المحتوى الرئيسى

معرض الخريف السنوي في «خان أسعد باشا».. يزوفرينيا تشكيلية

11/25 02:21

لم يعفِ احتفاء معرض الخريف السنوي، لهذا العام بالفنان الراحل «عمر حمدي» (مالفا) الذي تصدرت لوحته البينالي الدمشقي؛ إلى جانب قرابة مئة وخمسين عملاً توزعت بين النحت والتصوير والحفر والزخرفة؛ فالمعرض هذا العام - (مديرية الفنون بالتعاون مع اتحاد التشكيليين) مثل كل السنوات القريبة الماضية فيه الكثير من الأعمال الرثّة ـ يقول الفنان «يوسف عبدلكي» مضيفاً:

«ما شاهدته لا يعكس أبداً الموهبة الكبيرة للفنانين في سوريا؛ أشعر أن أغلب الأعمال وأغلب الفنانين وكأنهم واقعون في حيزٍ مغلق؛ وغير قادرين أن يخرجوا منه أو يتـــجاوزوه، وكأنهم مجبرون على الدخــــول إلى مطبخ ليصنعوا فيه الأعاجيب من ثلاثة أنواع من الخضار؛ وبالتــــالي هناك تقارب كبير فيــــما بينهم؛ ليس فقط في طرق التفكير؛ بل حتى في التقنيات؛ وهو أمر يعاكس كل ما هو فرداني وشخصي في العمل الإبداعي».

شعرتُ أن هذا المعرض في بلد آخر وليس في ســــوريا ـ يعقّب صــــاحب «السكين والعصفور» مضيفاً: «ما عدا ذلـــك عدد قليل جداً من الأعـــمال التي شاهدتها فيها تعريج خـــجول على المأساة السورية؛ تشعر وكأن هؤلاء الفنانين قدموا من بلدٍ آخر وليسوا أبناء بلد يعيش في الدمار والخراب والقتل وسيطرة المافيات على الحياة العامة؛ تشــــعر عندما تشاهد هذه اللوحات بالشيزوفرينيا بين الواقع المأساوي الــــذي نحياه اليوم؛ وبين الهموم التي تحــملها الأعمال المشاركة في هذا المعرض».

يحدث ذلك ـ كما يخبرنا «عبدلكي» ـ في زمـــن الانفتاح الهائل على الميديا وسهولة الإطلاع على حفاري المكسيك وخزافي اليابان ورسامي الهند؛ فلا نجد أي تطلع عند معظم الفــنانين إلا بالعودة إلى الستينيات؛ وهذا أمر يدعو للدراسة والتساؤل عن هذه الاستكانة للجاهز والمتوافر والرثّ.

الفنون التشكيلية والبصرية عموماً هي معطى غير مباشر لهذا الواقع؛ فبرغم التحولات العميقة التي تحدث في حياة السوريين بعد مضي خمس سنوات من الحرب؛ لن تلاحظ في لوحات المعرض تلك التغيرات العميقة، فنحن إزاء موسم ثقافي رسمي لا يسمح بذلك - يعقّب الناقد «طلاع» مضيفاً: «هذه التحولات ستلاحظها في مرسم الفنان؛ في (شخبراته)؛ في هامشه، أما هنا فسنرى غلبة الطابع الاحتفالي المهرجاني؛ حيث يحرص الفنان على حضوره وتواجده من خلال التوافقية، إذ قلما تجد فناناً مشاكساً؛ وهذا هو الوضع الطبيعي لشخصية أي فنان؛ يبدو أننا نميل أكثر فأكثر للركود في المحترف التشكيلي السوري؛ فما طرأ على حياتنا يستدعي منا أن نكون أعلى صوتاً؛ أكثر جرأة وتفاعلاً، لا بالمعنى السياسي بل بالمعنى الإنساني؛ فالفنان يعيش اليوم في مكان من العالم الإنسان فيه مهدد بوجوده؛ أين موقف الفنان مما يحدث؟ ليس المطلوب أن يكون سياسياً، لكن المطلوب أن يكون فناناً ينتـشل مياهه من أعمق الآبار؛ المسألة ليست لإرضاء مدير أو جمهور عابر؛ بل من أجل الذائقة قبل كل شيء».

موضوع الحرب شبه غائب في دورة الخريف لهذا العام. ويرجع ذلك ـ برأي «طلاع» إلى أن معظم الفنون تميل إلى الرخاء بشكله العام؛ لكن بالمعنى الحقيقي اللوحة مرآة للحرب: «لفت نظري أن الطابع الأكاديمي في اللوحات له سلطة وهيمنة على التشكيلي السوري؛ أضف إلى الحس التزييني الموجود في أغلب الأعمال؛ وهذا مقتل الفنون التشكيلية، فالتعبير في الفن لديه أدوات مغايرة يستطيع من خلالها الفنان أن يكون مختلفاً وجديداً؛ على خلاف ما رأيناه في هذا المعرض لا يوجد أي عمل تركيبي له علاقة بالأدوات التعبيرية الجديدة؛ ثم أن طريقة العرض ما زالت تقليدية للغاية، فلم أرَ أي مشهد بصري مختلف؛ ما زلنا مع لوحة الحامل؛ لوحة متر بمتر المعلّقة على جدار».

هذا الأمر يرده «طلاع» إلى ثقافة السوق، فنحن في خان أسعد باشا نبعد عن ســـوق السكاكر والعطارين وخلاخيل النـــساء وأساورهن أمـــتاراً ـ يقول «طلاع»: «يبدو أن اللوحـــة صارت جزءاً من هذا السوق؛ ملحقة به؛ برغم أن هـــذه الأعمال تنتمي إلى عالم المحـــترفات والمراســـم وفنـــون الثقافة؛ إلا أنـــها وقعت في مطـــب السوق، وأعتـــقد أن أي فنان يُطـــلب منه العمل تحـــت متطلبات هذه السـوق سوف يلبي ذلك».

أغلب المشاركين سواء في معرض الخريف أو الربيع يفتقدون إلى الجرأة و الخيال ـ يعلق بدوره الناقد عمار حسن غاضباً: «مجموع المنتج الفني البصري الموجود في أعمال المشاركين هو عبارة عن تجميع بصري، قص لصق مما يرونه، هناك حركة فن وهناك حدث يفرض نفسه على الفنان، لكن أين هو؟ ما لاحظته أن هناك حركة انسحابية من التعاطي مع الحدث السوري لعدة أسباب؛ قد يكون أهمها الخوف، وعدم القدرة على تخيل وإنتاج فن يناسب ويرتقي للحدث؛ ذلك أن الحدث لم يبلغ بعد في ذات الفنان ذاك المبلغ الذي ينتج معه فناً؛ فلا نزال نراوح في المربع ذاته ألا وهو إطار اللوحة».

اللوحة عندما تكون في مواجهة حدث كالحدث السوري، أعتقد أن عليها أن تتوثب وتجمح وتخرج من إطارها التقليدي ـ يضيف الناقد «حسن»: «إن كان من حيث المعنى أو من حيث المفردات، فاللوحة هنا يجب أن تتشظى كما تشظى البلد وكما تشظى الإنسان وصار أشلاءً؛ لم يعد مقبولاً من اللوحة أن تقدم منظراً طبيعياً؛ أن نرسم رحى، عائلة؛ أو بيتا؛ الفكرة تجاوزت كل هذه الموضوعات، اللوحة ذات البعد الواحد أو البعد الثنائي لم تعد كافية في هذا الظرف؛ فمن الواضح أننا لم نستطع أن نصل إلى لوحة معاصرة، أو لوحة تركيبية؛ فنحن بحاجة إلى لوحة ندخل فيها، تدخل فينا، ليس فقط أن نراها».

ثمة أعمال مشاركة ـ وهي قلة ـ تتمتع بروح متوثبة وقدرة عالية على التعبير؛ لكنها لا تصل إلى مستوى النزف أو الصدمة البصرية التي من خلالها يمكن أن نرى أرواحنا المهشمة ـ يعقب الناقد «حسن» مضيفاً: من الصعب جداً عبر اللوحات التي شاهدتها في معرض الخريف أن ألتقط هذه الروح المرهقة المدمّرة».

لكن هل توجد رقابة صادرت مخيلة الفنانين المشاركين في المعرض؟ يجيب «عمار حسن» مجدداً: «في سوريا لا توجد رقابة على اللوحة إطلاقاً؛ إلا أن غلبة الحس التزييني يعود إلى خوف كبير يجرفنا إلى الداخل؛ لا نستطيع أن نفجّر خوفنا كفنانين إلى الخارج؛ أضف إلى أن الكثير من المشاركين ليس لديهم هاجس حقيقي؛ فاللوحة لديهم تُنتج لتباع؛ والفن ليس هكذا أبداً؛ الفن هو من يواجه الحياة ويعيد تجديدها؛ ونحن حتى الآن لم نفكر بهذه الطريقة، المهم هو أن ننتج لوحة ونعيد تدويرها لعشرات السنين».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل