المحتوى الرئيسى

شخص واحد اسمه رفيق علي أحمد

11/30 01:27

هل كان «ابن الريف» يعلم – مثلما لا يزال يُحب أن يطلق على نفسه لغاية الآن ـ أنه حين غادر «يُحمر الشقيف» العام 1978، (بعد الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان)، أنه سيحمل معه جسده «المقدّس» وحلمه كي يقف على خشبة المسرح ويصبح واحداً من أهمّ المملثين في العالم العربي؟

كان رفيق علي أحمد في الرابعة عشرة من عمره، حين وقف للمرة الأول أمام الجمهور، في قريته، ليستعيد أغنية لفيلمون وهبي عنوانها «كيف صحتكن، إنشاالله مبسوطين». كانت الأغنية «دارجة» في جميع أنحاء «الوطن السعيد»، في تلك الفترة، ما جعل المستمعين يصغون إلى الفتى الذي عرف كيف يدخل إلى قلوبهم. لحظات من أغنية، كانت كافية لشهرة لم تتوقف عن أن تزيد كلّ عام. شهرة تلك اللحظة البعيدة ـ التي بقيت عالقة في وجدانه لغاية اليوم ـ جعلته المطلوب الأول لإحياء أعراس القرية واحتفالاتها كما احتفالات المنطقة المجاورة. إلا أن التمرد الداخلي، الذي لا يزال «يراعيه» لغاية اليوم، جعله يهرب من ذلك كلّه، ليرفض الظهور والغناء والدبكة، هارباً في البراري، مراقباً من بعيد ما كان يجري.

يبدو أن هذا «المراقِب من بعيد» لا يزال يحيا في داخل رفيق علي أحمد. يجلس يومياً في مكانه، في ذاك المقهى البحري، يدخن أرجيلته، ويراقب ما يجري من أحداث.. يقرأ جريدة، أو كتاباً، بعيداً عن الضوضاء والاستعراض. يفكر بصمت في عمل جديد له، من دون أن يُفصح عنه. كأنه يحافظ على السرّ. أو لنقل يداري شعلة المسرح كي لا تنطفئ. كأنه يذكّرنا ببروميثيوس ـ سارق النار ـ في الأسطورة اليونانية. «أشغال» ثقافية من دون شك، وإن كان رفيق علي أحمد، لا يتوقف عن توجيه سخريته المحببة إلى المثقفين، مع العلم أنه بدأ الظهور على المسرح في مسرحيات «ثقافية» بامتياز وبخاصة مع المخرج الراحل يعقوب شدراوي.

كان التمثيل حلمه الوحيد.. قبل إقامته في بيروت، كان يأتي من القرية «بالبوسطة» ليشاهد بعض الأفلام وبعض المسرحيات التي كانت تُعرَض في بيروت. كان يتمنّى أن يأتي يوم قريب ويرى اسمه يلمع بأضواء النيون على مدخل الصالات. إلا أن تلك الفكرة تأخّرت، إذ انتسب إلى «دار المعلمين» ليصبح أستاذاً. كان شظف العيش يدفعه إلى التخلّي عمّا كان يحلم به ولم يتحقق له ذلك إلا حين أتى إلى بيروت. اختار المسرح لأنه «أرخص» شيء. لم يكن يتطلب الأمر منه سوى «جسده». أي عمل فني آخر كان سيكلفه «أدوات» أخرى، تتطلب مالاً. جسده، المقدس الوحيد، الذي كان أغلى ما عنده، لم يكن يتطلب مالاً للوقوف على الخشبة ليبدأ بصنع اسم يحفر اليوم في تاريخ المسرح والتمثيل في العالم العربي.

إذا كانت هناك مرحلة أولى في حياة رفيق علي أحمد، تتمثل في غنائه حين كان في القرية، فثمة مرحلة ثانية حين كان في معهد الفنون وعمله مع يعقوب الشدراوي وروجيه عساف الذي يعترف بأنهما لعبا دوراً هاماً في مسيرته الفنية. أما المرحلة الثالثة التي أطلقته أكثر، فكانت مسرحيته «الجرس» التي قدّمها في بداية التسعينيات. ربما اكتشف معها أسلوبه المسرحي كتابة وتمثيلاً وحتى إخراجاً. وإن كان لا يزال يردّد لغاية اليوم أنه ممثل بالدرجة الأولى قبل أن يكون أي شيء آخر.

من يُحمر الشقيف إلى بيروت، رحلة طويلة في الزمان والمكان. إلا أنها رحلة لا تزال في بدايتها. فأحلام رفيق علي أحمد لا تزال في بداياتها. إنها هذه القامة التي حين تراها أمامك فوق خشبة المسرح، تجعلك تتيقن أن ليس هناك سوى رفيق علي أحمد واحد في هذه الدنيا..

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل