المحتوى الرئيسى

حسام الخولي يكتب: ” Rotten Tomatoes” الطماطم العفنة وأخواتها.. بوصلات المشاهد التي قلما تخطئ

12/06 10:45

في زمن -يبدو الآن بعيدا جدا- لم تكن الطرق التي يمكننا أن نختار بها كيف نقضي أمسياتنا  وأوقات  الفراغ بهذا التنوع الذي نشهده الآن، فحتى أوائل التسعينيات تقريبا كانت قنوات التليفزيون محدودة نسبيا، والإنترنت

– بالذات بالنسبة للمواطن العربي – كانت مصطلحا مهيبا وغامضا إلى حد كبير، وله هيبته كشكل من أشكال التكنولوجيا الغربية الصناعية والعسكرية التي لا يمكن أن يكون لها استخدام يوميا على المستوى الفردي في العمل أو اللهو، لكن في ذات الوقت, ورغم عيوبه فقد كان نقص الاختيارات له ميزاته البسيطة، فقد كان الاختيار نفسه أكثر سهولة، وأيضا  لم تكن بيئة العمل والدراسة  متطلبة وتنافسية و ضاغطة بهذه القسوة التي نعايشها الآن، فلم تكن آنذاك أوقات الفراغ عزيزة وثمينة لهذه الدرجة، وكان هناك هامش لتحمل تضييعها في متابعة أعمال لا تستحق ولا تجلب المتعة الكافية.. ذلك الهامش الذي أخذ يضيق شيئا فشيئا عبر السنين التالية حتى كاد يختفي تماما.

يمكن لأي من عشاق السينما المخلصين أن يحدد عددا قليلا من الأساليب التي يقوم بها باختيار العمل القادم الذي سيشاهده.. لا يخرج الأمر غالبا عن ترشيح من صديق أو زميل, أو التأثر بالدعاية المتناثرة هنا وهناك للأعمال، أو سابق معرفة تبعث على التحمس والثقة  بأحد صناع العمل من مخرج أو كاتب أو نجوم، لكن قد تعرضنا جميعا من قبل لأوقات عصيبة في مشاهدة أعمال سيئة بسبب الاعتماد على أحد هذه الأساليب، وتوفر لنا الثورة المعلوماتية في هذا الزمن أدوات جديدة أكثر كفاءة لتجنب التغرض لمثل هذه الأوقات ثانية.

هناك مثلث من المصادر على الشبكة العنكبوتية لا غنى عنه البتة لمن تملكه حب السينما وإرادة الخوض في عوالمها المتشعبة عبر السنين والبلاد والصناع والنوعيات.. يتكون هذا المثلث من موقع Wikipedia  .. هذه الموسوعة العملاقة التي بدأت عام 2001 كمشروع طموح غير هادف للربح  لموقع معرفي يساهم مستخدميه أنفسهم بتقديم محتواه.. الموقع الذي يحتوي حاليا على سبعة وثلاثين مليون مقال أو  مادة  بمئتي وخمسين لغة   يمكن متصفحه من التنقل السريع على واجهة بسيطة عبر الآلاف من الروابط التي تتواجد في متون وهوامش  المقالات بالإضافة للمصادر.. مما يسمح للباحث على سبيل المثال إذا اهتم بعمل سينمائي  ما, أن ينتقل إلى صفحات صناعه وفريق عمله بسهولة لتجد قوائم أعمالهم السابقة وتنتقل إليها بدورها وهكذا.

الموقع يمتلك بوابة مخصصة للأفلام تتشعب بالمتصفح لآفاق شبه لانهائية من المعلومات ويمكن بسهولة الضياع فيها لمن لا يبحث عن شيء محدد جدا.

الضلع الثاني من هذا المثلث هو موقع IMDB  .. هذه هي الموسوعة العالمية للأفلام وهو موقع مخصص بشكل أساسي لتوفير المعلومات عن الأفلام وصناعها على مستوى العالم.. الموقع مفيد جدا وإن كانت واجهته أكثر تعقيدا إلى حد ما، لكنه يتميز بخاصية مفيدة إلى حد كبير وهي المجموعة الثرية من القوائم, بداية من المرتبطة بفيلم  ما  حيث تحدد عددا من أفضل الأفلام المشابهة له في النوعية أو تلك التي اهتم بها ذات المجموعة من المستخدمين، وحتى قوائم أفضل الأفلام على الإطلاق وأفضلها لهذا العام والقوائم المخصصة لنوعيات بعينها وهكذا، يحتوي IMDB   على قاعدة معلومات ثرية تضم ملايين الشخصيات من صناع السينما والممثلين, كما يوفر آلية لتقييم الأفلام بناء على متوسط مجمع للتقييمات التي يوفرها المستخدمين ونقاد الموقع  من واحد لعشرة إلى جانب روابط لتقييمات نقاد المواقع الأخرى ليوفر صورة أكثر شمولا عن أداء العمل على المستوى الفني.

نأتي للضلع الأخير وهو موقع الطماطم العفنة, Rotten Tomatoes  ذلك الموقع الذي بدأ في عام 1998 وعمل حتى الآن بنموذجه الأولي  مع الكثير من التوسع والتطوير ليشمل أيضا مع الأفلام السينمائية المعروضة في دور السينما, أعمال الترفيه المنزلي سواء القادمة من السينما أو الموجهة خصيصا للمنازل، بالإضافة إلى المسلسلات التليفزيونية.. الاسم الغريب يأتي مستوحى من الممارسة الشهيرة عبر التاريخ في العروض الحية بأوروبا والولايات المتحدة، حينما يقوم المتفرجين الغاضبين بسبب  سوء ورداءة ما يقدم لهم على خشبة المسرح بإلقاء الطماطم الفاسدة (وأنواع أخرى من الأشياء المؤذية) على المؤديين تعبيرا عن الإزدراء وعقابا لهم على تضييع الوقت والمال.

يختلف هنا هذا الموقع عن سابقيه بكونه معتمدا بشكل أساسي على فكرة التقييم، فالأفلام تقيم من خلال ثلاث طبقات مختلفة من المستخدمين, هناك أهم أو كبار  النقاد، هولاء من ينشرون آراءهم في كبريات الدوريات الأمريكية والعالمية مثل التايمز والنيوزويك والجارديان, كان من أكثر هؤلاء بروزا على الموقع  الأمريكي، الراحل “روجر إيبرت”، وقد كان من أهم نقاد السينما على مستوى العالم واشتهر بقسوته وآرائه الحادة العنيفة. ثم نقاد أقل شهرة ونجومية، وأخيرا تقييمات المستخدمين من الجمهور المسجلين في الموقع، وهي إمكانية يوفرها لكل رواده، وآلية التقييم نفسها بسيطة جدا حيث يقوم كل مستخدم بإعطاء الفيلم صفة واحدة من اثنتين.. إما “طازج” أو “عفن”، ويقوم الموقع بحساب النسبة المئوية التي حصل عليها كل فيلم من التقييم الأول، وإذا تعدت هذه النسبة الستين بالمئة من الآراء التي تصف الفيلم بالـ”طازج” فإنه يحصل على هذا التقييم.. أما لو انخفض عن هذه النسبة، فأنه يحصل على علامة “عفن” الممثلة بثمرة طماطم خضراء مهروسة ومقززة، بينما لو تعدت نسبة طزاجة العمل الخمسة وسبعين في المائة، فإنه يحصل على شهادة خاصة تميزه عن غيره بشرط أن تتضمن التقييمات خمسة من  كبار النقاد وأربعين ناقدا عموما على الأقل.

للمشاهد والهاوي المخلص يمثل هذا الموقع مؤشرا هاما، لأنه لو تعدى أي من الأفلام المقيمة عليه نسبة الثمانين بالمائة، فإن ذلك يعني بدرجة تأكد كبيرة أنه عمل يستحق المشاهدة، لكن الموقع تعرض لانتقادات حادة دائما بسبب عيبين رئيسيين في النموذج الذي يتبناه، ويعمل على أساسه.. العيب الأول هو التفاوت الذي يحدث أحيانا بشكل لافت ما بين تقييمات النقاد والجمهور.. بحسب “أحمد محرز”، وهو مشاهد سينما متعصب، فإنه يفضل الاعتماد على  تقييمات الجمهور، لأنه يشعر أن النقاد يميلون قليلا للنخبوية والتعالي على الأعمال بالذات الكبيرة والتجارية منها أو المثيرة لجدل شديد بسبب محتواها.. أحد أشهر الأمثلة أن فيلم المخرج الكبير

“أوليفر ستون” Natural Born Killers  يحصل على تقييم منخفض جدا (46 بالمائة) من النقاد، بينما يحصل على 81  بالمائة في تقييمات المشاهدين، بالرغم من الحماس والدعم الكبير الذي حصل عليه من نقاد مثل “إيبرت”، إلا أن العنف العبثي المبالغ فيه الذي يعرضه الفيلم حمل الكثير من النقاد على مهاجمته، ربما مجاملة لجمهورهم الأمريكي الأكثر محافظة من نظرائه في أوروبا.. العيب الآخر أن كثيرا من الأفلام المستقلة والأقل حظا من ناحية الانتاج، لا تجد لها مكانا على خارطة الموقع، وإن وجدت فإن قلة عدد مقيميها لا تعطي مؤشرا دقيقا على مدى جودتها الفني.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل