المحتوى الرئيسى

حسن كمال يكتب: الرؤية المستقبلية للثورة المصرية

11/25 10:32

فى مقال بعنوان “ثورة 25 يناير .. وبؤسها” للفيلسوف المصرى د. مراد وهبه, فى مجلة الديمقراطية عدد رقم 50 لشهر ابريل 2013, أكد مراد وهبه على أن ثورة 25 يناير كانت تخلو من أى رؤية مستقبلية, وهذا الخلو كان بسبب أنها ثورة بلا قيادة فكرية أو بالأدق بلا قيادة فلسفية. وكما هو معروف عن الثورات بأنها كانت من صياغة الفلاسفة. فهكذا كانت الثورات الثلاث الكبرى: الانجليزية (جون لوك), والفرنسية (فلاسفة التنوير) والامريكية (الآباء المؤسسين)، ولكن على النقيض من تلك الثورات, كانت الثورة المصرية التى تخلو من الفلاسفة والمفكرين الذين هم قادرين على صياغة الرؤية المستقبلية للثورة المصرية, مما أدى إلى تعثر الثورة المصرية وعدم تحقيق تغير جذرى فى المجتمع.

ويجب أن نشير بأن هناك لفظين من وضع مراد وهبه, وهما “الوضع القائم” و”الوضع القادم”, والوضع القادم هو الرؤية المستقبلية التى نرغب أن تكون بوصلة للثورة المصرية. أما الوضع القائم فهو الذى نحيا فيه الآن فى مصر وتتشارك معنا دول الشرق الأوسط التى مرت بثورات الربيع العربى. ونحن هنا نرغب فى إنهاء الوضع القائم من أجل استدعاء وضع قادم جديد, أى من أجل تكوين رؤية مستقبلية للثورة المصرية ليتحقق معنى الثورة. فالثورة كما وضحها وهبه, فى مقال بعنوان قاموس لدستور ثورة مصر (1) نشر بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 7/ 10/ 2013, هى تغيير جذرى لـ«وضع قائم» فى حالة أزمة، أى فى حالة تناقض تستلزم إزالتها باستدعاء «وضع قادم». والوضع القادم عبارة عن نسق جديد من القيم يقال عنه إنه «أيديولوجيا». وعندما تتجسد هذه الأيديولوجيا فى الواقع فإنها تتحول إلى ثقافة. فمعظم القوى الثورية كانت مشغولة بهدم الوضع القائم ولكن دون استدعاء وضع قادم جديد يحل محل الوضع القائم لنكون بالفعل حققنا ثورة فى تغيير الذهنية والفكر قبل أن تكون فى السياسة.

ما هو الوضع القائم ومن المسئول عنه؟

الوضع القائم هو من صنع تيار الأصوليات الدينية سواء كانت إسلامية, مسيحية أو يهودية, فى منطقة الشرق الأوسط, لكن الأصولية الإسلامية هى المتحكمة بشكل أساسى فى كل الدول التى مرت بها ثورات الربيع العربى كمصر وتونس وليبيا. والأصولية الإسلامية ترغب فى تجسيد الدين الإسلامى كمطلق أصولى, أى كمعتقد مطلق غير قابل للتغيير أو النقاش وذلك فى الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى لكوكب الأرض، لكنها تبدأ بالدول العربية والإسلامية كما رأينا فى صعود التيارات الأصولية فى الدول التى مرت بثورات الربيع العربى. وهذا التجسيد قد يتخذ شكلا سلميا أو شكلا حربيا. وغالباً ما يتخذ شكلاً حربياً على نحو ما نراه فى مسار الحضارة الإنسانية بوجه عام مثل تنظيم داعش فى العراق وسوريا، وعلى نحو ما رأيناه فى مصر من قبل جماعة الإخوان المسلمين, وما كان يحدث فى تونس من قبل حزب حركة النهضة التونسية بقيادة راشد الغنوشى, وما تحاول تنفيذة الأحزاب الإسلامية فى باقى الدول العربية كالمغرب وليبيا والأردن.

والسؤال إذن:  ما هو الوضع القادم ومن المسئول عنه؟

أو بشكل آخر: ما هى الرؤية المستقبلية للثورة المصرية ومن القادر على تكوينها؟

الرؤية المستقبلية أو الوضع القادم هو نقيض الوضع القائم. وإذا كان الوضع القائم هو الأصوليات الدينية التى تتحكم فى مصر والشرق الأوسط, فالوضع القادم هو العلمانية التى هى نقيض الأصولية الدينية. والعلمانية كما عرفها الفيلسوف المصرى مراد وهبه فى كتابه “رباعية الديمقراطية” هى (التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق) وهذا التعريف صكه وهبه, ويأتى التعريف كأسلوب فى التفكير ونظرية فى المعرفة قبل أن تكون نظرية سياسية, وذلك كما هو شائع تعريف العلمانية بأنها فصل الدين عن الدولة أو فصل الدين عن السياسية. ففصل الدين عن الدولة هو نتيجة عن العلمانية وليس تعريفا لها كما هو شائع. حيث لا تستطيع أن تفصل الدين عن الدولة أو عن السياسية قبل أن تكون العلمانية حالة ذهنية فى العقل الإنسانى تفكر فى كل ما هو نسبى أى فى الظواهر الإنسانية بتفكير نسبى أى بتفكير متغير وليس بتفكير مطلق أى ثابت. والمثقفون هم القادرون على تكوين تلك الرؤية المستقبلية ودفع الجماهير للالتفات حولها كما حدث فى أوربا, حيث كان الفلاسفة والمثقفون هم من مهدوا للثورة الفرنسية بالتنوير والعلمانية. ولذلك فالمثقفون فى مصر يجب أن يقوموا بنفس الدور عن طريق 3 وزارات هامة (الثقافة, التعليم, الإعلام). وفى مصر تم تعيين وزير علمانى لوزارة الثقافة, أى أن مصر قد بدأت العلمانية بوزارة الثقافة. ولكن لابد من تيار من المثقفين يدعم الوزير فى تأسيس العلمانية فى مصر التى يجب أن تدخل فى التعليم والإعلام.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل