المحتوى الرئيسى

ليبيا: من «ليون» و«كوبلر» إلى «داعش»

12/03 21:56

الألمانى مارتن كوبلر تسلم مهامه كمبعوث دولى لليبيا، بعد انتهاء ولاية الإسبانى برناردينو ليون، الذى قاد عاماً من المفاوضات غير المباشرة بين أطراف الأزمة، الفروق الشخصية بينهما لا تعنى الكثير، فجميعهم ينفذون أجندات غربية، لإعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة، رغم عام من الوساطات، لم يجمعوا الفرقاء الليبيين على مائدة واحدة، ما يعكس صورة ليبيا المقسمة التى يريدون تكريسها.

«اتفاق المصالحة» استند على مبدأ التوافق، وعدم تكريس هزيمة طرف، واعتبار ما يجرى صراعاً سياسياً، متجاهلاً طبيعة الميليشيات ودورها الإرهابى، ما أكسبها الشرعية، الاتفاق تضمن ثلاثة محاور، حكومة وفاق وطنى، «البرلمان» يمثل الهيئة التشريعية للنظام، مجلس أعلى للدولة يشغل أعضاء «المؤتمر» 75% من مقاعده، وتتجاوز صلاحياته الدور الاستشارى إلى التشريعى، يشارك «البرلمان» فى القرارات السيادية؛ كتعديل الإعلان الدستورى، سحب الثقة من الحكومة، إصدار القوانين، تعيين شاغلى المناصب السيادية فى الجيش، الأمن، المصرف المركزى، النيابة العامة، ديوان المحاسبة، الرقابة الإدارية، مكافحة الفساد، ومفوضية الانتخابات، التى تقضى المادة الثامنة من الاتفاق بإعادة النظر فيها خلال 20 يوماً، وما لم يتم التوافق بشأنها تصبح شاغرة، ما يعنى مشاركة «المؤتمر» فى تعيين الكوادر التى تقود الدولة، أما النواب المقاطعون فقد منحهم الاتفاق حق إعادة النظر فى القرارات والتشريعات الصادرة فى غيابهم، ما يعنى حق إلغائها!

تشكيل حكومة الوفاق، التى أعلنت ضمن إجراءات تنفيذ الاتفاق خضعت تارة لمنطق المحاصصة، وأخرى لتوازنات القوى، وثالثة لاعتبارات براجماتية، ما حولها لتركيبة غير متجانسة قد يصعب توافقها، يرأسها فايز السراج، عضو البرلمان عن طرابلس، ونجل مصطفى السراج صاحب الدور الوطنى إبان الاستقلال، ما يمكنه من نقل مقر الحكومة للعاصمة، الخاضعة لقوات «فجر ليبيا» و«المؤتمر» والإخوان، الاتفاق تضمن تشكيل مجلس رئاسة، يضم رئيس الوزراء وثلاثة نواب، ووزيرين، لكنهم توافقوا على توسيعه ليضم خمسة نواب، وثلاثة وزراء. «البرلمان» و«المؤتمر» رفضا الاتفاق، لكن نواب فزان بالبرلمان تقدموا بمبادرة لقبوله، أيدها 92 نائباً، تضمنت اشتراط الإجماع فى اختيار المناصب السيادية العليا، والتحفظ على المادة الثامنة، حتى لا تطيح بقادة المؤسسات المنبثقة عن الحكومة «الشرعية»، وعلى رأسها الجيش.

وضع قوات «فجر ليبيا» أعقد ما واجه الاتفاق، فهى أكبر من الميليشيات، وأقل من الجيش الوطنى، أكبر تشكيلاتها كتائب مصراتة، ما يفسر اختيار عبدالرحمن السويحلى «مهندس عملية فجر ليبيا» لرئاسة مجلس الدولة، وفتحى بشاغة قائد إحدى الكتائب لمجلس الأمن القومى، لقدرتهما على التأثير عليها، وضمان ولائها للحكومة، وحماية وجودها بطرابلس، مما أدى لتحولات جوهرية؛ فقد انسحبت ميليشيات مصراتة من قوات فجر ليبيا وأعلنت قبولها للاتفاق، قيادات فجر ليبيا الرافضة اجتمعت بتركيا مع المبعوث الدولى وممثلى الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، بحجة بحث الترتيبات الأمنية المتعلقة بتنفيذ الاتفاق، وعادوا ليحاصروا مقر حكومة طرابلس احتجاجاً على رفض «المؤتمر»! وتشكلت داخله مجموعة من 45 عضواً مؤيدة للاتفاق ومعارضة لرئاسته، وحزب العدالة والبناء التابع للإخوان رحب بالاتفاق رغم تحفظاته السابقة، كل المؤشرات تؤكد أن الغرب يتحكم فى خيوط اللعبة السياسية بالبلاد.

الجميع تطلع لمشروع الدستور الذى تعده الهيئة التأسيسية، باعتباره البديل الوطنى للمشاريع الدولية، لكن الخلافات بين الأعضاء، وتناقض مصالحهم، حالت دون توافقهم، الترهونى رئيس الهيئة شكل لجنة منتخبة من 12 عضواً تمثل الأقاليم الأربعة، لإنهاء المشروع بالتزامن مع انتهاء المدة القانونية للبرلمان فى 20 أكتوبر، بحيث لا تكون هناك مؤسسة شرعية يسلمه لها، وبالتالى يتولى إدارة البلاد حتى الانتخابات التشريعية المقبلة، باعتباره رئيساً للمؤسسة الوحيدة المنتخبة شرعياً، «البرلمان» استبق ذلك، ووضع خارطة طريق، قبيل انتهاء مدته، تضمنت تمديد ولايته لستة شهور، ما فوت الفرصة على الترهونى، وفجر الخلافات داخل اللجنة، إلى حد بدء جمع التوقيعات لتنحيته.

«داعش» تسيطر على سرت والنوفلية بالوسط، وتنتشر فى درنة وبنغازى بالشرق، وأجزاء من طرابلس ومصراتة فى الغرب، وصبراتة قرب الحدود التونسية، ومحيط مدينة سبها بالجنوب، وتسعى لتعويض فشلها فى السيطرة على الطريق الساحلى من درنة للحدود المصرية، بالاستعداد لدخول إجدابيا، والسيطرة على الطريق الدولى الجنوبى المفتوح إلى طبرق وحدودنا المستهدفة، «داعش» تستكمل مؤسسات الدولة بعاصمتها «سرت»، خاصة الشرطة الإسلامية، المحاكم الشرعية، دواوين التعليم، وبيت المال، وتستعد لاجتياح منطقة الهلال النفطى، لتوفير مصادر تمويل لتمددها، كما فعلت بسوريا والعراق، مستفيدة من تدفق النازحين بعد الغارات الروسية فى سوريا، والعمليات الموسعة بالعراق، ضمن النازحين قيادات للدعوة «تركى البنعلى»، «أبوسفيان السلمى»، «أبوضرغام»، و«أبوهمام الأثرى»، ما يؤكد التوسع فى تجنيد أعضاء جدد من الداخل الليبى، إضافة للمتطوعين الجدد المقبلين عبر تركيا والسودان وتونس، بعد نقل معسكرات الإعداد والتدريب لليبيا. «داعش» قبلت بيعة «بوكو حرام»، وأشركت مقاتليها فى معارك سرت، وأعلنت تأسيس فرع بغرب أفريقيا، ما يعكس نيتها للتوسع تخفيفاً لما تتعرض له من ضغوط بسوريا والعراق، وتشتيتاً للحملة الدولية ضدها.

الاتحاد الأوروبى -خاصة إيطاليا- كثف وجوده البحرى بالمياه الإقليمية الليبية، لمنع الهجرة والاتجار بالبشر، لكنه لم يوقف تسلل الدواعش لليبيا، تونس أغلقت حدودها مؤقتاً، والجزائر طبقت إجراءات احترازية، وأخضعت الممرات الحدودية لقانون الطوارئ، الجيش التشادى يتمركز فى «كوريدى» بالأراضى الليبية، والرئيس دبّى كرر تهديداته بالتدخل لمواجهة التنظيمات الإرهابية، مطمئناً للتأييد الفرنسى، خاصة بعد اعتداءات باريس، تركيا تستقبل العناصر الإرهابية للعلاج، وقطر تزودها بالسلاح عبر السودان، وتسعى لدعم نفوذها جنوب ليبيا، باستضافة مفاوضات وقف إطلاق النار بين قبائل «الطوارق» التى تدعم «المؤتمر» وفجر ليبيا، و«التبو» المنحازة للبرلمان والجيش الوطنى، أهم بنود اتفاق السلام فتح الطريق الرابط مع «أوبارى»، لتسهيل عبور الأسلحة والمتسللين للميليشيات، أو تهريبها للدول المجاورة!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل