المحتوى الرئيسى

مروان ياسين الدليمي يكتب: مصير اللاجئين بين داعش والأنظمة | ساسة بوست

12/10 22:41

منذ 1 دقيقة، 10 ديسمبر,2015

يتحمل تنظيم دولة الخلافة (داعش) مسؤولية جريمة نزوح  الناس عن مدنهم وبيوتهم في سوريا والعراق، إضافة إلى مسؤولية السلطات الرسمية في هذين البلدين.

الاثنان ارتكبا أبشع الجرائم بحق الناس وحريتهم وكرامتهم، إلا أن تنظيم داعش لم يكتف بذلك، وبقي يلاحقهم في صحوهم ومنامهم، وبكل شيء يحبونه ويعتزون به.

لم يكن هدف داعش الجوهري عندما سيطر على المدن أنْ يستولي على البيوت والأموال، بقدر ما كان هدفه أبعد وأخطر من ذلك بكثير.

أن يسعى بكل ما يستطيع إلى تغيير إنسانيتنا، لنتحول إلى أشبه ما نكون بالوحوش، لدينا كامل الاستعداد للقتل والذبح والسلخ والحرق، دون أن ترتجف أيادينا، ويوخزنا ضميرنا، ودون أن نشعر بالشفقة على الضحية وهي تتوسل إلينا.

يريدنا أن نقتل بدم بارد كما يظهر أفراده في أفلام الفيديو التي يتقصد عرضها على الإنترنت، حتى يروض من خلالها مشاعرنا دون أن ندري، لنكون مثله بلا إحساس أمام الضحية.

وقد نجح في خطته إلى حد كبير، لنجد أطرافـًا عديدة تدعي رفضها لتنظيم داعش لكنها باتت تمارس أساليبه نفسها في القتل والتعذيب والتمثيل بالجثث، وشبكة الإنترنت باتت مليئة بمقاطع الأفلام التي تظهر فيها عناصر تنتمي لقوات الحشد الشعبي العراقية وحزب الله اللبناني وهي تتباهى بما تقترف من جرائم. ووصل الأمر في هذه اللعبة الدامية إلى الحد الذي تم فيه صنع شخصية (أبي عزرائيل ) في العراق وفق مواصفات البطل الأمريكي في أفلام رامبو الشهيرة وتم تسويقها إعلاميًا في أكثر من ريبورتاج تلفزيوني  يستعرض جوانب من حياته كإنسان ومقاتل لا يقهر في جبهات القتال وهو مدجج بكافة أنواع الأسلحة الحديثة، لكننا في جميع الريبوتاجات لم نشاهد فيه ما هو مميز في بسالته، باستثناء بنيته العضلية، وتلك الابتسامة الساخرة التي كانت تعلو ملامحه، وقد انتشر له مقطع فيديو قصير يشاهد فيه وهو يقطع بسيف حاد أطراف جثة ٍ معلقة تفحمت أجزاء منها بنارٍ كانت تتصاعد إليها من الأسفل!

هذا المشهد يختصر ما ذهبنا إليه في أن داعش قد وصلت رسالته إلى أعدائه وأصبحوا بالصورة التي أرادهم عليها، قساة غلاظـًا لا يرتجفون أمام صرخات الضحية، ولديهم الاستعداد التام للمضي بهذا الطريق حتى لو صرخنا جميعًا من شدة الألم.

وليس حال المواطنيين العراقيين الذين بقوا في مدنهم المحاصرة بقوى الإرهاب، والقصف العشوائي من قبل قوات الجيش والحشد بأفضل من حال الذين غرقوا في البحر؛ فنزيف الموت يحصد العشرات منهم يوميًا، حتى إن العدد وصل إلى أكثر من ثمانية آلاف قتيل من مدينة الفلوجة وحدها، كلهم من النساء والرجال والأطفال المدنيين، هذه الإحصائية تشمل أعداد القتلى من اليوم الذي تقدمت فيه قوات الجيش واقتحمت خيم المعتصمين قبل أكثر من عام ونصف وحتى الآن. منذ تلك اللحظة والقتلى من المدنيين يتساقطون في مدن صلاح الدين وديالى والموصل والأنبار، لكن مدينة الفلوجة تكاد تستحوذ على أعلى نسبة من أرقام القتلى.

لربما يقول قائل بأن هذه المدينة تدفع هذا الثمن لأن تنظيم داعش يتواجد فيها أكثر من أية مدينة أخرى من مدن الأنبار المطوقة بقوات الجيش والحشد . ولهذا كان نصيبها من القصف أكبر من غيرها، ومن الطبيعي أن يكون قتلاها هم الأكثر.

مثل هذا الكلام  يبدو سليمًا ولا نختلف عليه، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لقد مضى على بدء المعارك في الرمادي فترة طويلة تصل إلى أكثر من عام، وفي كل يوم يصدر بيان رسمي يعلن تقدم القوات العراقية ولم يبق سوى أيام ليتم تطهيرها من الدواعش، فمرة يؤكد البيان أن عيد الفطر ستتم صلاته في الأنبار، وأخرى ستكون صلاة عيد الأضحى القادم في الفلوجة وهكذا مرت كل المناسبات الوطنية والدينية والقذائف تتساقط على رؤوس المدنيين الفقراء الذين لا يملكون القدرة على الهرب، ومع ذلك مازلنا ننتظر اليوم الذي سنصلي فيه في الأنبار أو الفلوجة أو الموصل، ونخشى أن يأتي ذلك اليوم لكننا عندما سندخل هذه المدن لن نجد أرضًا منبسطة نستطيع الصلاة عليها، بعد أن علت الخرائب والجثث أراضيها.

كل الشعوب عندما تقف في لحظة مصيرية يتعرض فيها وجودها إلى الفناء من قوة غاشمة لن تترد في اختيار المواجهة ودفع الثمن غاليًا من خيرة أبنائها لأجل ألا تنكسر إرادتها أمام من يريد كسرها، ولأنها على ثقة بأن الحرية هي الثمن الأغلى للدم الطاهر، إلاّ أن الصورة في الحالة العراقية تبدو على غير تلك الصورة، فكل شيء يبدو فيها غامضًا، فالعراقيون مازالوا يدفعون الثمن غاليًا من حياتهم، وما من خطوة ملموسة على الأرض تبدو متجهة نحو الأمام، وكل الإشارات تؤكد ثبات الحال على ما هو عليه إن لم يكن في حالة تراجع إلى الخلف، سوى بيانات تنهال علينا بين فترة وأخرى ترزقنا بمخدر مؤقت يشعرنا بأننا على بعد خطوة واحدة من النصر على الإرهاب، وأن العودة إلى مدننا وبيوتنا باتت أقرب إلينا من أنفسنا. وفي دوامة هذه اللعبة التي تمارس علينا ندفع الثمن باهظًا من أعمارنا وأحلامنا وأعز أحبابنا، وما من أمل قريب يبدو واضحًا لنا ليطرق أبوابنا.

وما بين انتظار طويل يقصف أعمارنا نوزع ضحايانا ما بين البحر والبر، بين القصف والخطف، العلة في محنتنا ليست فقط في أولئك الأوباش الذين احتلوا مدننا واستباحوا حياتنا، العلة بمن أوليناهم أمرنا، ولم يكونوا إلاّ بلوةً علينا.

يومًا بعد آخر يترسخ يقين لدى عموم الناس وخاصة المهجرين والنازحين، أن ساسة البلاد لا نية لهم ولا استعداد لديهم لتحريرنا مما نحن فيه من ذل وهوان، ويبدو أن بقاء هذا الوضع على حاله أكثر فائدة وأكثر جدوى لهم مما لو تحررت مدننا؛ لأنهم يجنون الأموال من هنا وهناك باسمنا.

ليست جنة الغرب بديلاً عن الوطن

صارت محنتنا سبوبة عيشهم وبقائهم، وما من جهد يتحملونه إزاءنا سوى أن يكرروا على مسامع العالم مأساتنا ويذرفوا دموع التماسيح علينا، فما أسهل من هذا لكي يبرروا وجودهم وبقاءهم في مناصبهم.

العوائل العراقية والسورية اللاجئة التي غرقت وتغرق في بحر ايجه وهي تتجه من تركيا إلى اليونان، كانت تسكن آمنة في أرض الآباء والأجداد، ولم يكن يخطر في بالها ولا في حسبانها أن تغادر مكانـًا يسكن دمها ومسامات جلدها قبل أن تسكنه.

ما يربطهم مع الأرض والسماء والهواء والأشجار التي غادروها علاقة أكبر وأعمق من أن تجعلهم مبهورين بمكان آخر وبلد آخر، وكل البلدان لن تكون بديلاً عن حلب والموصل وبغداد ودمشق، ولا شيء أعز على الإنسان من الأرض التي ولد عليها أجداده وآباءه وأحفاده.

اللحظة التي يقرر فيها الإنسان أن يهجر هذه العلاقة الوجدانية ويطويها كما يطوي صفحة كتاب انتهى منه هي أشد اللحظات صعوبة وقهرًا عليه.

لا شيء أشد قسوة من المشاعر التي يختلج بها القلب ساعة الرحيل عن موطن الطفولة والشباب والأهل والأصدقاء والأحبة، ليس سهلاً أن تفارق ما تحب، في تلك اللحظة يموت واحدنا ألف مرة ومرة، ويدفع نفسه خطوة إلى الأمام ويتراجعُ خطوتين إلى الوراء.

هذه المشاعرالجارحة دارت مرّتين على معظم الذين قرروا الرحيل عن بلدانهم مرغمين، الأولى، ساعة خرجوا منها بعد أن اجتاح تنظيم داعش مدنهم واستباح كل شيء أمامه، والثانية، عندما ضاقت بهم الدنيا في أمكنة النزوح وانعدم بهم الأمل في أن يعودوا إلى ديارهم، فكان قرار خروجهم إلى البحر بمثابة انتحار.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل