المحتوى الرئيسى

حقــــل ألغـــام

11/28 15:49

قبل أشهر كنـــت اناقـــش صديقة جزائرية في مواضيع شــــتى، كان حوارا راقيا ومميزا، وكنا نبدو متفقين في أغلب المواضيع، وحتى تلك التي نختلف حولها، كان اختلافنا طفيفا ولا يفسد جــــو الـــود و الاحترام الذي كان بيننـــا. بقينـــا على هذا الحال لمــــدة ليست بالهينة، والحال أننا كنا نتواطأ تواطؤا غير معلن على الابتعاد عن المناطق الملغمة في حديثنا. كنا نعلم أن هناك حقل ألغام خطير يفصل بيننا كما يفصل معبر "زوج بغال" الحدودي الموصد بين الشعبين الشقيقين.

كان عندي اعتقاد شبه تام بأن رأي الشعب الجزائري في المغاربة ووحدة أراضيهم تختلف بالكامل عن موقف الجنرالات الذي ظلوا يحكمون الجزائر منذ رحيل الفرنسيين، وأن صديقتي الجزائرية التي تبدو أكثـــــر إيمانـــا مني بالوحدة العربية سوف لــــن تدعم فكرة مساندة حكومتها لحفنــــة من المرتزقــــة بهـــدف انشـــاء دولة مكروسكوبية في خاصرة المغرب. لكن الذي حصل هو العكس. في لحظة ما تواطأنا على تعليق تواطؤنا على الابتعاد عن حقل الألغام فاقتحمناه. إن حقل الالغام الذي بيننا ليس سوى قضية الصحراء المغربية.

فجأة تبخر كل الود الذي كان بيننا وصار كل واحد منا يرغب في افحام الآخر وحشره في الزاوية ، اكتشفت حينها أن حكام الجزائر قد نجحوا فعلا في شحن ذاكرة الشعب الجزائري بأساطير قوية كاليقينيات لا تقبل النقاش، وحينها استرجعت الدور الريادي الذي تلعبه وسائل الاعلام المقربة من المخابرات الجزائرية في تلقين الشعب الجزائري تلك "اليقينيات" الخطيرة.

من أخطر تلك الأساطير التي لا تقبل النقاش لدى الاوساط الرسمية الجزائرية هو أن هناك شعب صحراوي مضطهد، ويقبع تحت الاحتلال المغربي الغاشم، وأن دولة الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي احتضنت وما زالت تحتضن هذا الشعب المكلوم، وتسانده بالمال والسلاح والدعم الديبلوماسي، حتى أنها تدفع رواتب لممثلي هذا الشعب في الخارج .

في الواقع لا يعنينا هذا الموقف الرسمي لأننا نعلم أن كل نظام استبدادي يحتاج الى شماعة لتبرير استبداده، بل مـــا يعنينا هو أن يتسرب هذا الموقف الرسمي الى بعض الفئات الشعبية الجزائرية ويُغرس في ذاكرتها. والنتيجة هي عداء وكراهية للشعب المغربي الذي لم يذخر جهدا في توفير الدعم والمأوى لقادة المقاومة الجزائرية ابان الاحتلال الفرنسي.

إن التاريخ المغربي الحديث حافل بصور تجسد مدى تلاحم الشعبين، وإيمانهما بالمصير المشترك، وحسبنا أن نسترجع معركة إيسلي، تلك المحطة التاريخية التي تجسد إيمـــان المغرب بوحدة المصير المغاربي. أما أسباب هذه المعركة التي دارت رحاها سنة 1844، فترجع إلى قرار السلطان مولاي عبد الرحمان (1822 -1859 ) منــح اللجـــوء للأمير عبد القادر الجزائري، والعمل على تسليحه بقوات عسكرية، ينضاف الى ذلك، مساندة الحرس الملكي أو مكان يسمى ب "المحلة المغربية" للأمير عبد القادر.

وقد أرخ أحمد الناصري في كتابه " الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى" لهذا الحدث وأرجعه الى استجابة السلطان مولاي عبد الرحمان لطلب الأمير عبد القادر اللجوء إلى المغرب بعدما هاجمه الفرنسيون ، وهو ما أجج عداء القوى الأوروبية تجاه المغرب.

وتظل معركة إيسلي والقصف المكثف الذي تعرضت له مدينة وجدة على الحدود مع الجزائر ، شهادة حية على تضامن المغرب مع جارته الجزائر وعلى تشبثه بالأخوة بين شعبين شقيقين. وقد استمر دعم المغاربة للمقاومة الجزائرية الى حدود توقيع معركة لالة مغنية سنة 1845 التي ألزمت المغرب بعدم دعم المقاومة الجزائرية على اثر انهزامه في معركة ايسلي.

لست هنا بصدد تذكير الجزائريين بإحسان المغاربة اليهم، لأن الأمر يتعلق بواجب أخلاقي طبيعي، تجاه الاخوة التي تجمع بين شعبين هما في الاصل شعب واحد ، وإنما الغرض هو التذكير بحقل الالغام الذي زُرع بين الشعبين، رغم تلك الصور المشرقة من التلاحم التي ظلت تجمع بينهما حتى وقت قريب.

وليس هناك ما يبعث على الحسرة أكثر من السجال الكلامي الأخير بين ممثلي البلدين في مقر الأمم المتحدة أثناء احتفالية المنظمة بذكراها السبعين، فبعد أن أقحم ممثل الجزائر موضوع الصحراء في الجلسة، والتي من المفترض أن لا تناقش مثل هاته الملفات، قام ممثل المغرب بتفجير قنبلة خطيرة وغير مسبوقة. يتعلق الامر بدعوة المغرب للمنتظم الدولي للتدخل من أجل رفع الاضطهاد عن شعب القبايل في الجزائر، والذي يطالب بالحكم الذاتي، ويرزح تحت نير القمع والاستبداد. وهكذا، يبدو أن المسؤولين المغاربة قد قرروا أخيرا قطع شعرة معاوية مع حكام الجزائر، ليبدؤوا باللعب بنفس الورقة التي تلعب به الحكومة الجزائرية، وهي الوحدة الترابية.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل