المحتوى الرئيسى

إمارتيات يقتحمن السماء

11/30 10:09

قيادة الطائرات، وهندسة صيانة الطائرات، وطائرات الشحن، وطب الطيران، والإسعافات الأولية..مجالات اقتحمها الرجال الإماراتيون منذ أن بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة في تطوير القطاعات المرتبطة بقطاع الطيران على مدار سنوات مضت.

في السنوات الأخيرة، بدأت الفتيات والنساء الإماراتيات في اقتحام تلك المجالات، فلوحظ التزايد المستمر في أعداد الفتيات اللاتي يقبلن على دراسة البكالوريوس في علوم الطيران بجامعة أبوظبي، الذي يهدف إلى دعم نمو برنامج الطيارين المتدربين في شركة الاتحاد للطيران، حيث تشكل الفتيات الإماراتيات نحو 30 % في السنة الأولى، و20 % على امتداد السنوات الأربع، فيما تبلغ نسبة النساء اللواتي يدرسن الطيران في أماكن أخرى حول العالم ما بين 8 إلى 12 % فقط.

مؤخراً، احتفلت الاتحاد للطيران بيوم المرأة الإماراتية في قطاع الطيران حيث ركزت من خلاله على التوعية بالدور الهام الذي تلعبه المرأة الإماراتية في قطاع الطيران، مع تسليط الضوء على تنوع الفرص الهائلة التي ينطوي عليها هذا القطاع الحيوي بالنسبة للمرأة.

ووفقاً لإحصائيات الاتحاد للطيران، يمثل الموظفون الإماراتيون نحو %25 من إجمالي القوى العاملة للشركة في دولة الإمارات العربية المتحدة، غير شامل طاقم الضيافة الجوي، فيما تضمّ الشركة حالياً 1269 موظفة إماراتية يشغلن مناصب متنوعة، ويشكلن 49 % من الكوادر الإماراتية في الشركة البالغ عددها 2560 مواطن إماراتي. ويتضمن هذا العدد 46 امرأة ضمن الطاقم الجوي وخمس مهندسات ومتخصصات فنيّات.

كما تضمّ الشركة نحو 500 مواطنة إماراتية يعملن في مختلف أقسام المبيعات والتسويق، فيما يتولى إدارة وتشغيل مركز الاتصال في العين كوادر نسائية حصرية تتألف من 160 مواطنة إماراتية، يؤدين دوراً حيوياً وهامًا في زيادة العائدات وإظهار خدمة العملاء المتميّزة التي تتمتع بها الشركة.

من ضمن الكوادر الإماراتية النسائية اللاتي لعبن دوراً هاماً في قطاع الطيران بدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، والاتحاد للطيران بشكل خاص، هي الدكتورة ناديا بستكي، نائب الرئيس للخدمات الطبية بالاتحاد للطيران، منذ 8 سنوات بعد تخرجها من جامعة كينجز كولدج البريطانية في العام 2009، لتصبح أول امرأة إماراتية متخصصة في طب الطيران. «درست الطب العائلي ولكنني أردت التخصص في مجال جديد وفريد بدلاً من طب الأطفال والقلب والعائلي الذي قام الكثيرون بدراسته. أحببت طب الطيران لأنه طب مهني يركز بالدرجة الأساسية على صحة الطيارين والطواقم الجوية التجارية والعسكرية وسلامة الركاب.»

ونظراً لمسؤولية الطيارين عن سلامة الركاب، تُجرى الفحوصات الشاملة للطيارين والطواقم الجوية للتحقق من سلامتهم الجسدية والعقلية والنفسية قبل منحهم التراخيص الطبية السنوية، إلى جانب خضوعهم لبرامج وقائية وورش عمل، وتزويدهم بإرشادات متعلقة بنوعية الطعام المفضل تناوله أثناء رحلاتهم الجوية والأدوية وتخفيف الوزن مثلاً.

ومع كل هذا، سبق للدكتورة ناديا أن اتخذت قرارات بإيقاف بعض الطيارين عن العمل، وهو ما تعتبره من أصعب القرارات التي اضطرت لاتخاذها في مسيرتها المهنية.  تقول:«أتخذ هذا القرار يومياً، وهو من أصعب القرارات لأن الطيار لا يعرف سوى هذه المهنة ومستقبله المهني يعتمد على هذا الترخيص.»

وتضيف:« هناك حد فاصل بين سلامة الطيار والركاب. في بعض الأحيان لا يتفهم الطيار أسباب إيقافه عن العمل ولكننا نجلس معه لكي نشرح له أسباب عدم قدرته على الطيران مستقبلاً وفقاً للوائح القانونية، ونساعده أحياناً بتحويله إلى عمل مكتبي.»

ومع هذه التفاصيل في مهامها اليومية والتنوع في مجال طب الطيران، تؤكد الدكتورة ناديا على أن تسليط الضوء الإعلامي على تجربتها دفع بالكثيرات من الإماراتيات للاهتمام بطب الطيران والتواصل معها من أجل الانضمام إلى الاتحاد للطيران، حيث أبدت 5 إماراتيات رغبتهن في التخصص بمجال طب الطيران وقامت إثنتان أخريات بالتخصص في هذا المجال.

توضح ناديا:«دعم الحكومة وتركيزها على المرأة الإماراتية دفعها لاقتحام هذه التخصصات الجديدة. قبل سنتين أو ثلاثة، لم يكن لدينا سيدات يقدن الطائرات أو فتيات يعملن في المطارات. اليوم لدينا 20 فتاة إلى جانب الأخريات اللواتي دخلن مجال هندسة صيانة الطائرات. اليوم، تحتاج المرأة الإماراتية لدعم الحكومة لكي تفعل ما تريده مهنياً وهذا ما غير من رؤية المجتمع.»

وتتفاءل الدكتور ناديا بمستقبل الفتيات في قطاع الطيران حيث شهد العام 2015 دخول فتيات إماراتيات لقطاع هندسة الطيران، بالإضافة إلى إثنتين لمجال الضيافة الجوية، وإدارة محطة بالمطار في اليابان، وأخريات مبتعثات للتدريب بإير إيطاليا وإير برلين في مجال الموارد البشرية لمدة سنة أو سنتين.

تقول ناديا:«لدى الاتحاد للطيران اتفاقيات تعاون في برامج تقنية المعلومات مع عدة جهات، وضمن هذا الاتفاق تم ابتعاث فتيات للتدريب في الولايات المتحدة الأميركية لمدة عام. الدعم موجود من الشركات والحكومة وبدأ المجتمع إلى جانب الأسر في تقبل اقتحام المرأة الإماراتية لمجالات جديدة..أتوقع المزيد.»

واحدة ممن اقتحمن عالم التحليق في السماء الذي تحدثت عنه الدكتورة ناديا هي رشا سعيد المسلمي، مساعد طيار ثاني بالاتحاد للطيران وحاصلة على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من كليات التقنية بدبي ودبلوم عالي في الموارد البشرية.

المنصب القيادي المرموق الذي وصلت إليه رشا في العمل المصرفي لم يمنعها من السعي وراء طموحها، فحوّلت مسارها العملي والعلمي إلى مهنة الطيران التي طالما عشقتها وحلمت بممارستها.

في العام 2012، انضمت رشا إلى الاتحاد للطيران، المحطة الثانية في حياتها العملية، بعد تولّيها منصب نائب مدير فرع في أحد المصارف، ولكن لشخصية نسائية تعشق التحدي و الحل والترحال، كان لابد لها أن تنتقل لقيادة الطائرات التي راودتها طويلاً، خصوصاً أن أختها سبقتها إلى هذا المجال حيث تعمل هي أيضاً في وظيفة مساعد طيار.

قبل إجراء هذا الحوار بيومين، تصادف أن قامت رشا بأولى رحلاتها الحقيقية كمساعد طيار ثانٍ، فكانت وجهتها ذهاباً وإياباً إلى مدينة جايبور الهندية لمدة 6 ساعات، فيما قامت بثاني رحلاتها ذهاباً وإياباً، بعد الحوار بعدة أيام، إلى العاصمة المصرية القاهرة.

تقول رشا: «نظراً لأن الرحلة إلى جايبور انطلقت في الساعة 11.45 ليلاً كنت متعبة ولكن حماسي الهائل منعني من الشعور به إلى أن عدت إلى أبوظبي. بعد وصولنا وإيقاف الطائرة في المدرج كنت سعيدة جداً لأنني قمت برحلتي الأولى، ما زادني حماساً للتفكير في الدراسة مرة أخرى وقمت بمراجعة ما درسته مسبقاً بعد تلك الرحلة.»

وفيما يتناوب القائد والمساعد في قيادة الطائرة بالجو بين تولي المراقبة والقيادة آلياً أو يدوياً، حسب الظروف، ترى رشا أن أصعب لحظات القيادة تتعلق الإقلاع والهبوط نظراً لما تتطلبه من تركيز كبير وقدرة هائلة على السيطرة على هذا العملاق المحلق في الجو.

وتسرد رشا الفرق بين قيادة الطائرة أثناء التدريب وتلك في واقع العمل:«في رحلتي إلى جايبور، كنت خائفة قليلاً ولكنني كنت أدرك كيفية السيطرة على الطائرة وكان لدي بعض الأسئلة عاونني القائد في إجاباتها، ما ساعدني كثيراً.»

وتضيف: «في التدريب، تطلب مني الأمر مبدئياً بالطيران مع المدرب ولكن أول رحلة قمت بها بمفردي مررت بشعور غريب لأنني اعتدت أن يكون المدرب معي. الطائرة كانت صغيرة وخفيفة لدرجة أنني كنت أشعر أنها تطير بمفردها وأنا أطير أيضاً، ولكنني شعرت بسعادة غامرة وكنت أنتظر تلك الرحلة بمفردي.»

وبعد إتمامها 18 شهراً من الدراسة في كلية الاتحاد للطيران بمدينة العين درست خلالهما أساسيات الطيران والملاحة الجوية وجميع التقنيات ذات الصلة، انتقلت رشا إلى مرحلة التدريب العملي الذي تضمن عدداً من الساعات التدريبية مع المدربين وبمفردها وعلى الأجهزة وقيادة طائرات بمحرك واحد، حيث رشا 263 ساعة تدريب شملت 30-40 ساعة بمفردها.

دعم أسرة رشا لها في مشوارها عزّز ثقتها بنفسها، لتؤكد على أن المرأة قادرة على العمل في هذا المجال ومؤهلة للنجاح فيه بجدارة، فلا يوجد فرق بين الرجل والمرأة في هذه المهنة من ناحية القدرة على ممارستها. قد تكون الظروف الاجتماعية بالنسبة إلى المرأة مُعقّدة بعض الشيء، بسبب طبيعة مسؤولياتها الكثيرة تجاه أسرتها وبيتها، لكن هذه العقبة يمكن تخطّيها بتفهم من حولها لها.

تقول رشا: «عائلتي تقبلت الأمر لأن أختي تعمل في نفس المجال. أمي دائماً تقول لنا أنها تثق بنا وهي تدعمنا فيما نريد أن نحققه. أسرتي قلقت فقط من أن أبدأ من الصفر مرة أخرى خاصة أنني كنت أعمل في منصب قيادي في المجال المصرفي، ولكنهم دعموني لأنهم رأوا مدى شغفي بالطيران.»

وهنا تشير رشا إلى التغير في أسلوب تفكير الأسر وتفهمهم لنوعية الوظائف التي أصبحت تنضم إليها الفتاة الإماراتية، «فالحكومة تدعم عمل المرأة الإماراتية بمجالات مختلفة، ما شجع المجتمع على دعمهن ليتغير أسلوب التفكير ولتصبح الأسر أكثر تفهماً وتقبلاً لعملهن المختلف. أرى الآن فتيات يعملن في قيادة الطائرات وهندسة صيانة الطائرات بالاتحاد للطيران، إلى جانب أخريات يدرسن تلك التخصصات في مدينتي العين وأبوظبي مقارنة بالأعداد القليلة السابقة. نرى الآن فتيات يدرسن الإسعافات الأولية أيضاً وهذا كان غريباً في السابق.»

ومثلما قالت رشا تأتي هندسة صيانة الطائرات إلى الواجهة. منى محمد عبد الكبير، مهندسة صيانة طائرات، بدأت حديثها بعبارة «الطائرة في القلب»،  فمنذ نعومة أظافرها وهي تراقب وتنتظر في حديقة منزلها مجيئ الطائرات المحلقة في السماء، وتتساءل لماذا لا تطير تلك الآلات إلى ما بعد الغيوم؟ « في مرحلتي الابتدائية تلك كنت أحب متابعة الرسوم الكرتونية الخاصة بالكائنات الفضائية وقررت في المرحلة الإعدادية أن أدرس الطيران وكان والدي يشجعني على متابعة حلمي وتنفيذه.»

بعد أن تركت دراستها في العلوم الصحية، درست منى هندسة الطيران في كليات التقنية العليا بأبوظبي لتتخصص في صيانة هياكل محركات الطائرات، وهو شق من مجال دراسة الصيانة التي تضم أيضاً إلكترونيات الطائرات. «حينها لم يتوفر في الكلية سوى دراسة الهياكل فقط ولكنني في نفس الوقت شعرت بأنني سأكون أكثر عطاءاً وقوة وإبداعاً في هذا التخصص، ولكنني أفكر أن أقوم بدراسة إلكترونيات الطيران في المستقبل لكي تكون معرفتي بالمجال شاملة.»

ولكن ما المثير في صيانة هياكل الطائرات بالنسبة لفتاة خليجية اعتاد مجتمعها على قولبتها في مجموعة وظائف تقليدية؟ «العمل الجماعي والمغامرة... ففي هيكل الطائرة نعمل في كل شيء بدءاً من جسم الطائرة إلى ذيلها ومحركها. نبدأ يومنا مع قائد فريق العمل الذي يقسمنا إلى عدة مجموعات تعمل على أنف الطائرة مثلاً أو ذيلها بينما يتكون فريق صيانة المحرك من 7 إلى 8 أشخاص، ونقوم بإعادة صيانته إن استدعت الحاجة لذلك. في حالة احتياج المحرك لعملية صيانة متطورة، نقوم بإرساله إلى الورشة، وبشكل عام قد تستغرق صيانة المحرك أسبوعاً أو أكثر.»

ومن خلال عملها، بعد فترة تدريب استغرقت 4 أشهر، شاركت منى في عمليات صيانة مختلف أنواع الطائرات شملت طائرات الشحن بوينغ 777، وإيرباص إيه380، وإيرباص 319، وبوينغ 767، وطائرة إيرباص 320 تابعة لشركة شاهين الباكستانية، فيما تؤكد على أن عمليات الصيانة لا تختلف من طراز طائرة إلى أخرى ولكنها تعتمد بالأساس على مدة خدمتها وطول مدة طيرانها.

ومع الزيوت والشحوم التي تملأ الملابس الخاصة بمهندسي الصيانة، تسعد منى بتلك البقع وبعملها الشاق وتطمح للانضمام كمهندسة صيانة طائرات إلى إحدى محطات الاتحاد للطيران بالخارج، إلى جانب إكمال دراساتها في مجال هندسة الطيران وتحديداً فيما ينقص الشركة ووفق احتياجاتها.

تقول منى:«ثلاثة فتيات تخرجن معي نفس الكلية إلى جانب 3 أخريات من كليات أخرى و أتصور أننا سنرى المزيد من الفتيات في هذا المجال، حيث قابلت إماراتيات يدرسن هذا المجال في الدفعات القادمة بالكلية. الشركات والفرص موجودة والدعم أيضاً، وكل ما عليهن هو اتخاذ القرار والبدء في دراسة التخصص.»

ومثلما تستشف منى مستقبلاً أوسع لمهندسات صيانة الطائرات بدولة الإمارات العربية المتحدة، ترى آلاء جابر آل رحمة، المديرة خريجة مدرج عمليات الشحن بالاتحاد للطيران، اهتماماً وحماساً من الفتيات بعملها، فتنصحهن بعدم التخوف من اتخاذ قرار الانخراط في هذه المهنة وهذا النوع من العمل المختلف وغير التقليدي بالنسبة للبيئة الخليجية، خاصة مع توقعاتها لتوسع قطاع طيران الشحن إلى دول أكثر في العام القادم واحتياجه للمزيد من الطائرات.

تقول الآء:«تأتيني الكثير من الفتيات للسؤال عن مهنتي وأحمسهم للانضمام إليها. بعض الفتيات فكرن فعلاً في هذه المهنة ولكن الأخريات يتخوفن من العمل في الطقس الحار خاصة أن مهنتنا تتطلب التواجد في أرضية ومدرج الطائرات بهدف التأكد من مغادرة طائرات الشحن في موعدها. أقول لمن ترغب الدخول في هذا المجال، لا تأبهي بما يقوله الناس واسعي وراء الوصول إلى هدفك ولا تتوقفي عند أية عقبة تواجهيها.»

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل