إلا قوات أمريكية تم الإعلان عن ذهابها فعلا إلى السعودية. فإذا كانت القوات العربية ستنضم إلى هذه القوات فمعنى ذلك الآن أن القمة العربية تقرر في واقع الأمر أن القوات العربية التي يمكن أن تذهب إلى السعودية نتيجة لقراراتها ذاهبة لتنضم إلى القوات الأمريكية).

ولمح الأمين العام على الفور وجاهة الملاحظة التي أبداها مساعده فأخذ منه مشروع القرار وظل يبحث عن الأمير (سعود الفيصل) حتى عثر عليه ثم قال له: (إن هناك مشكلة في أحد نصوص مشروع القرار الذي تلقاه منه). وراح (الشاذلي القليبي) يشرح له الملاحظة مضيفا إلى ذلك (أن دلالتها يمكن أن يساء تفسيرها).

وفطن وزير الخارجية السعودي بسرعة إلى الخطأ وطلب إلى الأمين العام أن يغير العبارة بحيث تصبح (لمساندة قواتها المسلحة دفاعا عن أراضيها وسلامتها.. إلى آخره) بدلا من القول (بالانضمام إلى القوات الموجودة فيها) ثم أضاف الامير (سعود الفيصل) قوله (للقليبي):    (شكرا معالي الأمين العام أنك نبهتني إلى هذه الغلطة).

“إذن فهذا هو ما يريدون منا أن نختم بأصابعنا عليه؟ لماذا تلجأون للأمريكان لحمايتكم؟ لماذا لا تختصرون الطريق وتطلبون ذلك من إسرائيل مباشرة”. العقيد القذافي للشيخ زايد

وثارت في أروقة المؤتمر عاصفة لأن تلك الأجواء غير قادرة على الاحتفاظ بسر وهكذا لم يلبث سر مشروع القرار الذي قدمه وزير الخارجية السعودي إلى الأمين العام أن ذاع في أروقة المؤتمر ولم تمض فترة طويلة حتى أصبح مشروع القرار بين أيدى العامة قبل الخاصة وكان نص الورقة على النحو التالي:

“إن مؤتمر القمة العربية غير العادي المنعقد بالقاهرة (جمهورية مصر العربية) يومي 19 و 20 محرم 1411 هجريا، الموافقين لـ 9، 10 / 8 / 1990 ميلاديا.

بعد الاطلاع على قرار مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في دورة غير عادية في القاهرة يومي 2، 3 أغسطس / اب / أوت / 1990 ميلاديا. وبعد الاطلاع على البيان الصادر عن المؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي صدر بالقاهرة في الرابع من أغسطس / اب / أوت 1990. وانطلاقا من أحكام ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية. وانطلاقا من ميثاق الأمم المتحدة وبشكل خاص الفقرة الرابعة من المادة الثانية والمادتين (25) و (51). وإدراكا للمسؤولية الجسيمة التي تمليها الظروف الصعبة الناجمة عن الاجتياح العراقي للكويت وانعكاساته الخطيرة على الوطن العربي والأمن القومي العربي ومصالح الأمة العربية العليا يقرر: تأكيد قرار جامعة الدول العربية الصادر في 3 / 8/ 1990 وبيان منظمة المؤتمر الإسلامي الصادر في 4 / 8 / 1990 تأكيد الالتزام بقرارات مجلس الأمن رقم 660 بتاريخ 2 / 8 / 1990، ورقم 661 بتاريخ 6 / 8 / 1990، ورقم 662 بتاريخ 9 / 8 / 1990 بوصفها تعبيرا عن الشرعية الدولية. إدانة العدوان العراقي على دولة الكويت الشقيقة وعدم الاعتراف بقرار العراق ضم الكويت إليه، ولا بأي نتائج أخرى مترتبة على غزو القوات العراقية للأراضي الكويتية ومطالبة العراق بسحب قواته منها فورا، وإعادتها إلى مواقعها السابقة على تاريخ 1 / 8 / 1990. تأكيد سيادة الكويت واستقلاله وسلامته الإقليمية باعتباره دولة عضوا في جامعة الدول العربية وفي الأمم المتحدة والتمسك بعودة نظام الحكم الشرعي الذي كان قائما في الكويت قبل الغزو العراقي، وتأييده في كل ما يتخذه من إجراءات لتحرير أرضه وتحقيق سيادته. شجب التهديدات العراقية واستنكار حشد العراق لقواته المسلحة على حدود المملكة العربية السعودية، وتأكيد التضأمن العربي الكامل معها ومع دول الخليج العربية الاخرى، وتأييد الاجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى إعمالا لحق الدفاع الشرعي وفقا للأحكام المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول جامعة الدول العربية والمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة ولقرار مجلس الأمن رقم 660 بتاريخ 6 / 8/ 1990. على أن يتم وقف هذه الإجراءات فور الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت وعودة السلطة الشرعية للكويت. الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى لنقل قوات عربية لمساندة قواتها المسلحة  (وفي النص الأصلي: (لتنضم إلى القوات المسلحة الموجودة فيها) دفاعا عن أراضيها وسلاماتها الإقليمية ضد أي عدوان خارجي. تكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية بمتابعة تنفيذ هذا القرار، ورفع تقرير عنه خلال خمسة عشر يوما إلى مجلس الجامعة لاتخاذ ما يراه في هذا الشأن”.

وتكهرب جو المؤتمر وارتفعت درجة حرارته، وأقبل السيد (طارق عزيز) على الأمين العام للجامعة العربية يسأله عن مصدر هذا المشروع الذي وجده في أيدي أعضاء الوفود؟ وقال الأمين العام إنه لا يعرف، ولكنه يظن أنه وضع كمشروع بالتشاور بين مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج. وسأله (طارق عزيز) بغضب: (وهل يمكن أن يعرض على القمة مشروع لا تشارك في وضعه إلا مجموعة قليلة من الدول؟) وكان رد الأمين العام: إنه ليس مسؤولا عن ترتيب المؤتمر. ورد (طارق عزيز) بأن (العراق يطلب منه رسميا إجراء تحقيق في وقائع ما حدث). وكان رد الأمين العام (إن الأمر ليس في يده، ومن الأفضل أن تتفاهم الوفود مع بعضها مباشرة دون داع لتوريط الأمانة العامة فيما لا تملك سلطة عليه).

وكان تعليق السيد (عدنان أبو عودة) مستشار الملك حسين على مشروع القرار بعد أن اطلع عليه يستحق التأمل فقد قال الرجل: (إنه يشعر أنه ترجمة إلى اللغة العربية وليس كتابة أصلية باللغة العربية).

وكانت المناقشات بين الوفود محتدمة حول مشروع القرار وقد وجد البعض أن هناك ثغرات أخرى فيه غير تلك التي اكتشفها مساعد الأمين العام فمثلاً:

كان هناك وجهة نظر تقول: إن النص الوارد في المادة (3)، وهو الخاص بإدانة العدوان العراقي على الكويت ورفض نتائجه – يطلب في آخره إلى العراق سحب قواته من الكويت فورا، وإعادتها إلى مواقعها السابقة على تاريخ 1 / 8 /   1990. وليس هذا هو التاريخ الذي وقع فيه الغزو العراقي بتوقيت المنطقة العربية، فالغزو وقع فجر يوم 2 أغسطس وبالتالي فمن المنطقي أن تطالب المادة بعودة القوات العراقية إلى مواقعها السابقة على تاريخ 2 وليس 1 أغسطس 1990 وفي وجهة النظر هذه فإن تاريخ 1 أغسطس هو التاريخ الذي وقع فيه الغزو طبقا لتوقيت الولايات المتحدة.

وكان الرد على ذلك من وجهة النظر الأخرى أن ذلك تعسف ليس له ما يبرره لأن قوات الغزو العراقي تحركت في الواقع في الساعة الحادية عشر قبل منتصف ليلة 2 أغسطس

وكانت هناك وجهة نظر تقول: إن النص الوارد في المادة (4) يتحدث (عن تأييد الكويت في كل ما يتخذه من إجراءات) والكل يعرف أن الكويت طلبت مساعدة الولايات المتحدة عسكريا بعد نصف ساعة من الغزو، ومعنى ذلك أن الدول العربية الآن مطالبة بإقرار هذا الوضع الذي تم دون انتظار للأمم المتحدة أو لجامعة الدول العربية.

وكان الرد على ذلك من وجهة النظر الأخرى أن حق أي دولة في رد العدوان عنها ينشأ بمجرد وقوع العدوان.

وكانت هناك وجهة نظر تقول: إن النص الوارد في المادة (5) الذي يقول (استنكار حشد العراق لقواته المسلحة على حدود المملكة العربية السعودية… إلى آخره) هو استنكار لحالة لم تنشأ بعد فقد أكد العراق وتعهد للملك (حسين) أنه لا توجد لديه حشود على حدود المملكة العربية السعودية وأنه حتى الرئيس (بوش) قال في تصريح له في بداية الأزمة (أنه لا يوجد لديه ما يؤيد إمكانية تعرض بلد خليجي آخر لغزو العراق) كما أن العراق أعلن التزامه بمعاهدة عدم الاعتداء بينه وبين السعودية.

وكان الرد أن أحدا لم يعد له الحق في تصديق تأكيدات العراق ولا معاهداته.

وكانت هناك وجهة نظر تقول: إن النص الوارد في المادة (5) عن (تأييد الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى إعمالا لحق الدفاع الشرعي… إلى آخره) هو نص مفتوح معناه تأييد حشد القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية وهو حشد بدأ فعلا، كما أن أحدًا لا يعرف حتى الآن تفاصيل ما دار بين الحكومة السعودية والحكومة الأمريكية أثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي للمنطقة. بينما أخبار وكالات الأنباء حافلة بمعلومات خطيرة عما تم الاتفاق عليه في هذا الاجتماع. وإذ يحق للسعودية أن تتصرف من منطق سيادتها على أراضيها كما تشاء – فإن بقية العالم العربي ليست مطالبة بالموافقة على إجراءات لا تعرف عنها شيئا.

وكان الرد: السعودية لا تستطيع الانتظار حتى يقع المحظور ومن واجب العالم العربي أن يشعرها بالطمأنينة ولا يتركها وحدها للأمريكان.

وكان العقيد (معمر القذافي) من أكثر الحاضرين هياجا وقد أمسك في يده بنسخة من المشروع وكانت الأمانة العامة قد وزعته رسميا ووقف يقول في جمع من المشاهدين: (إذن فهذا هو ما يريدون منا أن نختم بأصابعنا عليه). ثم توقف أمام الشيخ (زايد) رئيس دولة الإمارات وقال له وهو يلوح بالورقة أمامه: (ولماذا تلجأون للأمريكان لحمايتكم؟ لماذا لا تختصرون الطريق وتطلبون ذلك من إسرائيل مباشرة).

“هل أنا الذي يقال عنه إنه عميل للاستعمار  يا أخ طارق كما تقولون الآن؟”.الشيخ صباح وزير خارجية الكويت

وبعد جهد جهيد وفي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا أمكن جمع الملوك والرؤساء إلى جلسة مفتوحة للمؤتمر ليلقي الرئيس (حسنى مبارك) بوصفه الداعي للقمة خطابه الافتتاحي وبعد ذلك تنفض الجلسة لصلاة الجمعة على أن تعود للانعقاد في الساعة الثانية بعد الظهر حتى يستطيع المؤتمر أن يبدأ أعماله.

وألقى الرئيس (مبارك) خطابه فبدأ: (بشكر الملوك والرؤساء الذين لبوا دعوته ثم قال إنه دعاهم لكي يبحثوا قضية هامة عاجلة… ثم أنهى خطابه بعد مجموعة من النقاط اعتبرها ركيزة لحل يؤدي إلى مخرج من الأزمة:

إما عمل عربي فعال، أو تدخل أجنبي. إن المظلة العربية هي المخرج الوحيد للمأزق. إن مبدأ استخدام القوة مرفوض داخل الأسرة الواحدة. إن الاستيلاء بالقوة على الأرض يشكل تهديدا جسيما على الأمة. إن الأمن مطلب أساسي ولا غنى عنه للوجود أو للتطور. إننا يجب أن نتحرك في إطار عالم اليوم ونتحدث بلغته.

ثم أنهى (مبارك) خطابة قائلا: (إن لدينا من الصيغ ما يخرجنا من المأزق إذا خلصت النوايا وصحت العزائم).

وقضيت صلاة الجمعة وذهب البعض إلى الغذاء وتأجلت الجلسة التي كان مفروضا أن تنعقد من الثانية إلى الساعة الرابعة لإتاحة فرصة ساعتين للملوك والرؤساء العرب لكي يستريحوا أو يباشروا اتصالات بينهم. ورئي أن يعقد الملوك والرؤساء اجتماعا تمهيديا مغلقا قبل أن يدخلوا إلى قاعة الجلسة. وفي نفس الوقت كان وزراء الخارجية جالسين في الانتظار في قاعة أخرى، وكان السيد (طارق عزيز) قد دخل حيث كان ينتظره زملاؤه من وزراء الخارجية وجلس على مقعد مجاور للأمير (سعود الفيصل) وكان الشيخ (صباح) يجلس على الناحية الأخرى من وزير الخارجية السعودي وقال الأمير (سعود الفيصل) للسيد (طارق عزيز): (هل أسلم عليك أو لا أسلم؟) وقال (طارق عزيز): (بالنسبة لي لم يتغير شيء). وقال (سعود الفيصل): (بالنسبة لي تغيرت أشياء).

ورد (طارق عزيز): (لنحتفظ بصداقتنا كبشر على الأقل). ثم استطرد يروي أنه كانت هناك مؤامرة على العراق. وتدخل الشيخ (صباح) ليقول لوزير الخارجية العراقي: (هل أنا الذي يقال عنه إنه عميل للاستعمار يا أخ طارق كما تقولون الآن؟) ورد (طارق عزيز) قائلا: (لسنا نحن الذين نقول بذلك ولكن تقول به الأوراق التي وجدناها عندكم). ووجدها الشيخ صباح إهانة لا تحتمل فهم واقفا من مكانه مندفعا يحاول الخروج من القاعة وفي اندفاعه لم يلحظ أن هناك بابًا زجاجيا أمامه فاصطدم به وسال الدم من أنفه و أسرع بعض مرافقيه إليه يأخذونه معهم باحثين عن طبيب يداويه. وكان قصر المؤتمرات مازال في حالة فوضى عارمة.

“إننا يجب أن نجد وسيلة عربية لحل الأزمة وإلا فإننا نكون قد ضيعنا كفاح أجيال من شعوبنا قضت عمرها في محاربة الاستعمار ولا يعقل أن نجد الآن من يمهد الطريق للاستعمار كي يعود لأراضينا بقواته العسكرية”. الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد

وأخيرا في الساعة الرابعة والربع دخل الملوك والرؤساء إلى قاعة المؤتمرات والكل يشعر أنها جلسة واحدة يحضرونها على مضض ثم ينفض السامر. وقد رأى الرئيس (مبارك) بعد أن رجا الجميع أن يضبطوا أعصابهم أن يعطي الكلمة لرئيس الوفد العراقي السيد (طه ياسين رمضان) ثم لرئيس الوفد الكويتي الشيخ (سعد العبد الله الصباح) ثم يفتح الباب لمناقشة عامة حول الأزمة ثم يجري بحث مشروع القرارات.

وبدأ (طه ياسين رمضان) الحديث الذي لم يخرج عن المؤامرة حول العراق ومشاركة الكويت في تلك المؤامرة وأشار إلى التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة وختم بأن العراق ضم الكويت لتأمين نفسه إلى جانب استعادة حقوقه التاريخية والاقتصادية الضائعة).

ورد الشيخ سعد العبد الله الصباح بما لم يخرج عن انه مستغرب من قيام العراق باحتلال الكويت ومخالفة ذلك الغزو لكل دواعي الأخوة بين الأشقاء والعرب وأن الأسباب التي يسوقها العراق لاحتلال الكويت سواء الاقتصادية أو التاريخية مردود عليها. وذكر الجميع بأن الرئيس العراقي قد أهدى أمير الكويت أعلى وسام في العراق قبلها بشهور قليلة.

وبدأت المناقشة العامة وكان واضحا من البداية أنها واصلة لطريق مسدود. فقد أثير موضوع التحركات العسكرية في المنطقة بما في ذلك زيارة وزير الدفاع الأمريكي للسعودية قبل يومين.

وقال الرئيس الجزائري (الشاذلي بن جديد): (إننا مطالبون أن نجد وسيلة عربية بحتة لحل الأزمة، وإلا أننا نكون قد ضيعنا كفاح أجيال فأجيال من شعوبنا قضت عمرها في محاربة الاستعمار، ولا يعقل أن نجد الآن من يمهد الطريق للاستعمار كي يعود لأراضينا بقواته العسكرية).

وتدخل الرئيس السوري (حافظ الأسد) في المناقشة فقال (إن المجتمعين يجب أن يفرقوا بين السبب والنتيجة، فإذا كان هناك احتمال لتدخل عسكري أجنبي في المنطقة فإن غزو الكويت هو الذي تسبب في الأزمة وليس العكس وإذن فعلينا أن نجد حلا للأزمة، وسوف أكون أول من يناضل لإخراج القوات الأجنبية من المنطقة).

وأبدى الرئيس السوداني (عمر البشير) مجموعة ملاحظات مؤداها: (أن وجود القوات الأجنبية هو الخطر الأكبر على الأمة في هذه الفترة). وبعد ذلك تعالت أصوات المجتمعين بين مؤيد للعراق ورافض له ومستنكر وجود القوات الأمريكية.

وتدخل (مبارك) قائلا: (إن لدينا مشروع قرار وزعناه في الصباح وسوف أطرحه الآن للتصويت) وارتفعت أصوات من القاعة تناشد الرئيس (مبارك) تأجيل طرح القرار للتصويت لأن المناقشة لم تستوفِ حقها بعد وعلق مبارك بأنه: (لا يسمع مناقشة وإنما يسمع مهاترات وأن قراره كرئيس للجلسة هو طرح الموضوع للتصويت).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل