المحتوى الرئيسى

بشير الكبيسي يكتب: قصة السُنّي والشيعيّ في أمريكا، وضحالة الخلاف التاريخيّ بين الطائفتين! | ساسة بوست

12/10 23:03

منذ 1 دقيقة، 11 ديسمبر,2015

في أولى أيام شهر ديسمبر الباردة، بينما أنا قادم من كلية الإعلام، ومتوجه إلى كلية الآداب، من أجل حضور مادة “فن الكتابة والتعبير” التي لطالما أحببتها، ولم أتخلف يومًا عن حضورها، رغم أن توقيتها يفقدني صوابي قليلًا لأنها؛ في نهايةِ يومٍ دراسي متعب، حيث يفتقد الشخص لكل معالم الحيوية والنشاط.

وفعلًا، لم أبدأ المحاضرة كما هو معتاد، فأصابني الضمور، وشعرت أنني بين خيط الصحوةِ والغفوة، وفي هذه الأثناء، بدأت تراودني الكثير من المشاهد المفزعة من حولي، حيث هموم الأمة وجراحها، وضياع الأجداد والآباء، وتشرد الأبناءِ والأحفاد، وبين هذا الهم وذاك، ليس هناك أية أضماد في الحسبان، تشفي جروح وطننا العربي المغلوب على أمرهِ.

ولكن فجأة، فزعت من مضجعي، وأجحضت عيني بما رأت وسمعت! في الوقت الذي بدأ فيه الدكتور إبراهيم خليل أستاذ اللغة العربية الأغر، يروي لنا قصة تشبه حكايات أجاثا كريستي، الكاتبة الإنكليزية التي اشتهرت بكتابة الروايات البوليسية، ولكن بمكانٍ وزمانٍ مختلفين، إلا أن قواسم الأحداث بينهما كثيرة، منها الإثارة والسخرية في نفس الوقت.

إن مكان القصة، في الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الجلالةِ والفخامة، والزمان في القرن الحادي والعشرين من الميلاد، أما أحداث القصة، فبدأت من مُشادة كلاميّة حادة، بين شابين ينتميان إلى الطائفة السُنية والشيعية، أكبر طائفتين إسلاميتين، وجوهر الخلاف بينهما كان يرتكز، على من قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) سبط النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، على الرغم من أن تاريخ القتل يعود إلى سنة 61 من هجرة الرسول من مكة إلى المدينة!

وبعد الكثير من السجالات، وقع الاثنان بوساوس الشيطان، ومسكا بعضًا، الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة المحلية، فنزل أحد رجال الشرطة واستفسر عن أسباب ما رأوه، وعندما سمعوا بأن الخلاف عن حالة قتل، فزع الشرطي ومن معه فتمت عملية اعتقالهما فورًا، ونقلا إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وفي غضون عملية التحقيق التي أُجريت على إثر ما جرى بين الشابين، اكتشف الضابط المسؤول، أن أسباب الخلاف بينهما عن حالة القتل التي كانا يتحدثان عنها، يعود تاريخها إلى مئات السنين، الأمر الذي أغضب الضابط وأثار سخريته، ولكن إلى الآن لا أعرف مصير هذين الشابين، لأن ضحكة الدكتور إبراهيم خليل نتيجة انتهاء القصة، أثارت امتعاضي، لأسبابٍ عدة.

ولو تعمقنا بما حدث بين الشابين، لوجدنا حقًّا أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء الخلافات السطحية بين السُنةِ والشيعة، وتسببت في أحيانٍ كثيرة إلى حروب طاحنة ازهقت عشرات الآلاف من الأرواح البريئة، ومنها أن “السنة يعتقدون العصمة للأنبياء فقط، أما الشيعة فيؤمنون أنها للأنبياء والأئمة الاثني العشر من أهل البيت”، وأيضًا “الصراع بينهما حول من يكون الإمام ويحكم بعد وفاة الرسول الأكرم”، إلى جانب مسائل “كزواج المتعة الذي يعتبر مباحًا لدى الشيعة بينما السنة يعتبروه بمثابة الزنا”، علاوةً على “الميراث والخلاف الأزلي على من قتل الحسين بن علي عليه السلام”. ورغم أنه لا يوجد هناك اتفاق على هذا الموضوع، فهناك الكثير من الروايات المتضاربة، إلا أنهما ما يزالان يكيلان الاتهامات لبعضهما البعض.

على الرغم من جلّ الخلافات الهمجية التي حدثت وما زالت، بين السنةِ والشيعة، ولكن هناك حقيقة مفصلية لا بد من جميع العقلاء معرفتها، أن كل المسائل التي اختلفت عليها هاتان الطائفتان، مرتبطة بشكل وثيق بالفروع الثانوية، أما الأصول الدينية فهي ثابتة ومتفق عليها الجميع، الأمر الذي يجعل من خلافهما سطحيًّا ومحل سخرية، مقارنةً بالصراعات التي حدثت بينهما.

بيد أن هذا الصراع الإسلامي السني- الشيعي، ليس بمشهد جديد على التاريخ العالمي، فالحروب الدينية سادت أيضًا في أوروبا وتحديدًا في القرون الوسطى وما تلتها، عندما كانت الكنيسة هي السلطة العليا وقتذاك، وسيطرت على الجوانب الدينية، والسياسية ، والاقتصادية، والعسكرية، على حساب الملوك والأمراء والطبقة البرجوازية ونتيجةً لذلك؛ نشأت الحروب الشرسة بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا وفرنسا لعشرات السنين، إضافةً إلى الحروب الصليبية، ومحرقة اليهود الشهيرة التي قام بها النظام النازي للديكتاتور أدولف هتلر، ومذابح الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية.

وفي تلك الأثناء، كانت الدولة الإسلامية في أوج عطائها وعظمتها، لأنها كانت تسير كدين ودولة، وكل جانب مكمل للآخر، ولكن في العصر الحديث حدث الشرخ بين الجانبين وبين صفوف المسلمين، نتيجة الخلافات المبتذلة، وتدهور الحال، وكثرت الصرعات، وازدادت الفتن والمؤامرات.

وبالتزامن مع ذلك، تمكنت أوروبا في العصر الحديث من الخروج من ذلك الظلام الذي لازمها طيلة العصور الوسطى، وتخلصت من سيطرة واستبداد الكنيسة القسري وتسلط رجال الدين، وأعادت الأمور إلى ما يجب أن تكون عليه وبدأت الانطلاقة الحقيقية التي لم نقو نحن على مواكبتها حيث أصابنا ما كان سببًا في تراجعهم سابقًا.

إذا أردنا المضي قدمًا في عملية إصلاح شاملة، تخلصنا مما نحن فيه من مآسٍ، يجب أن نتخلص أولًا من سفهاء العلماء الذي أججوا نار الفتنة بين صفوفنا، وأضعفوا قوتنا، وكانوا سببًا لنشر كل ما حرمه الله بيننا، من قتلٍ وسفكٍ للدماء الطاهرة، وبعد ذلك نفكر في الإصلاحات الأخرى التي تنقلنا من كوكب الدول النامية- المتخلفة، إلى سرب الدول المتقدمة أو إلى ما وراء التقدم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل