المحتوى الرئيسى

«المريخي» لريدلي سكوت.. جماليات سينما الفضاء

12/02 10:54

مع «المريخي» (2014)، يعمل ريدلي سكوت في حقل صعب، لأن هناك سوابق فضائية، وأخرى مقبلة. لا يمكنه تجاهل الأمثلة السابقة لأفلام الفضاء. لذا، عليه تجنّب اللقطات التي شوهدت قبلاً. عليه «الإبداع»، أي «الخلق على غير مثال» (تعبير لبينيدتو كروتشه). في ذاكرة المتفرّجين، أفلام راسخة: «أوديسا الفضاء» (1968) لستانلي كوبريك، و «مهمّة في المرّيخ» (2000) لبراين دي بالما، و «غرافيتي» (2013) لألفونسو كوارون، وغيرها.

يحضر هذا التراث السينمائي عن الفضاء في ذهن المخرج والمتفرّج والناقد. تساعد هذه المقارنة على تجنّب ضباب الانطباعية لدى الناقد، الذي يشعر بعبء ستانلي كوبريك على أفلام الفضاء، خاصة أن أحداثاً كثيرة في «المريخي» تجري على الأرض، عبر سرد كرونولوجي ومونتاج تزامني لما يقع في المرّيخ، وما يقع في مقرّ الـ «ناسا»، التي تبدو مؤسّسة مقدّسة في الفيلم. عملياً، تظهر الرحلة الفضائية بعد 90 دقيقة. تفنّن سكوت في تصوير وجوه النساء بحبّ كبير، وبإضاءة تكسرها الظلال التي تجعل جزءاً من الوجه متوارياً. صوّر فيلمه في الصحراء، وحمّر اللقطات في الـ «إيتالوناج» لتناسب المرّيخ. استخدم كاميرا محمولة لتقليل الضجر من حركة المريخي في ديكور متشابه.

يتّضح من المقارنة أن تكنولوجيا التصوير تقدّمت كثيراً منذ فيلم كوبريك. لكن مفهوم العبقرية لم يتغيّر كثيرًا. للتغيير، يريد ريدلي سكوت غزو المريخ، لأن غزو القمر لم يعد مشوّقاً منذ أن وطأته قدما نل أرمسترونغ. يوحّد غياب الجاذبية بين الكوكبين، فكيف يؤثر غياب الجاذبية على الإخراج؟

لا زحام ولا إرهاب ولا نفايات في الفضاء. لذا، ينساب الفرد بسلاسة من دون أن تقلقه الحواجز التي توجد على الأرض. بما أن الصُوَر تقليدية والأحداث باردة، لجأ المخرج إلى اصطناع التوتر في الحوار. هناك مونولوغ طويل لتقديم المعلومات التي لا تقدِّمها الصورة. عوّض سكوت فقر الصورة بجهد كبير في الحوار، حتى أن هناك تحاذقاً للتسلية والسخرية.

نرى المرّيخي المهدَّد بالجوع يفحص وسائله والغبار الأحمر يتهدّد استقلاليته. يفكّر باستمرار في موارده. يعالج آلته البيولوجية. يقوم بعملية جراحية بنفسه، ويظهر جرحه على الشاشة أكبر من حجمه ألف مرة. يفحص وضعه، فإذا بالجوع عدوّه الأول. لا استقلالية من دون موارد، لذا يريد مضاعفة موارده في محيط غير متعاون.

لا يرتبط نجاح الفيلم وتأثيره بابتكار الصُوَر، بل بتماهي المتفرّج مع البطل المهووس باستقلاليته ليستمرّ حيّاً في محيط غير متعاون. الاستقلالية قيمة عليا، والاختبار الأول استقلال المعدة. يتحمّل الوحدة إلى حين الشبع. يتوقّف شعوره بالوحدة فور اكتشافه آلة التواصل. هذه حال الإنسان اليوم. وحيدٌ، ويتواصل عن بعد. لذا، يستحق جائزة نوبل في تحمّل الوحدة. لا يحتاج امرأة في حياته. يظهر هذا مدى فهم السيناريست لهوية الإنسان الذي يكتب عنه. إنسان مستقلٌّ لأنه يملك المعارف الضرورية للتكيّف. الجاهلون لا يتكيّفون، ويكونون عنيدين غالباً.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل