المحتوى الرئيسى

الأمراض النفسية في السينما المصرية

11/26 14:48

الأفلام المصرية تقريبًا منذ بدايتها كانت قد أدخلت الأمراض النفسية لمحتوى الأفلام، فوجدناها تناقشها مرة وتتهكم عليها مرة وتمر عليها مرور الكرام مرات، أحيانًا ما يكون ذلك بسذاجة شديدة، وأحيانًا بمهنية ومعرفة عالية.

ربما يكون من الأفضل أن نتحدث في البداية عن الفرق بين الاضطرابات والأمراض النفسية والجنون، فالاضطراب النفسي هو المرحلة الأخف من المرض النفسي، حيث يعاني المريض من أنواع الأمراض النفسية المعروفة، ولكنها لا تعيقه عن ممارسة الحياة بشكل شبه طبيعي، أما حين يصبح المريض عاجز عن ممارسة الحياة الطبيعية، فحينها يُشخّص كمريض نفسي وليس مضطربا.

كل هذا يختلف عن الجنون، لأن الجنون هو مرض عقلي وليس مرضًا نفسيًا، حينها يُقدِم المريض على أفعال وأقوال غير منطقية وغير مفهومة بالمرة، ويعجز عن العودة إلى الواقع فيعيش في عالمه المنفصل الخاص.

بعد هذه المقدمة التي كان لا بد أن نتحدث عنها، سنستعرض معًا في السطور القادمة القليل من تاريخ الأمراض النفسية على شاشة السينما المصرية، والتي قسمناها إلى مراحل.

أدخل فؤاد المهندس الأمراض النفسية في الكثير من أفلامه بشكل ساذج وكوميدي، وبالرغم من ذلك، أو ربما بسبب ذلك، تم ترسيخ هذه الأفلام في الذاكرة، فمن منا لا يتذكر جملة عبد المنعم مدبولي الشهيرة في مطاردة غرامية "أنا مش قصير قزعة أنا طويل وأهبل"، حين كان يؤدي دور الطبيب النفسي، في هذا الفيلم  كان فؤاد المهندس يعاني من مرض حب السيدات من أحذيتهن.

وفي فيلم سفاح النساء تم تقديم دور السفاح المريض نفسيا، والذي يحب قتل النساء ويحولهن إلى عرائس شمعية، لأنه يحب اللعب بالعرائس، ويهدأ تمامًا عند سماع أغنية ماما زمانها جاية، في مشهد محفور في ذاكرتنا جميعًا، عندما يغني أبطال الفيلم للسفاح هذه الأغنية حتى يترك ضحيته الجديدة.

أما في فيلم العتبة جزاز، فإن فؤاد المهندس تجتاحه نوبة هياج ويصبح ذو قوة مفرطة عندما يسمع أغنية العتبة جزاز، نتيجة لأزمة نفسية أصيب بها في أثناء سماعه لهذه الأغنية. على كل حال بالرغم من الأمثلة أكثر من ذلك، ولكن يظل تناولها في هذه الفترة كان بشيء من الهزلية.

استعرض إحسان عبد القدوس العديد من أشكال وأنواع المرض النفسي في كثير من قصصه ورواياته، من ضمن هذه الروايات التي تم تحويلها إلى أفلام، كان فيلمي بئر الحرمان وأين عقلي، والاثنان قامت ببطولتهما سعاد حسني.

في الفيلم الأول، كانت سعاد تعاني من انفصام الشخصية، نتيجة عقدة تكونت لديها منذ طفولتها، ولم تظهر سوى بعد أن أصبحت فتاة، أما في الفيلم الثاني، فكان زوجها هو المصاب بالمرض أو العقدة النفسية، ولكنه كان يحاول إيهام زوجته والآخرين أنها هي المصابة بالجنون.

وكانت هذه هي من المرات النادرة في السينما، التي يحاول فيها شخص إلصاق تهمة الجنون بآخر، دون أسباب مادية كالميراث أو الانتقام، ولكنه فعل ذلك من منطلق عقدته النفسية.

بشكل عام كانت روايات وأفلام إحسان عبد القدوس تتكلم عن الأمراض النفسية بشكل جديّ وكان غالبًا ما يعزز فكرة ضرورة الذهاب للطبيب النفسي، ولكن بالرغم من ذلك فقد يتهمه البعض أحيانًا بالسطحية في تناول مواضيعه.

بالتأكيد تاريخ يوسف شاهين أكبر من أن أتحدث عنه بعمق، ولكن فلنتكلم سريعًا عن فيلمين هما باب الحديد والاختيار.

في باب الحديد، أدى يوسف شاهين دور المريض النفسي المغرم بهنّومة، كان هذا غالبًا نابعًا من عقدته النفسية التي كانت بسبب عرجه الدائم وإحساسه بالنقص، فأصر على أن يحصل على هنّومة، ليثبت أنه لا يعاني من نقص وأنه ليس مختلفًا.

لا أعلم أي نوع من الأمراض تحديدًا جسده يوسف شاهين في هذا الفيلم، ولكنني أعلم أنه جسده ببراعة بتصوير حبه لهنّومة، فمن منا لا يتذكر جملة "تعالي معايا وأنا أتجوّزك هنّومة"، حتى من لم يشاهد الفيلم يعرفها.

أما في فيلم الاختيار، فقد مثل عزت العلايلي حالة من الانفصام، قد تكون مصاحبة لنوع آخر من الأمراض، وهذا يعتمد على متى تمت إصابته بالمرض، هل كان سيّد مريضًا منذ البداية وكان قتله لمحمود عبارة عن مرحلة من مراحل المرض، أم أنه أصيب بالمرض النفسي إثر قتله له، وهو السؤال الذي لم يجاوبه الفيلم وتُرك لخيال المشاهد.

أما في أفلامنا اليوم، فرغم أن هذا العصر هو عصر الأمراض النفسية، نجد أنفسنا أمام فيلم الحرامي والعبيط، الذي يدعو ببساطة لإضفاء لقب العبيط على المرضى النفسيين، فخالد صالح يمثل دور رجل أصيب بأزمة نفسية حادة أو اضطراب ما بعد الصدمة، ففقد الذاكرة وأصيب بالفصام، أو إصابته بالعبط كما قال الفيلم وحاول ترسيخ هذه الفكرة.

وبعيدًا عن عبط فيلم الحرامي والعبيط، نجد بعض الأفلام التي تكلمت عن المرض النفسي بشيء من الجدية، على سبيل المثال فيلم آسف على الإزعاج، حيث جسّد أحمد حلمي حالة مريض اضطراب ما بعد الصدمة، نتج عنه إصابته بانفصام مؤقت، فخلق لنفسه عالمًا يرى فيه أشخاصًا ويتعامل معاهم وهم غير موجودين، بالإضافة بالطبع لشعوره بالبارانويا أو الاضطهاد، فيرى أن الجميع يكرهونه ويدعون عليه.

أدى أيضًا مصطفى قمر دورا من أطرف أدواره في فيلم عصابة الدكتور عمر، وهو فيلم كوميدي يدور في إطار الطب النفسي، فمرضى الدكتور يعانون من الفوبيا، التي يحاول تخليصهم منها عن طريق العلاج بالصدمة أو بالغمر، مما ينتج عنها مواقف كوميدية في الفيلم، حتى يقابل مريضة تعاني من السرقة المرضية ويحاول علاجها.

ربما تعامل هذا الفيلم مع المرض النفسي من منطلق هزلي وكوميدي، ولكنه من الأفلام القليلة التي كان المرض النفسي هو محورها، مثله مثل فيلم عفريت مراتي من بطولة شادية وصلاح ذو الفقار، حين كانت شادية تعاني من انفصامات مؤقتة تجعلها تتقمص شخصيات الأفلام التي تشاهدها، ويحاول زوجها علاجها من هذا المرض، كل هذا كان بالطبع في إطار كوميدي.

حاولت جاهدة واستعنت بالأصدقاء لتذكر أفلام حديثة أخرى، كان البطل فيها هو المريض النفسي، ولكننا لم نجد فيلمًا مصريًا بهذه المواصفات، هناك من اقترح عليّ أفلام حب البنات، وخلي بالك من عقلك، وجبر الخواطر والسراب، وعفوًا أيها القانون، وأرجوك أعطني هذا الدواء، حتى إنهم اقترحوا عليّ فيلم إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل