المحتوى الرئيسى

وسائل الإعلام والمجتمع

12/11 18:03

يتناول هذا الكتاب الجوانب الاجتماعية لوسائل الإعلام بطريقة نقدية وفاحصة، ويفتح كوة للتعرف على طبيعة جماهير وسائل الإعلام ومدى تأثرها بهذه الوسائل, كما يقدم رؤية لتأثيرات تكنولوجيا وسائل الإعلام الجديدة مثل الهواتف المحمولة وألعاب الفيديو.

وفي المجمل يتيح للقارئ فهما أفضل للدور الذي تمارسه وتواصل ممارسته وسائل الإعلام، والنصوص التي تنقلها، في حياته. وكل هذه الموضوعات وخصوصًا حول الثقافة الشعبية والاستعمار الثقافي وغيرها، وضعها المؤلف في أحد عشر فصلاً!

وسائل الإعلام في أفكارنا وحياتنا

في الفصل الأول يقول الكتاب إن بعض الإحصاءات التي تتعلق باستخدام وسائل الإعلام في حياة الأميركيين الذين يبلغون ما بين ثمانية أعوام وثمانية عشر عامًا أظهرت أنهم: يقضون نحو "2300" ساعة مع وسائل الإعلام كل سنة، بينها أكثر من "1100" ساعة من مشاهدة التلفزيون! وأن في غرف نوم 86% منهم تلفزيونا، و75% منهم أقراصا مضغوطة، و45% منهم ألعاب فيديو، وهذا يعني أن غرفهم أصبحت سوقًا لوسائل الإعلام.

ومن ثم فإن السؤال المطروح هو ما نفوذ أو بلغة العلوم الاجتماعية تأثير تعرضك الضخم لوسائل الإعلام في حياتك وفي حياة جميع أنواع الناس الآخرين مثلك؟

المنظر الإعلامي ريموند وليامز يستعين بمصطلح الهيمنة لوصف العملية التي بموجبها تشكل الطبقة الحاكمة وعي الجماهير، فيقول: "هي مجموعة كاملة من الممارسات والتوقعات، على كامل معيشتنا: حواسنا، تعييناتنا للطاقة، وعالمنا، يتم اختيارها كممارسات يتم تأكيدها وتعزيزها بشكل متبادل، وهكذا تشكل إحساسًا بالواقع لمعظم الناس في المجتمع".

وفي الفصل الثاني وتحت عنوان "استخدام وسائل الإعلام في الولايات المتحدة" يرى الكتاب أن وسائل الإعلام، من الناحية الفنية، هي وسائل الاتصال الجماهيري، وهناك العديد من نماذج ونظريات الاتصال المختلفة منها النظرية الأولى للغوي رومان جاكوبسن الذي قال: إن هناك ستة عناصر لأي حدث خطابي هي: المرسل، والرسالة، والمتلقي، والرمز، وأداة الاتصال، والسياق.

ويستخدم منظر الإعلام مارثال ماكلوهان منهجًا مختلفًا في تصنيف وسائل الإعلام، وذلك وفق كونها "ساخنة" أو "باردة"، قائلاً: "الوسيلة هي الرسالة"، بمعنى أن الوسيلة أكثر أهمية من مضمون النص الذي تحمله الوسيلة، لأن الوسيلة لها تأثير مهم في المحتوى الذي تحمله.

ويرى علماء الإعلام أن هناك صلة بين نظريات ماكلوهان والتكنولوجيات الرقمية الجديدة، كاندفاع عواطف الناس تجاه استخدام الهواتف المحمولة مثلاً!

البعد الاجتماعي لجماليات وسائل الإعلام

يتحدث الكتاب عن هذا البعد لمعرفة كيف أن العنف في أي وسيلة إعلامية أو أي نوع آخر من الأعمال البرامجية يكون له تأثيره في جماهيره بالشكل الذي يظهر فيه، وأنه علينا أن نلم بشيء عن جماليات وسائل الإعلام.

بدأ المؤلف بلهجة وجيزة للسيميائية، علم الإشارات أو العلامات، مستشهدًا بقول العالم اللغوي "فردينانردي سوسير": "إن العلامات تتألف من عنصرين هما: الدال (صوت أو شيء)، والمدلول (مفهوم أو فكرة)، واللغة هي نظام من العلامات أو الإشارات التي تعبر عن الأفكار، وبالتالي فهي قابلة للمقارنة مع نظام الكتابة، ولكنها الأكثر أهمية في هذا النظم".

وناقش المؤلف أساليب المخرجين وفناني الإنتاج لتكثيف معاني النصوص، وهي: اللون، والإضاءة، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية. وهذه الأساليب تساعد في تشكيل النصوص والوعي، إذا أردنا أن نفهم الأهمية الاجتماعية والثقافية للصور والشخصيات وأنشطتها في السرديات وغيرها من النصوص الإعلامية.

في الفصل الرابع يرى المؤلف أن مؤسسات ووسائل الإعلام والتسويق طورت طرقًا دقيقة لتصنيف الناس إلى شرائح مختلفة، لها أهمية بالنسبة إلى وكالات الإعلان، التي تحاول الوصول إلى الناس لبيعهم السلع والخدمات.

ويشير التصنيف إلى النسبة المئوية للأشخاص أو الأسر في منطقة ما تتلقى محطة، أو برنامجًا، أو شبكة محددة.

ويقسم المسوقون الجماهير إلى عدد من الشرائح الديموغرافية على أساس التمييز بين خصائص مثل السن، والتعليم، والدخل، والعرق، والجنس، والإثنية، وأيضًا من حيث الخصائص النفسية. فتصنيف فالس المعتمد على نظريات النمو النفسي، يقسم الجمهور إلى تسعة أنواع هم:

الناجحون، والذين يقاسون، والمنتمون، والمحاكون، والمنجزون، والمعتدون، والتجريبيون، والأفراد الواعون، والمندمجون.

وكما يقول أحد الخبراء: "تصنيف الفرد على أساس وزنيات قليلة من المواقف والخصائص السكانية يخبرنا جيدًا بما يمكن توقعه من هذا الشخص في مئات أخرى من المجالات".

يدخل هذا الفصل وهو الخامس في صميم العديد من الانتقادات الموجهة لوسائل الإعلام والثقافة الجماهيرية، وكما يردد المؤلف دائمًا "نحن لا نشاهد التلفزيون في حد ذاته، ولكننا نشاهد نصوصًا محددة: البرامج التي ينقلها، والشيء نفسه، ينطبق على جميع وسائل الإعلام".

وقدم المؤلف بعض الانتقادات الأكثر شيوعًا لوسائل الإعلام ونصوص الثقافة الشعبية التي تحملها،

في مقدمة كتبها برنارد روزنبرغ قائلاً: "الناس في الثقافات الجماهيرية يصبحون بلا إنسانية وميتين، ويسيطر عليهم القلق ويشتغلون، وهذا الوضع يتفاقم من خلال أمور مثل الروايات المبتذلة، والأقلام الهابطة، مما يؤدي إلى الإنسان الجماهيري، هذا الكيان المروع!.

الثقافة الجماهيرية هي ثقافة تافهة، وهي ثقافة مرهقة تشوه ذوقنا (مما يمهد الطريق للشمولية) وتدمر ذوقنا لكي يصبح كل ما نحبه هو الفن الهابط!".

يرى هوارد رينغولد في الفصل السادس أن الهواتف المحمولة لها تأثير عميق في الثقافات والمجتمعات، حيث أدت إلى خلق ما يسميه الغوغاء الذكية.

فقد أدت ممارسة تبادل الرسائل النصية القصيرة عبر الهواتف النقالة إلى اندلاع ثقافات فرعية وإسقاط حكومات، أما الأنظمة الرقمية فتبدي قدرة الكمبيوتر الإلكترونية على ترميز مجموعة واسعة من المعلومات رقميًّا، وإمكان تخزينها كلها، والرجوع إليها، والسيطرة عليها بالمعدات نفسها.

ومع تطور وزيادة فرص الوصول إلى شبكات الإنترنت أصبح العالم مفتوحًا لنا، وعرضة لكل أنواع الناس الذين لن نجتمع بهم أبدًا، والذين لا يعرفون من نحن، وما يطلق عليه "المجتمعات الافتراضية" للأشخاص الذين لهم مصالح مشتركة!

أما الجانب المظلم لهذه التقنية الحرفية فهو أنها تمكن الحكومات من تخزين معلومات عن الأشخاص، مما قد يؤدي في النهاية إلى إساءة استخدامها من قبل المؤسسات الحكومية.

ويلح سؤال عاجل هو: إذا كان هناك نوع من الحتمية التكنولوجية، فهل يجب أن تسمح لها بالتطور قدر ما تستطيع، بغض النظر عن العواقب المحتملة على الأفراد والمجتمعات؟!

أهمية نصوص وسائل الاتصال الجماهيري

يتناول الفصل السابع النصوص والأعمال التي تنقلها (وتشكلها إلى حد ما) وسائل الإعلام، والتي تهمل في الأغلب في تحليلات الجوانب الاجتماعية لوسائل الإعلام المقدمة من باحثي الاتصال، ويشير المنظر الروسي يوري لوتمان إلى أن النصوص معقدة إلى درجة غير معقولة، إلا أن الخلق الفني يجعلها "تتصرف كأنها نوع من الكائنات الحية لها قناة تغذية راجعة للقارئ، ومن ثم ترشده".

ولذا فالنصوص التي تحملها وسائل الإعلام قوة، فبعض الناس يحصلون على جزء من هويتهم الاجتماعية من خلال البرامج التلفزيونية، كمشاهدي حرب النجوم مثلاً، ومن وجهة نظر اقتصادية فأهم نوع تلفزيوني في الولايات المتحدة هو الإعلان التجاري، إذ لا تؤثر الإعلانات التجارية في العقول فقط (أي اتخاذ قرار بشأن المنتجات والخدمات)، ولكن تتمتع بقوة تأثير في الأجساد (نمو صناعة الوجبات السريعة مثلاً!).

وأوضح مثال للآثار الاجتماعية المترتبة على وسائل الإعلام كان مأساة 11/9 والصور ونشرات الأخبار والتغطيات، حتى إن بعض الأطباء النفسيين اقترحوا أنه سيكون من الأفضل ألا يشاهد الناس التلفزيون كثيرًا في أعقاب هذه الأحداث.

وفي الفصل الثامن يرى المؤلف أن كثيرا من تحليلات العنف في وسائل الإعلام لا يولي اهتمامًا لمشاهد عنف معينة في نصوص معينة، وذلك لأن الباحثين يبحثون عن تعميمات يستطيعون إطلاقها، وعلاقات متبادلة يستطيعون العثور عليها بين مقدار تعرض جمهور محدد لوسائل الإعلام ومقدار العنف الذي يرتكبه أفراد ذلك الجمهور.

وفي دراسة للعلاقة بين مشاهدة التلفزيون والعنف وجد الباحثون صلة كبيرة بين مشاهدة التلفزيون، والعنف اللاحق لدى كل من الفتيان والفتيات.

وهناك إحصاء أكثر سوداوية، فببلوغ سن الثامنة عشرة يكون الولد الأميركي قد شاهد 16 ألف جريمة قتل، ونحو 200 ألف مشهد من مشاهد العنف على شاشة التلفزيون، وهو ما يؤدي إلى زيادة العدوانية لديهم، وسلوكهم المعادي للمجتمع، والخوف من الإيذاء، وتجريدهم من الإحساس، وعدم التفريق بين الحياة الواقعية والخيال!!

وعندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام يكون مرسل النص عرضة للتفسير المخطئ من قبل المتلقين (الجماهير)، حيث يكتب أمبرنوا إيكو كما جاء في الفصل التاسع: "الرموز والرموز الفرعية تنطبق على الرسالة (النص) في ضوء الإطار المرجعي الثقافي العام، الذي يشكل للمتلقي تراثه المعرفي وتوجهاته الأيديولوجية، والأخلاقية، والدينية... وما إلى ذلك".

لذا يجب أن يكون هناك رباط أخلاقي للتعامل مع وسائل الإعلام، فالصحفيون يجب أن يعملوا في إطار ميثاق أخلاقي فيقدموا الخبر بأمانة ودقة، ولا يضعوا تفسيرهم وتأويلهم الخاص حول ما يغطونه.

ويتضح ما لفناني وسائل الإعلام من قوة هائلة (كلماتهم وصورهم والسرد الذي يبدعونه)، ولكن مع هذه القوة تأتي مسؤولية كبيرة، ولكن يبدو أن العديد من الكتاب والفنانين لا يريدون تقبلها.

 فرضية الثقافة الجماهيرية والمجتمع الجماهيري

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل