المحتوى الرئيسى

أحمد مجاهد يكتب: هل سألت نفسك يوماً عن أكبر معركة بحرية فى تاريخ الإسلام | ساسة بوست

11/28 15:28

منذ 21 دقيقة، 28 نوفمبر,2015

“ولا تستعجب إن علمت أن (جورج واشنطون) أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية دفع جزية للمسلمين؛ لكي يرضوا بتوقيع معاهدة يتم بمقتضاها عدم الاعتداء على أمريكا”

اسأل أي شخص شاهد فيلمًا من أفلام قراصنة البحار التي تنتجها “هوليود” عن اسم أشهر قرصان يظهر في الأفلام والقصص وحتى مسلسلات الأطفال، فلن يستغرق ذلك الشخص زمنًا طويلًا بالتفكير، حتى يجيبك بأنه القرصان ذو اللحية الحمراء والعين الواحدة واليد المقطوعة والقدم الخشبية، القرصان: (بربروسا) الذي يظهر دائمًا في أفلام “قراصنة الكاريبي”.

والحقيقة التي لا يراد لنا أن نعرفها أن بربروسا هذا الذي يصورونه لنا بهذه الصورة المخيفة، ما هو إلّا بطل إسلامي قل نظيره في تاريخ الإنسانية جمعاء، رجل كله عزة وكرامة، ومنعة وسؤدد، مجاهد في سبيل الله، لم يكن قرصانًا متعطشًا للدماء كما يصورونه، بل كان بطلًا يعمل لإنقاذ دماء آلاف المسلمين التي كان يسفكها أجدادهم المجرمون في مراكز التعذيب في الأندلس!

والقصة تبدأ بذلك اللقاء الذي جمع السلطان العثماني (سليم الأول) رحمه الله بقائد بحري فذ اسمه (عروج)، وهو قائدٌ أوروبي مسلم من ألبانيا.

السلطان العثماني الشهم سليم الأول الذي أصبح أول خليفة في الخلافة العثمانية استدعى القائد عروج وأطلعه على رسائل الاستغاثة التي بعث بها مسلمو الأندلس من أقبية الكنائس المظلمة، فأوكل إليه سليم الأول مهمة هي في عُرف الدنيا مهمة مستحيلة، وأعطاه التوجيه الاستراتيجي لهذه المهمة:

وملخصها أن يقوم عروج بقيادة أسطول إسلامي، والإبحار به من أقصى شرق البحر المتوسط في تركيا إلى أقصى غرب المتوسط في الأندلس، ومحاربة أساطيل الجيوش الصليبية مجتمعة، التي يلقاها في طريقه ( من إسبانية وبرتغالية وإيطالية وسفن القديس يوحنا)، ثم الرسو الآمن في إحدى المدن الأندلسية المحتلة من قبل القشتاليين الصليبيين، ثم تدمير الحامية البحرية الإسبانية لتلك المدينة، وشل قوة العدو مع مباغتة الكنائس بصورة مفاجئة؛ للحيلولة دون هروب القساوسة الكاثوليك الذين يعرفون أماكن غرف التعذيب!

بعد العثور على غرف التعذيب السرية يتم تحرير المسلمين مع مراعاة عدم نقلهم من الأقبية، حتى غياب الشمس؛ لتجنب إصابة الأسرى بالعمى، نتيجة عدم رؤيتهم للشمس منذ سنين.

وأخيرا الإبحار تحت جنح الظلام مع الأخذ بعين الاعتبار أن العودة هذه المرة لن تكون نحو تركيا، وإنما ستكون نحو الجزائر من طريق آخر؛ لإسعاف الأسرى بأسرع وقت من جهة، ولخداع بحرية العدو من جهة أخرى.

هل رأيت أو سمعت أو قرأت عن عملية مستحيلة في تاريخ البشر أصعب من هذه المهمة ؟

في الجزء الرابع من فلم المهمة المستحيلة، تحول المكان الذي مثل فيه توم كروز بطل الفلم إلى مزار للسياح العرب.

الذين لا أعتقد أنهم سمعوا عن العملية المستحيلة الحقيقية التي قام بها بطل من أمتهم اسمه عروج، الغريب أن القائد المجاهد عروج قام بتنفيذ هذه المهمة بنجاح!

والأعجب من ذلك أنه قام وإخوته بتكرارها مرَّات ومرَّات، فأنقذ أولئك الإخوة الأوروبيين المسلمين، جزاهم الله كل خير عن عشرات الآلاف من أرواح المسلمين الذين هم أيضاً من الأوروبين الأندلسيين.

فذاع صيت القائد الإسلامي عروج في بحار الدنيا كلها، وتناقلت شوارع أوروبا الكاثوليكية قصصًا متناثرة عن بطولة بحار عثماني يبحر كالشبح المرعب فلا يستطيع أحد صده أبدًا، أما الأندلسيون المسلمون فقد أسمَوْه (بابا أروج) أو (بابا أروتس) أي (الأب عروج) في لغة الأندلسيين الأوروبيين، وذلك من فرط احترامهم وتقديرهم لهذا البطل الذي خلّصهم من ويلات محاكم التفتيش، فحرف الإيطاليون (بابا أروتس) إلى (بَربَروس) وتعني بالإيطالية الرجل صاحب اللحية الحمراء، ولعل هذا هو سر امتلاك القرصان الذي يظهر في أفلام أولئك التافهين للحيةً حمراء!

المهم أن القائد عروج اصطحب معه في جهاده إخوته إسحق وإلياس وخسرف ( الذي سمي بخير الدين)، فاستشهد إلياس ـ رحمه الله ـ في جهاده، وقام خير الدين بمحاربة الحكام العملاء مع الصليبيين الأسبان في بلاد الجزائر، بينما سقط عروج في أسر فرسان القديس يوحنا في جزيرة “رودس”، ولكن البطل عروج وبعملية خيالية استطاع أن يحرر نفسه، ثم قام بالتسلل بحرًا إلى إيطاليا، وهناك استولى على سفينة من سفن الجيش الصليبي، بعد أن قتل كل من فيها من الجنود الصليبيين، ثم أبحر بها وحده من إيطاليا إلى مصر، ومن ميناء الإسكندرية انطلق المجاهد الفذ عروج مرة أخرى ليلقى أخاه خير الدين، ويواصلان معًا الجهاد في سبيل الله بسفنهم القليلة المتواضعة!

فأصبح اسم “الأخوان بربروسا” اسمًا يرعب سفن الصليبيين الغزاة في كل بحار الأرض، ولكن أحد الخونة من الحكام الموالين لإسبانيا الصليبية آنذاك قام بمساعدة الغزاة في حصار مدينة “تلمسان” الجزائرية، ولكن القائد البطل عروج وجنوده الأتراك والجزائريين أبوا الهروب أو الاستسلام، وفضلوا أن يلقوا الله مقبلين غير مدبرين، فقاتل عروج بكل ما تحمله البسالة من معنى بيد واحدة بعد أن كان قد فقد يده الأولى من قبل وهو يجاهد في سبيل الله؛ لإنقاذ نساء المسلمين وأطفالهم.

ولمّا علم الإسبان أن القائد عروج بنفسه هو الذي يقاتل، بعثوا بالإمدادات العسكرية لتحاصر هذا البطل من كل اتجاه، وهو يقاتل بيد واحدة فأحاط به الصليبيون بسيوفهم في كل موضع قبل أن ينهالوا على جسمه بسيوفهم الغادرة تقطيعًا و تمزيقًا، وبينما الصليبييون يغرسون سيوفهم في قلبه، ركز القائد عروج نظره إلى السماء، ورفع إصبعه عاليًا وحرك شفتيه مبتسمًا وهو يقول:

أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وقتل البطل عروج.

ولم يكتفِ الغزاة الصليبيون بقتل هذا المجاهد، وإنما قطعوا رأسه وأخذوها؛ ليطوفوا بها في مدن أوروبا الكاثوليكية التي دُقت بها أجراس الكنائس احتفالًا كلما مر هذا الرأس الذي كان يسبب كابوسا لملوكهم، والذي كان يذيقهم ألوان الذل والهوان.

ولكن هل انتهى الإسلام بعد مقتل عروج؟ وهل استسلم المسلمون للصليبيين؟

ليس المهم في أمة الإسلام من يحمل الراية، بل المهم أن تبقى الراية مرفوعة دائمًا ! فإن كان قد سقط بطل من أبطال أمة الإسلام فإن هناك بطلا آخر يولد بها، إنه القائد البطل (خير الدين بربروسا) شقيق القائد عروج الذي صمم على مواصلة طريق الجهاد التي بدأها أخوه عروج رحمه الله!

فجهز خير الدين بربروسا سفنه واتجه بها مباشرةً إلى تونس فدمر السفن الإسبانية هناك، وحررها من الصليبيين وأذنابهم، ثم توجه بجنود الخلافة العثمانية المجاهدة فحرر الجزائر، ولم يكتفِ بذلك، بل قام باحتلال “جزر البليار” الإسبانية بعد أن دمر الأسطول الإسباني هناك، ولمّا سمع البابا (بولس الثالث) في روما بانتصارات هذا القائد المسلم أعلن من “الفاتيكان” حالة النفير العام في أرجاء أوروبا الكاثوليكية، فتكوّن تحالف صليبي ضخم من: جمهورية البندقة – جمهورية جنوا – والسفن الحربية للدولة البابوية – وقراصنة القديس يوحنا.

فاجتمع أكبر أسطول عرفته الأرض في ذلك الوقت مكونا من 600 سفينة تحمل نحو ستين ألف جندي، ويقوده قائد بحري أسطوري هو أعظم قائد بحري عرفته أوروبا في القرون الوسطى، ويدعى: (أندريا دوريا)؛ وذلك لإنهاء الإسلام كلية في البحر الأبيض المتوسط، بينما تألفت القوات العثمانية من 122 سفينة تحمل اثنين وعشرين ألف جندي فقط.

والتقى الأسطولان في معركة “بروزة” في (4 من جمادى الأولى 945 هـ 28 من سبتمبر 1538م)، احفظ معي هذا التاريخ جيدًا، فوالله إنه يوم من أيام الله العظيمه، إنه يوم معركة بروزة البحرية الخالدة!

تاريخ أكبر معركة بحرية في تاريخ الإسلام بأسره.

وبالرغم من تفوق الصليبيين بالعدة والعتاد، إلا أن بربروسا قائد بحرية دولة الخلافة العثمانية المسلمة انتصر انتصارًا كبيرًا، وحطم خير الدين بربروسا الأسطول الأوروبي المتحالف تحطيمًا كليًا، فهرب أسطورتهم “أندريا دوريا” من ميدان المعركة التي لم تستمر أكثر من خمس ساعات، بعد تلك الهزيمة المخزية لتحالف جيوش الصليب أمام جيش أتباع محمد رسول الله!

وبعد هذا الانتصار الإسلامي الضخم، عمَّت حالة من الفزعَ والهلعَ أرجاء الإمارات الصليبية، وأصبحت البحرية الإسلامية العثمانية سيدة البحر المتوسط بلا منازع لثلاثة قرون متَّصلة، ووصل خبر انتصار القائد المجاهد خير الدين بربروسا إلى بلاد المسلمين في كل مكان، فعلت صيحات الله أكبر في مآذن مكة والمدينة والقدس وبومباي ودمشق والقاهرة و سمرقند وجميع ديار المسلمين.

وبعد ذلك الانتصار لخير الدين بربروسا تحولت أساطيل القوات البحرية الإسلامية المجاهدة التابعة للخلافة العثمانية العملاقة إلى أقوى قوة بحرية في بحار ومحيطات الدنيا بأسرها، ويكفيك أن تعلم أن دولا مثل: بريطانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وصقلية وسردينيا صارت تدفع الجزية والضرائب للخلافة الإسلامية؛ مقابل السماح لسفنها بالمرور في البحر المتوسط تحت حماية الأسطول الإسلامي العثماني الذي اتخذ من موانئ شمال أفريقيا، ولا سيما الجزائر مقراً له، ولا تتعجب إن علمت أن (جورج واشنطون) أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية دفع جزية للمسلمين؛ لكي يرضوا بتوقيع معاهدة يتم بمقتضاها عدم الاعتداء على أمريكا.

وهذه الوثيقة هي المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة غير الإنجليزية ووقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخها الذي يتجاوز قرنين من الزمان، وفي الوقت نفسه، هي المعاهدة الوحيدة في تاريخ أمريكا التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل