المحتوى الرئيسى

نوران سلام تكتب : الصحافة والحكم ..كتاب يتصنع البراءة ولا يخلو من خبث - e3lam.org

12/06 16:51

رأيت الأستاذ محمد العزبي لأول مرة في ليلة صيفية من تلك التي تهب فيها نسمات باردة بلا مبرر علمي، كان هذا في شرفة منزله المطلة على حديقة الميريلاند. رأيته وارتعدت.

كنت صغيرة لا أصدق أني في بيت صحفي كبير ورئيس تحرير سابق وأنا بعدي طالبة جامعية أتدرب في صحيفة أثناء عطلة الصيف.

وكنت أيضا – وهذا سبب الرهبة الأساسي – على وشك أن أتزوج ابنه وأصبح فردا في أسرته.

الأستاذ العزبي بسيط وسهل المعشر وخفيف الدم، كل هذا صحيح. لكن قل هذا لفتاة في التاسعة عشرة تعاني من خجل مرضي وتتقن إخفاءه. ثم إنه كان يومها قليل الكلام طويل الصمت. كان على الأرجح – وقد أكون مخطئة – ليس أقل رهبة مني: أول ابن في الأسرة يتزوج. لحظة فارقة.

لكن هذا المقال عن الأستاذ محمد العزبي الكاتب الصحفي. وعن كتابه الأحدث “الصحافة والحكم”.

“كلما لاح في الأفق حبس صحفي أتحسس قلمي.. أخال السن انقصف، وأخشى أن ترتعش يدي، مع أنني لست معارضا أتجاوز حدودي، أو مشاغبا تطيش كلماتي.. أو في قلبي هوى”

بنثر كالشِّعر إذن يستهل الأستاذ كتابه. شيخ الصحافة المصرية الوقور الذي رأس تحرير الايجيبشان جازيت وتفرغ الآن لأرفع منتج صحفي؛ كتابة المقال معروف فعلا بمعارضته الهادئة، بسخريته الدمثة. فبكلمة يستغني عن جملة، وبفقرة  عن مقال، والهمسة منه تجعل صراخ الآخرين يبدو فجاً جداً.

كتاب يمتعك لصحفي “كتّيب” على حد تعبير وحيد الطويلة، تتمهل في قراءته. تتأنى لتتلذذ بكل فصل من فصوله. يركز على علاقة الصحافة بالسلطة وستخرج منه غالباً بنتيجة مفادها “ما أشبه اليوم بالبارحة” غير أنك ستتحسر على قامات رحلت لم يملأ فراغ رحيلها أحد.

كاتب تلو رئيس تحرير تلو إعلامي، يسرد الاستاذ العزبي مواقفهم جميعاً من السلطة ولك أيها القارئ الخروج بالنتائج وعقد المقارنات:

حسين فهمي أول رئيس تحرير للجمهورية باع أرض الأسرة كي يشتري مطبعة لإصدارها. استقال تاركاً الجمل بما حمل بسبب تدخل أنور السادات في التحرير.

مصطفى شردي رئيس تحرير الوفد رفض سيارة مرسيدس هدية من صدام حسين في ١٩٨٨ تلقى كل زملائه مثلها، فأمر مبارك بضم ملكية السيارات للمؤسسات الصحفية.

أحمد بهاء الدين (وفي سابقة فريدة) مُنع نشر مقاله في الأهرام عن الشيخ الفاسي خشية توتير العلاقة بين مصر والسعودية فظل يسلم المقال الممنوع كل يوم في الواحدة ظهرا كعادته، يتصلون به فيتمسك بموقفه، وفي اليوم التالي يتكرر نفس الأمر، حتى لم يعد يرد.

ومصطفى أمين اتُهم بالتجسس وسُجن تسع سنوات، لكن الأستاذ العزبي يؤكد براءته على عهدة أحمد عطية صالح.

ومصطفى بهجت بدوي رئيس مجلس ادارة الجمهورية ظل يزور الصحفيين الذين فصلهم السادات كل أول شهر في بيوتهم – ومنهم الاستاذ العزبي – ليسلمهم الراتب.

أما هيكل فقد كان له نصيب كبير من الكتاب. حدوتة تلو نادرة تلو سر تلو مفاجأة، وليس سهلا لو تعلمون الكتابة عن “الأستاذ” فمريدوه متربصون متحفزون شرسون!

قرأت الفصل المخصص للأستاذ ياسر رزق ثلاث مرات، وجدته غامضا ولا زلت. كلام يبوح ولا يبوح. ترى ماذا بين السطور يا أستاذنا؟

كل مهتم بالمشهد الصحفي والإعلامي والسياسي في مصر سيجد عناوين مؤلفات كثيرة تكتمل بها مكتبته ومعرفته: فالأستاذ العزبي يشير إلى كتاب “كل حريم الهانم” لمحمد عيداروس، ويعقد مقارنة غاية في الرشاقة والتشويق بينه وبين رواية “كل رجال الهانم” لمحمد ابراهيم طعيمة.

وهناك “الصندوق الأسود” لكارم يحيى عن حسين سالم، “أونكل حسين” كما يعرّفه الأستاذ العزبي على لسان جمال مبارك.

وعرض هو درس في عبقرية الإيجاز لكتاب “عشت مرتين” لصديق عمره حمدي قنديل. وغيرها كثير.

ترصّع الكتاب إضاءات عن المؤلف ذاته الذي ربما هو أشد تواضعا من أن يؤرخ لذاته منفرداً… اعتقاله في عهد عبد الناصر، ثم إحالته على المعاش في سن الحادية والثلاثين في عهد السادات، هجرانه الطب بعد سنوات من دراسته من أجل عيون صاحبة الجلالة. وجوانب شخصية يخبؤها هنا وهناك، فالبيت في الدور الخامس “دون أسانسير”، والفسيخ محرم منذ سنوات خمسة.

كتاب يتصنع البراءة ولا يخلو من خبث. فبعد فقرة تتحدث عن تصريح لأشرف سالمان وزير الاستثمار في ٢٠١٤ بأن الحكومة تبحث اصدار رخصة للإعلاميين يمضي الكاتب في فقرة منفصلة قائلا: “زمان كانت تصدر رخص للحمير تحدد لونها ومجال نشاطها… هذا مع الفارق وعلى سبيل المثال!!”

ويذكر اتهام صلاح سالم لثلاثين صحفيا بتقاضي أموال من الداخلية وأن المرضيَّ عنهم من رجال المخابرات وقتها ترأسوا الصحف ثم يتساءل: “هل يعيد التاريخ هذا التصرف؟”

أسرار ونوادر أكثر من أن تحصى يعج بها الكتاب. رجل الأعمال السوري طلال الزين تبرع بمليون دولار لمكتبة الإسكندرية، لكن الشيك أعيد إليه مع طلب بأن يكتب على الشيك “سوزان مبارك”.

ورئيس الوزراء افتتح مستشفيين في الاسكندرية في ٢٠١٥ ثم أصدر بعد أيام قرار بإغلاقهما، فقد كانت تمثيلية أمام هولندا الممولة: تمت استعارة الأطباء والممرضين بل والمرضى من مستشفيات أخرى!

وصفوت حجازي أفتى لأحمد الفيشاوي في فضيحة زواجه العرفي من هند بذبح عشر نوق، وأفتى لهند بذبح خمسة وبإجهاض الجنين!

وموسى صبري كان مستعدا لتغيير ديانته ليتزوج من ابنة الشيخ الباقوري، وهنري بحري أحب سناء منصور وأعلن إسلامه ليصبح توفيق بحري لكنه مات قبل الزواج.

والكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن رشح “حمدي قنديل” للتكريم في مهرجان التلفزيون فساد الوجوم في القاعة الى أن قطعه وزير الإعلام أنس الفقي قائلا: “ترشيح ممتاز..الأخ حمدي الكنيسي فعلا يستحق التكريم!”

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل