المحتوى الرئيسى

أزمة المطالعة في زمن الضبابية وفقدان المعنى

11/27 03:16

تشكّل معارض الكتاب إجمالاً مناسبةً للإطلاع على أحدث ما أصدرته دور النشر وفضاءً يلتقي فيه الناشرون والكتاب وأصحاب المكتبات والقراء؛ ويمكن، بالتالي، من خلال مراقبة حركتها وأعداد زوارها، وما تحققه من نسب في المبيعات التعرف الى أوضاع النشر لجهة الموضوعات والميادين، كما لجهة إقبال الجمهور على شراء الكتب ومطالعتها. والملاحظ في لبنان، ومنذ سنوات عدة، تراجع في حركة شراء الكتب على الرغم من أن أعداد الزوار، سواء لمعرض الكتاب الفرنسي والفرنكفوني في أواخر شهر تشرين الأول، أو للمعرض الدولي للكتاب الذي ينظمه النادي الثقافي العربي في أواخر تشرين الثاني، تشكّل نسبة مرضية. يجمع المراقبون على أن هناك تراجعاً في الإقبال على المطالعة خاصةً لدى الأجيال الشابة، فيجري الحديث عن أزمة المطالعة وهي أزمة تعود في نظرنا الى أسباب عدة.

تجدر الملاحظة في هذا السياق أن المطالعة هي عادة تكتسب منذ الصغر وتشكل جزءاً من ثقافة الشعوب. فهي سمة من سمات الشعوب الأوروبية بشكل عام، هم يقرأون في الميترو، وفي الباص، وفي الحديقة العامة، كما يرتادون المكتبات العامة المتواجدة في الأحياء والمناطق السكنية بحيث يكون الكتاب بمتناول الجميع. حب المطالعة يولد في الأسرة، أولاً، ثم ينمو في المدرسة، لكي يصبح من ثَمّ عادةً مكتسبة.

يتفاوت الاهتمام بالتربية على المطالعة في مجتمعنا اللبناني وفق البيئة الاجتماعية والثقافية والمناطقية. فإذا كانت بعض الأسر المدينية المتوسطة تشجّع الأطفال على القراءة وتساعدهم على اكتساب عادة المطالعة من خلال سلوكيات معينة، كأن تكون هدية الطفل في المناسبات كتاباً عوضاً عن لعبة سخيفة، أو أن يصحب الأهل أبناءهم إلى المكتبة العامة إن وُجدت، أو إلى معرض الكتاب للقيام بجولةٍ بين أجنحته، فإن ذلك لا ينطبق على البيئات الفقيرة، ولا على القرى والمناطق النائية، حيث الكتاب يبقى من الكماليات. يُضاف الى ذلك العامل الاقتصادي وتراجع مستوى الدخل لدى المواطن اللبناني، وانحسار بل يمكن القول اضمحلال الطبقة الوسطى مما ينعكس سلباً على اقتناء الكتب، وبالتالي، على الإقبال على المطالعة.

كذلك يمكن رصد تفاوت بين المدارس لجهة توفر المكتبات المدرسية أو عدمها، ولجهة تنفيذ نشاطات لاصفية على صلة بالكتاب والمطالعة. فالمدارس الرسمية بشكل عام تفتقر لمثل هذه المكتبات، كما أن مواردها المالية لا تسمح لها بتنظيم نشاطات لاصفية تتصل بالكتاب والمطالعة، اللهم إلا ما تيسّر.

ثمة من يقول إن النظام التربوي الحديث والمعتمد في لبنان منذ نهاية التسعينيات والذي يرتكز على المتعلم من شأنه أن يشكل عاملاً إيجابياً في التشجيع على المطالعة. فالعملية التعليمية لم تعد تقوم على التلقين بحيث يكون التلميذ مجرد متلقٍ، بل تهدف الى التحفيز على البحث عن المعلومات لكي يتمّ تحليلها وفهمها وتمثلها وترجمتها من ثم الى ممارسات وسلوكيات. إلا أن معوقات تطبيق هذا النظام سواء لجهة تأمين التجهيزات اللازمة للمدارس من حواسيب ومكتبات مدرسية وعاملات مدربات في هذه المكتبات، أو لجهة إعداد المعلمين وتدريبهم على المناهج الجديدة، والأوضاع التعليمية التي لا تزال متردية في القرى، كل ذلك ساهم في تعطيل دور المدرسة كبيئة مؤاتية للمطالعة. ناهيك عن أن المقرر الدراسي ثقيل جداً على التلميذ بحيث لا يعود لديه الوقت لممارسة هواية أو نشاط خارج الإطار المدرسي.

وليس وضع المطالعة أفضل في الجامعات على الرغم من توفر المكتبات الجامعية الغنية بالكتب والمراجع. فغالباً ما يُفضل الطلاب اللجوء الى الإنترنت لتحضير أبحاثهم بالسرعة المطلوبة، لكن بالطبع بتسرّع يخفف من قيمة البحث وجديته. فالعصر عصر السرعة ونقرة واحدة على الحاسوب تكفي لتوفير المعلومات اللازمة لإتمام "واجب" البحث. ولا بدّ من الاعتراف أن فضول المعرفة لدى الطلاب الجامعيين في تراجع مستمر، باستثناء قلة من المجلّين الذين ينتسبون الى كليات الآداب والعلوم الإنسانية عن قناعة وبناءً على خيار حر ومسؤول.

يُضاف الى ذلك تعدد وسائل التسلية والمتع السهلة المتاحة سواء على الإنترنت، أو اليوتيوب، أو الفايسبوك، وحتى التلفاز الذي لا تزال نسبة مشاهدته مرتفعة جداً لدى الشريحة العمرية ما فوق الثلاثين عاماً.

لكن بالرغم من كل ما تقدّم ثمة مبادرات جيدة تجدر الإشارة إليها. وهي تتمثل بالأسبوع الوطني للمطالعة الذي تحتفل به وزارة الثقافة في الأسبوع الأخير من شهر نيسان في كل عام والذي أصبح موعداً للاحتفاء بالكتاب، كما تتمثل بنوادي المطالعة التي أنشأتها الوزارة في مناطق عدة ووفّرت لها منشطين مختصين، كذلك بادرت بعض هيئات ومؤسسات المجتمع المدني الى تأسيس مكتبات عامة استطاعت أن تجعل منها مركز إشعاع في محيطها، وفضاء للحوار واكتساب المعرفة من خلال المطالعة. وقد بادرت اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو منذ سنوات ثلاث إلى إطلاق الجائزة الوطنية للمطالعة التي تمنحها سنوياً في إطار أسبوع المطالعة. كما أن جائزة "غونكور لوريان" التي يشارك في لجان تحكيمها طلاب جامعيون من مختلف الجامعات الفرنكفونية في لبنان، والتي أطلقها المعهد الفرنسي في لبنان، كان لها أثر طيب في إثارة الشغف بالمطالعة لدى الطلاب المشاركين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل