المحتوى الرئيسى

سنين فى الدُّرج – 1981

12/02 03:12

وضعت يدى فى الدرج اليوم، فخرجت بصورة لـ(حسام).

عندما وصل حسام إلى كوكب الأرض مع نهاية عام 1981، استبشر أهله خيرًا، كانت سنة صعبة، لكن مع وصول المولود كان باديًا أنها فى طريقها لمحطة آمنة.

كان التليفزيون الملون قد تزحزح قليلاً عن منطقة الرفاهية، واستقر أخيرًا فى منازل قليلة تنتمى إلى الطبقة المتوسطة، تزامن ذلك مع إعلان تليفزيونى عن فيلم عادل إمام الجديد (المشبوه)، لم تكن الإعلانات التليفزيونية وقتها بحساب، لذلك جاء الإعلان طويلاً نسبيًّا مقارنة بإعلانات الأفلام حاليًّا، كان اسم سعاد حسنى يسبق اسم عادل إمام، ويبشر بالنجم الصاعد فاروق الفيشاوى، ويحتفى بالطفل كريم عبد العزيز.

لكن الفرحة بالألوان لم تدم طويلًا، البهجة التى بثها إعلان فيلم المشبوه، تحطمت على صخرة مشاهدة وقائع اغتيال رئيس الجمهورية على الهواء.

تفصيلة صغيرة لولاها كان يمكن التعامل بشكل أسرع مع السيارة التى توقفت أمام المنصة ونزل منها قَتَلة السادات، قبل أن تتوقف هذه العربة بقليل، تقدم قائد طابور المدفعية لتحية المنصة، وحوله عدد من راكبي الدراجات النارية، وفجأة توقفت إحدى الدَّراجات بعد أن أصيبت بعطل مفاجئ، ونزل قائدها وراح يدفعها أمامه، لكن سرعان ما انزلقت قدَمه، ووقع على الأرض، والدّراجة فوقه فتدخَّل جندي كان واقفًا إلى جوار المنصة، وأسعفه بقليل من الماء.

لذلك عندما توقفت السيارة التى تحمل القتلة أمام المنصة تعامل الجميع مع الواقعة باعتباره عطلًا جديدًا أصاب سيارةً هذه المرة بدلاً من (الموتوسيكل)، كان لا بد من هذا التمهيد لشل حل حركة حراسة الرئيس حتى يقول القدر كلمته.

تحكى المصادر عن سيناريو الواقعة: "في تمام الثانية عشرة وعشرين دقيقة، كانت سيارة الإسلامبولي، وهي تجرّ المدفع الكوري الصنع عيار 130مم، قد أصبحت أمام المنصة تمامًا، وفي لحظات وقف القناص (حسين عباس)، وأطلق دفعة من الطلقات، استقرت في عنق السادات، بينما صرخ خالد الإسلامبولي بالسائق يأمره بالتوقف، ونزل مسرعًا من السيارة، وألقى قنبلة ثم عاد وأخذ رشاش السائق وطار مسرعًا إلى المنصة. كان السادات قد نهض واقفًا بعد إصابته في عنقه وهو يصرخ، بينما اختفى جميع الحضور أسفل كراسيهم. وتحت ستار الدخان، وجّه الإسلامبولي دفعة طلقات جديدة إلى صدر السادات، في الوقت الذي ألقى فيه كل من عطا طايل بقنبلة ثانية، لم تصل إلى المنصة، ولم تنفجر، وعبد الحميد بقنبلة ثالثة نسي أن ينزع فتيلها فوصلت إلى الصف الأول ولم تنفجر هي الأخرى. بعدها قفز الثلاثة وهم يصوّبون نيرانهم نحو الرئيس. وكانوا يلتصقون بالمنصة يمطرونه بالرصاص. سقط السادات على وجهه مضرجًا في دمائه، بينما كان سكرتيره الخاص فوزي عبد الحافظ يحاول حمايته برفع كرسي ليقيه وابل الرصاص، فيما كان أقرب ضباط الحرس الجمهوري، "عميد" يدعى (أحمد سرحان)، يصرخ بهستيريا "إنزل على الأرض يا سيادة الرئيس"، لكن صياحه جاء بعد فوات الأوان. صعد عبد الحميد سلم المنصة من اليسار، وتوجّه إلى حيث ارتمى السادات، ورَكَله بقدَمه، ثم طعنه بالسونكي، وأطلق عليه دفعة جديدة من الطلقات، فيما ارتفع صوت الإسلامبولي يؤكد أنهم لا يقصدون أحدًا إلا السادات. بعدها انطلقوا يركضون عشوائيًّا، تطاردهم عناصر الأمن المختلفة، وهي تطلق النيران.

كانت أسرة (حسام) تستعد لاستقباله وتشعر بالخوف على مستقبله وهى تتابع وقائع جنازة السادات، وتفكر أن السادات لم يتم اغتياله لكنه انتحر بعد أن عادى الجميع على الجبهة الداخلية، كان مستحيلاً عدم الربط بين قرارات سبتمبر والاغتيال.

لم تمر سوى أيام قليلة ثم طالع الجميع خبر رحيل رجل يحبونه.

ثم انشغل الجميع بهدف معجزة أحرزه الخطيب فى مرمى النادى المصرى، هتف المعلق بعد الجون (جاب الكون بكعبه.. بكعبه)، كانت اللعبة بمثابة فتنة، الخطيب يتلقى كرة عرضية يمررها من أسفل قدمه ثم يغمزها بكعبه فى مرمى عادل عبد المنعم، كانت معجزة بكل المقاييس ظل الجميع يتحدث عنها ويتبارزون فى وصفها.

المثقفون كانوا مشغولين بأمر آخر وهو وفاة الكاتب الساخر محمد عفيفي.

كان عفيفى يقول دائمًا (ليس شرطًا أن تكون فلاحًا لكى تنام فى بيت واحد مع جاموسة).

أثار هذا غضب ربات البيوت، واعتبروه عدم تقدير لتفانيهن فى إدارة شؤون العائلة بمصروف بيت لا يتغير بينما الأسعار تزيد دون توقف.

فقد ارتفع سعر اللحوم ارتفاعًا قياسيًّا، حيث بلغ سعر اللحم البتلو 3.50 للكيلو مقابل 2.50 للكندوز، أما سعر علبة السمن الطبيعي البقرة الحلوب وزن 2كجم فبلغ سعرها 5.5 جنيه، أما محلات صرف التموين على البطاقة فقد اعتذرت عن عدم وصول شاى وزارة التموين، لم يكن هناك مفر من اللجوء لأنواع الشاى غالية الثمن لضبط مزاج رب الأسرة وهو يتابع نشرة أخبار السادسة مساء، فى انتظار معرفة ما سيسفر عنه اغتيال السادات.

كان نائب الرئيس هو الأقرب لتولى المسؤولية، تم طرح اسمه وحيدًا بلا منافس، الأمر الذى سهل مهمة وصوله إلى مقعد الحاكم.

بدأ الرئيس الجديد فترته بتقديم وعدين للشعب.

بعد سنوات طويلة كان مبارك يحاكَم أمام القضاء بتهمة فشله فى تأمين الشعب أو القضية المسماة باغتيال المتظاهرين، ويحاكم أمام الشعب بتهمة الاحتكار السياسى والاقتصادى الذى نشب واستقر فى عهده.

لم يدر هذا فى بال من تفاءلوا به خيرًا وقتها.

أيضا لم يمر ببالهم أن تكون نهاية فنان يحبونه مثل عمر خورشيد نهاية مأساوية بهذه الطريقة.

اعتبرها المتخصصون الضربة القاضية السادسة التى يتلقاها الفن المصرى خلال هذا العام، برحيل الشاعر أحمد رامى، ثم رياض السنباطى، ثم الشاعر صلاح عبد الصبور، ثم الروائى يحيى الطاهر عبد الله صاحب (الطوق والإسورة)، ثم منير مراد ثم خورشيد.

لكنهم تفاءلوا ببزوغ نجم ثلاثة مطربين شباب يقدمون كل ما هو مغاير للمطروح على الساحة شكلًا ومضمونًا، شاب أسمر نحيل اسمه محمد منير، وشاب اسمه على الحجار قدمه بليغ حمدى، وشاب آخر قوى الصوت والشخصية اسمه محمد الحلو، من بعدها صارت أسماؤهم جملة واحدة تعبر عن محطة جديدة فى تاريخ الفن فى مصر (على والحلو ومنير).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل