المحتوى الرئيسى

ننشر أحد نصوص كتاب: “يا سلمى.. أنا الآن وحيد” لـ باسم شرف

11/26 10:31

يا سلمى.. أنا مكسور مثلهم:

تذكرين يا سلمى جنود الحرب العالمية الأولى وهم يودعون ذكرياتهم وأهلهم، وهم لا يعرفون أن الحرب العالمية الثانية في انتظارهم كجولة استثنائية تدور في فلك الهزيمة والتي ستكون محوراً آخر لفك طلاسم وأسباب بؤس هذا العالم وما ينتظره من جروح لن تطويها ساعات هذا الزمن، يا لبؤس هؤلاء الجنود وهم يتحدثون مع أطفالهم عن نبل هذه الحروب.

تعرفين عدد الحوادث التي تمزق قلوب الأمهات كل يوم على قارعة الطريق؟ كم من الوقت تحتاج هذه القلوب لاستعادة قوتها وقدرتها على الحياة، الوقت أقسى من الذكرى التي تسكن هذه القلوب، إنه يمر لأنه لابد له أن يمر دون توقف ودون رحمة، يعرف جيداً طريقه نحو الوجع، ولكن لا مانع من هذا الحزن الذي يغيم علي سحب هذا الشتاء الجديد الذي ننتظره، لقد اعتدناه وهو يتحرك ببطء كحركة لص يعرف أن أصحاب المنزل غير موجودين,

“الجبان يموت ألف مرة والشجاع مرة”، الرجل الذي قالها أول مرة كان علي الأرجح جباناً، عرف الكثير عن الجبناء ولا شيء عن الشجعان. الشجاع إذا كان ذكياً يموت ربما ألفي موت ولكنه ببساطة لا يتذكرهم.

كانت ستزداد قوة هذه الكلمات ووقعها علي وتأثيرها لو لم ينتحر هيمنجواي ويفقد قداسة الحياة قبل أن يسجل هذه الكلمات في كتابه “وداعاً للسلاح”، يا عزيزتي كثيراً ما نؤمن بأشياء ونفعل عكسها بصلابة إيماننا بها، ما أجمل أن نتحلى بأخطائنا، الإنسان السليم هو المفعم بكل هذه الأخطاء والشرور، هكذا علمتنا الحكايات التي عشناها لا التي حكتها لنا جداتنا وهن جالسات على الأرض يحاولن أن يطمئن قلوبنا للحياة ويعرفن أننا أقوياء مثلهن.

أنا يا عزيزتي أحب قراءة السير الذاتية ولكني لا أصدقها، وأكره مثالية أصحابها التي يعلنوها في صفحاتهم ويخبرونا بأن الله ضل طريقه بأنه لم يخترهم أنبياء بقلوب صافية، مع العلم أن الكون تم صنعه بفعل خطيئة ارتكبها آدم وندفع ثمنها نحن، قد تكون الخطيئة يا عزيزتي مفتاحاً لحياة جديدة لا نعلمها ونعلم جمالها وحسنها.

تخبريني أنني اتحدث عن الوحدة كثيراً ويجب أن أعيش بعيداً عنها، ولكني يا عزيزتي أفضل الوحدة وقداستها، أفضل أن أكون وحيداً على أن أكون في ركاب الآخرين الذين يحملون معهم زلات لساني وانفعالاتي الخاطئة، كل ما في الأمر أني أترك نفسي للحياة وأختار ما يناسبني منها علني أكون مالكاً لها لا أن تملكني هي.

الوحدة يا حبيبتي مزاج الأنبياء. أنت تؤمنين بما قاله هيمنجواي عن الوحدة وكراهيته لها مع أنه عاش وحيداً ومات وحيداً، ولم يكن بالقوة التي تجعله يتغلب عليها ويعيش غيرها أو يعيشها ويتفاعل معها كتمرين يومي علي الطبخ ولعب الكرة والصيد، أنا متقلب المزاج يا عزيزتي ولا أملك يقيناً نحو ما أقول. قد أبدله كل لحظة، ولا أعلم من أين لهؤلاء هذا اليقين.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل