المحتوى الرئيسى

ناهد صلاح تكتب: الله يرحم زمن النصب الجميل

12/14 10:10

يا سلاااام، أقولها وأنا أترحم على زمن النصب الجميل والظريف، ويخفق قلبي بشدة حين أتذكر أيام سي الأستاذ أحمد مظهر الوسيم الطيب في فيلم “العتبة الخضراء”، عام 1959 من تأليف جلال البنداري وإخراج فطين عبدالوهاب، حين كان يهندس مشروعه العظيم في النصب والاحتيال على مهل وروقان بال، وما إن يعثر على ضحيته الساذجة (اسماعيل ياسين) القادم لتوه من الصعيد “الجواني” يبدأ في حبك القصص والسيناريوهات “اللي ما تخرش الميه” ويلتف حوله من كل اتجاه فلا يترك له منفذ للفرار أو الشك، ثم يبيع له “العتبة الخضراء” بلاطة.. بلاطة وجدار..جدار، بما فيهم “التروماي” نفسه الذي باعه في الحادثة الواقعية النصاب خفيف الظل رمضان أبو زيد في العام 1948 لأحد القرويين الطيبين، أقفز فوق الواقعتين؛ السينمائية والحقيقية وأقفز على الأرض كالأرنب الهارب من صياده “الغبي”، بعد أن عشت يوماً بليلته مطاردة برنات متتالية على تليفوني من ابن رجل أعمال شهير، كما ادعى، من فئة هؤلاء الذي يدق اسمهم كالطبل.

– آلو.. أنا مروان ابن فلان الفلاني (رجال الأعمال الشهير جداً والذي يكاد ينطق باسمه كل بيت في مصر)

– بنبني كومباوند على الطريق الصحراوي وكنت عايز حضرتك بخصوصه

– عشان نعمل خطة دعاية له

– لحظة! إنت عارف بتكلم مين؟

– الأستاذة ناهد صاحبة مكتب الدعاية والإعلان

– لا. حضرتك غلطان أنا الأستاذة ناهد كاتبة صحفية وبس

– آسف. طيب ينفع أبعت لك صور لشكل الكومباوند يمكن حضرتك تحبي تشتري

وبالفعل أرسل لي الصور على WhatsApp ، صور بيوت بملايين الجنيهات واتصل ليطمئن فأخبرته أنني أريد فقط شقة صغيرة، فإذا به يقطع كلامي ويسألني” حضرتك صاحبة كتاب عمر الشريف” ثم راح يسترسل في كلامه عن عمر الشريف دون أن يمنحني فرصة الرد، وفي لحظة أصبح عمر الشريف هو بطل المكالمة التليفونية وأصبح المتحدث يجاهد كي يقتنص مني كلمة تؤكد حديثه المسترسل، ثم انقطع الخط ليتصل في التو وهو يخبرني أنه لا يستطيع أن يشتري الكتاب لأنه في دبي لعقد صفقة تجارية مهمة وطلب مني أن أرسل له رقم الـ”فيزا كارد” التي تخصني لأنه يريد أن يشحن تليفونه المصري ولا يستطيع وطلب مني أن أرسل له بـ”50″ جنيه شحن ولأنه لا يقبل إطلاقاً أن أدفعها له من جيبي فلابد أن يرسلها لي على “فيزا كارد”، تخيلوا أن نجل رجل الأعمال الشهير يحتاج إلى 50 جنيه شحن مني أنا التي تعرف عليها صدفة في مكالمة تليفونية المفروض أنها غير مقصودة، أشفقت على النصاب “الأهبل” لأنه لم يكن في لؤم أحمد مظهر في “العتبة الخضراء” أو في خفة ظله في “لصوص لكن ظرفاء” أو في دهاء ليوناردو دي كابريو في (امسكني لو استطعت) (Catch me if you can) والذي دوّخ مكتب التحقيقات الفيدرالية على سن ورمح وهو مجرد صبي لم يبلغ الـ19 عاماً، وبعد أن شكرت الله لأنه استجاب لدعاء أمي بانه يبعد عني ولاد الحرام، ولأنه هداني لدراسة علم النفس التي تجعلني أدرك نفسية النصابين، ترحمت مرة أخرى على النصب الذي فقد عقله وقبله قواعده وأصوله وقلت “ما يصحش كده”.

حذروني كثيراً وقالوا لي: لا تحادثي الغرباء

تلوم علي صديقتي، وأنا المحاصرة بكل انحناءات الخوف، ترفض أن تصدق أنني مازلت أسمي كل الأشياء بأسمائها وهكذا أسير بخير وأمان في أحضان الشوارع المتوحشة، تصرخ في بلا رحمة: “من إمتى السفيرة عزيزة كان مسموح لها تحكي مع الغرباء؟”

لا أدري كيف أفلح في التقاط ما يحدث حولي وأنا منغمسة في تفاصيل أخرى، يعجبني أحياناً صحوي، ولكني أصاب بارتباك أمام الحكايات المضجرة. لم أفهم ردة فعلي الهادئة وأنا أهمس “لأنها السفيرة عزيزة لما تحب، تكون ارتكبت الجريمة”.

من ثقوب السيرة الهلالية، تعبر السفيرة عزيزة ابنة “معبد السلطان” حاكم تونس، عشقت يونس ابن سلطان بني هلال وسجنته في قصرها وعرضت عليه حبها فأبى طلب منها إطلاق سراحه أولا لأن الحب حرية . وتقول السيرة أنه لم يخلصه إلا خاله أبو زيد الهلالي بعد سبع سنوات. أحاصر نفسي أكثر بصوت محمد منير:

ياعزيزة يا بنت السلطان لو يتغير الزمان

كنت اعشق من غير ماتقولى يونس

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل